كتب - أحمد عبدالله:

شهدت الساحة الوطنية مبادرات عدة ترمي للمصالحة الاجتماعية واللحمة الوطنية، وتنوعت أساليبها والشخصيات والتجمعات الشعبية القائمة عليها، من رجال دين إلى نواب وقادة مجتمع، إضافة إلى حقوقيين وسياسيين، وتمت الاستعانة بخبراء مصالحة دوليين في هذا الخصوص.

تعدد المبادرات وتنوع مشارب القائمين عليها لم يشفع لها بتحقيق أهدافها بمواجهة تيار دأبه خلط الدين بالسياسة بالاجتماع وطأفنة كل شيء، في محاولة لاستمرار الواقع التأزيمي وفرض أجندة خارجية على البلاد تقوم على تفتيت المجتمع وخلق شرخ اجتماعي يزداد ويستفحل مع الزمن.

ومن بين المبادرات فكرة اللقاءات الشعبية التي أطلقها النائب أحمد الساعاتي بالتزامن مع عيد الأسرة في مارس الماضي، وتتركز حول هدف واحد هو لمّ الشمل، كما ترمي إلى إطلاق إقامة تجمعات تضم كل أطياف الشعب البحريني، بهدف التغلب على الشرخ الاجتماعي وإثبات أن البحرينيين جميعهم أسرة واحدة، وكانت هذه المبادرة موجهة إلى الخارج أكثر من الداخل، لكون من أطلقوها يرون ألا مشكلة اجتماعية بينهم، وإنما المشكلة سياسية فقط.

وبعد ذلك، أعلنت كتلة البحرين برئاسة النائب أحمد الساعاتي، عزمها إطلاق مبادرة لتعزيز اللحمة الوطنية بين مكونات المجتمع خلال رمضان، مشددة على أن حل المشاكل الداخلية يجب أن يظلّ بحرينياً، وأوضحت أن مبادرتها تتضمن مشاريع وفعاليات وخطوات تستهدف لم الشمل وتقريب وجهات النظر ووقف العنف وحملات التحريض والكراهية والطائفية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من جميع الأطراف، بمشاركة رجال الدين والفكر والإعلام والسياسة والشباب، احتراماً لشهر رمضان المبارك وتهيئة لأجواء الجولة المقبلة من الحوار الوطني بين الأطراف المختلفة. وكان الساعاتي رأى في وقت سابق أنه لا توجد مشكلة طائفية في البحرين، وأن بعض الجهات استخدمت الأوراق الاجتماعية للضغط”. وأضاف: “جلسنا مع خبراء دوليين لكنهم “ضحكوا علينا” وقالوا ليست لديكم مشكلة”.

ومن جانبه، دعا رئيس تجمع الوحدة الوطنية د.عبداللطيف آل محمود مؤخراً إلى العمل على إنهاء الأزمة التي تمر بها البحرين انطلاقاً من مجموعة من المبادئ حددها في 11 نقطة من أهمها: أخذ القيادات الدينية والسياسية من جميع الأطراف بزمام المبادرة والعمل على الإصلاح، وإيقاف جميع أعمال العنف وإدانتها، والتأكيد على المحافظة على الانتماء العربي والإسلامي للوطن على اعتباره أصلاً ثابتاً لا تزحزح عنه ولا تفريط فيه.

وارتكزت مبادرة آل المحمود على أن يكون الحل بأيدي المواطنين البحرينيين دون تدخل أي من القوى الخارجية، ودعا للأخذ بضمانات لعدم العودة لمثل هذا التأزيم بعد كل فترة من الفترات لمصلحة أجيال الوطن الحاضرة والمستقبلية.

وأطلق الناشط سهيل القصيبي مؤسسة للمصالحة والحوار المدني يهدف القيام بدور الوسيط لتسهيل الحوار الجدي بين مختلف شرائح المجتمع لتجنب النزاع وتفادي الشرخ الطائفي وتعزيز الوحدة الوطنية.

وقال القصيبي: إن المؤسسة تعنى بتعزيز ونشر النقاش المفتوح بين مختلف أفراد المجتمع مهما كانت أعمارهم أو أصولهم أو طوائفهم في إطار السعي لتجسير الهوة والتماسك والتقريب بين أهل البحرين.

وشدد القصيبي وقت إطلاق الجمعية على أنها ليست سياسية أو دينية، كما إن مجلس أمنائها يضم أعضاء من الطائفتين الكريمتين السنية والشيعية.

وأضاف القصيبي أن المؤسسة وضعت خططاً لتنظيم العديد من المؤتمرات والفعاليات الاجتماعية العامة بهدف تسهيل التبادل الفكري والقيمي عبر مختلف شرائح المجتمع.

وتسعى المؤسسة إلى دعوة خبراء في مجال حل المنازعات الاجتماعية من أجل تنظيم ورش عمل وبرامج للشباب البحريني سيتم الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية.

وسبق أن أطلق الناشط الحقوقي عيسى العربي مبادرة للمصالحة الوطنية، بهدف تجنيب “مناطق الاحتكاك” خاصة والسكنية عامة ويلات الصراع السياسي، وترتكز المبادرة على التزام كافة الأطراف بوقف جميع الأعمال والممارسات المرتبطة بالمطالبات السياسية أو الحقوقية بمناطق الاحتكاك، وتجريم كل فعل أو ممارسة أو دعوة تحريضية تخالف مبادئ المبادرة وقيمها، وتعتمد في آلياتها على التوافق الوطني والشعبي والمسؤولية الوطنية لجميع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية والوطنية، خاصة المؤسسات والجمعيات الدينية والسياسية والحقوقية، وحمّل العربي مسؤولية تنفيذ مبادرته للقيادات الدينية والجمعيات الإسلامية والسياسية والحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، للعمل على إيجاد التوافق الوطني والشعبي على المبادرة وتحقيق المصالحة الوطنية.

ودعت اللجنة المكلفة بمتابعة توصيات تقرير تقصي الحقائق، إلى وضع برنامج للمصالحة الوطنية يتناول الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والاستعانة بخبرات دولية، مع مراعاة مبادئ حقوق الإنسان والمبادئ الدستورية. جاء ذلك تنفيذاً لـ(التوصية رقم:1725 /ب) للجنة تقصي الحقائق، بضرورة إعداد برنامج للمصالحة الوطنية.

والتقت لجنة المتابعة عدداً من خبراء المصالحة بينهم مارك مولر من منظمة انترميديت البريطانية، كما استعرضت تجربة المصالحة الوطنية في جنوب أفريقيا وأيرلندا وغيرهما. وتابعت موضوع الخطة الوطنية للمصالحة الاجتماعية التي أعدتها وزارة التنمية الاجتماعية.

كما اطلعت اللجنة على مبادرة مجلس الشورى المتعلقة بوثيقة المصالحة الوطنية التي تم تدشينها يوم الإثنين الموافق 9 يناير 2012م، والتي تتضمن معاهدة الله عز وجل بأن يكون الولاء للوطن والقيادة، وأن تجمعنا الأخوة والمحبة والتراحم، وأن يكون نهجنا التسامح والتعايش والتآلف، وعمادنا العدالة والإنصاف واحترام القانون وسيادته، وقررت اللجنة تبني هذه الوثيقة. بدوره، استقدم مكتب الأمم المتحدة الإنمائي،مؤخراً، مختصين في المصالحة الوطنية إلى البحرين للاطلاع على الأوضاع ومحاولة الإسهام في المصالحة المجتمعيين.

والتقى خبراء المصالحة الأمميون بمختلف الجمعيات ومؤسسات المجتمع من تقريب وجهات النظر والعمل على ردم الهوة التي خلفتها الأحداث بالمملكة.

كما نظموا ورش عمل للعديد من مؤسسات المجتمع المدني، تهدف للتدرب على التعاطي مع الشرخ الاجتماعي بإيجابية، وتحاول إعادة الأوضاع والعلاقات بين مكونات المجتمع كما كانت في السابق. ونظم الخبراء عدداً من الزيارات للمجالس العائلية من مختلف فئات المجتمع البحريني.

وقال الخبير في المصالحة د. روحي أفغاني: إنه لا يستطيع أن يحكم بالنجاح من عدمه على المبادرات الشعبية الهادفة إلى المصالحة الوطنية في البحرين، موضحاً أنه لم يطلع بالإحاطة الكافية على نتائج هذه المبادرات.

وبين في تصريح للوطن أنه يجب دراسة مشروعات المصالحة ومتابعة تقويمها، مبيناً أنها تحتاج إلى تمويل سواء كان من شخصيات ومؤسسات وطنية أو من مؤسسات دولية.

ودعا إلى توسيع دائرة مبادرات المصالحة الوطنية وتقويتها بحيث تعمل كما لو كانت مؤسسات قائمة تلقى الدعم المناسب، كما دعا إلى تتوجه المبادرات إلى وضع تستطيع معه أن تحظى بالقبول من مختلف فئات المجتمع وطوائفه.

وكان أفغاني انتقد أن يصبح قطع الشوارع مثل اللعبة اليومية للأطفال، داعياً إلى ضرورة معالجة جذور المشكلة في البحرين من خلال قيام الأمهات والأسر بالدور المنوط بها دون الانشغال بمعالجة عوارض المشكلة الاجتماعية المعقدة.

كما دعت الخبيرة في المصالحة د.ألما جاد الله من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى اعتماد أدوات التحليل للتوصل لاتفاق على صياغة المشكلة الاجتماعية في البحرين وتشخيصها، لافتة إلى أنه لا يمكن لمن يأتي من الخارج أن يدرك الصورة كاملة على ما هي عليه.

وهكذا تعددت مبادرات المصالحة من مختلف التوجهات والشخصيات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني، ولكن شيئاً واحداً ظل يقف في وجهها ولا يدعها تتقدم خطوة للأمام، ألا وهو مواقف دعاة الدولة الدينية المرتهنين لمرجعيات خارجية، وهي مواقفُ ظلت تعوق كل المصالحات وتقف حجر عثرة في وجهها.