تحقيق - حسين التتان: أرشدني إليه أحد المواطنين.. رجل من الإمارات العربية الشقيقة يعاني من مشكلات نفسية عميقة، جاء إلى البحرين طلباً للعلاج، لكنه في الحقيقة أخطأ الجهة المطلوبة.. سمع صاحبنا أن أحد مشايخ الدين في البحرين يمارس العلاج بطريقته الخاصة، فجاء إلى البحرين مسرعاً ليلتقيه، وحين التقاه في أجواء مختلطة بين الدين والدجل، أخذ رجل الدين يردد بعض الكلمات غير المفهومة، ويحرق بعض الأعشاب التي تباع في أسواق العطارين، وبعد جلسة الزار غير المشروعة، كان سعر العلاج 600 دينار بحريني!!. يقول صاحبنا الخليجي خرجت من رجل الدين خاوي الوفاض، بل خسرت مبلغاً من المال، ولأنني لم أتعاف من مرضي، أرشدني آخرون إلى رجل دين آخر ممن يمارسون هذه الأعمال، فزرته، ووجدته يمارس بعض الأعمال المشبوهة، وفي نهاية الجلسة طلب مني مبلغاً كبيراً من المال، أخجل أن أذكره، لأنه يبين مدى سذاجتي. رجع إلى موطنه بالخيبة والخسران، وما زال المشعوذون يمارسون دجلهم في منازلهم المغلقة، تارة باسم الدين والقرآن، وتارة باسم الطب والغيبيات، وبين هذا وذاك، يستخدم هؤلاء الأعشاب الطبيعية في العلاج من أمراض النفس وأمراض الجسد. الأعشاب ومدى تقاطعها مع عمل الدجالين، وموقف الإسلام من هؤلاء، وكيف ينظر الناس إليهم، وموقف من يبيع الأعشاب على الدجالين، بل والأهم ما موقف الجهات الرسمية من هذا الدجل كله؟ ذلك هو موضوع تحقيقنا هذا.. الأعشاب بين الطب والشعوذة يقبع في آخر زاوية من محله الكائن بالمحرق، يلبس نظارته الغليظة، ويطأطئ رأسه عندما يمشي أو يجلس.. حين دخلت إلى محله لألتقيه كان يبدو منشغلاً بقراءة القرآن، على الرغم من أنه يبيع أعشاباً يستخدمها المشعوذون في دجلهم، كما يستخدمها الناس في علاجاتهم.. إنه العطار عبدالجليل الحواج، الذي استعنّا به كثيراً لإطلاعنا على أسرار هذا العالم المليء بالغموض. سألناه: ما مدى استخدام بعضهم للأعشاب من أجل عمليات السحر والدجل والشعوذات؟ وهل تعلمون بذلك؟ وما موقفكم منه؟. يرى الحواج أن الأعشاب سلاح ذو حدين، يستطيع المرء استخدامها في العلاج من الأمراض المختلفة، أو أن بعضهم يستخدمها (وهم قلة) في قضايا منافية للأدب والشرع والقانون، فالأعشاب تعدّ سلاحاً ذو حدين، تماماً كالسكين. الحواج لا يسأل الزبون عن استخداماته للأعشاب، لأنه سيتعرض إلى مواقف محرجة، وما شأن التاجر أن يسأل عن بضاعته فيم ستستخدم؟.. إنه يبيع ليتربح وهناك جهات أخرى من شأنها مراقبة فيم يستخدم ما يبيعه، فأنت عندما تشتري سكيناً من البائع هل سيسألك ما إذا كنت تريد أن تقطع بها الخضر أو الفواكه أو لحوم الخراف أو الدجاج أو السمك أو أنك تريد أن تذبح بها أحداً أو تجرحه؟.. ومن هنا يقول الحواج: مرة سألت امرأة اشترت مني عشباً معيناً، عن نوعية استخداماتها له، فقالت لي زاجرة: (مب شغلك)، ومن ذلك اليوم ومنعاً للإحراج، لم أعد أسأل الزبائن هذا السؤال.. ليست وظيفتي في الحقيقة أن أسأل الزبون عن استخداماته للأعشاب، فأنا وظيفتي أن أبيعها فقط، أما من يستخدمها للدجل والشعوذة، فهذه مشكلته، وليست مشكلتي أو مشكلة الأعشاب. يقول الحواج: من الممكن جداً أن يستخدم بعضهم هذه الأعشاب لأمور غير علاجية، لعل من أبرز تلك الأعشاب، الحرمل والسويدة، الحبة السوداء، والبان، والجاوي، والجعدة، وعين العفريت، هذه الأعشاب عادة ما تستخدم كبخور، فبعضهم يستخدمها ضد الحسد، وبعضهم يستخدمها كعلاج لطرد البكتيريا وغيرها من العلاجات النافعة، وآخرون وهم قلة يستخدمونها لأمور غير شرعية، كتحضير الجن والسحر والشعوذة. ويستدرك الحواج فيما يتعلق ببيع الأعشاب، بأنه حين يشعر أن الزبون يريد العشبة لأجل أمور غير شرعية، فإنه يتعلل بعدم وجودها في المحل. بينما كنت أتحدث مع الحواج، دخل أحدهم يسأل عن علك البان، فأعطاه من دون أن يسأله لماذا... وحين مضى الزبون قال لي: أنظر أنا لم أسأله، فعلكة البان، تستخدم علاجاً للثة والمسالك البولية، كما إنها تدر البول، كذلك يستخدمها بعضهم لطرد العفاريت بزعمهم، فكيف لي أن أعرف حقيقة استخدام الزبون لها؟. يرى الحواج أنالأعشاب ليست هي الطريق الوحيد للدجل، بل حتى القرآن الكريم الذي هو شفاء للناس من الأمراض النفسية وغيرها، يستغله بعض الدجالين والمتاجرين بالدين، بصفة خاطئة، عن طريق التدليس وبيع الأوهام، بل إنني وجدت بعض المعالجين في إحدى جلسات الزار المعقودة بصفة غير قانونية أو شرعية، يضربون المريض ضرباً مبرحاً وخطراً، بحجة طرد الجن والعفاريت من جسده، وهذا الأمر منافٍ للإسلام والعلم والقانون. ما رأي الدين؟ حين نتحدث عن الاستخدامات الخاطئة للأعشاب والتداوي بها من الأمراض النفسانية، فإننا سندخل في جدل الخرافات والنصب والسحر والشعوذة، وبما أن الأمر يتعلق بالمعتقدات والإيمان، فحينها يكون رأي الدين أكثر أهمية من غيره. ليس كل عالم دين يستطيع أن يكون محايداً في إظهار الرأي الحقيقي للإسلام فيما يتعلق بالغيبيات، فبعضهم تشابهت عليه المعارف، وبعضهم يعتقد أن الدين كله غيب، وبعضهم الآخر يرفض جميع الحقائق العلمية التي تفصل بين الدين الحقيقي والخرافة. هنا، نستقرئ رأي العالم الراحل المتفتح السيد محمد حسين فضل الله، لمعرفة رأي الدين في جميع الطرق التي تؤدي إلى الشعوذة والسحر والأباطيل كافة التي حاربها ويحاربها الإسلام. يقول فضل الله: وردت الأحاديث الكثيرة في التنديد بالساحر والسحر، والتشديد على عقوبة الساحر في الدنيا والآخرة، فقد جاء في الحديث: “الكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النّار”، و«ساحر المسلمين يقتل، وساحر الكفّار لا يقتل، فقيل: يا رسول اللّه، ولِمَ ذاك؟ قال: لأنَّ الشرك والسحر مقرونان”. ولعلّ الوجه في ذلك، هو طبيعة الخطورة التي يمثّلها السحر في ربط النّاس بالخرافة والتضليل والتمويه والابتعاد عن طبيعة الأشياء، تحت ستار الأسرار الغامضة المقدّسة، أو الاعتقاد ببعض المؤثّرات في خصائص الأشياء بالمستوى الذي يتنافى مع وحدانية اللّه وعظمته. كما تكمن خطورة السحر في ربط النّاس بالخرافة والتضليل والتمويه تحت ستار الأسرار الغامضة المقدّسة، وإنَّنا لا ننطلق، في تحفّظنا في موضوع اعتبار السحر شيئاً حقيقياً، من فكرة استبعاد علاقة الأشياء غير الملموسة أو غير المادية بالتأثير بالواقع، باعتبار إيماننا بالجانب الحسي في قضايا الحياة الواقعية، بل لأننا لا نملك أدلة وجدانية أو شرعية، في ما نعرفه من أدلة، على ذلك، فتبقى القضية في طور الاحتمال الذي يحتاج في جميع تفاصيله إلى دليل. يرى فضل الله أن جميع الأعمال التي تحاكي الغيبيات للتحايل على عامة الناس، تدخل في خانة السحر والدجل. يقول: لقد اختلفوا في ماهيّة السّحر على أقوال، فقيل: إنّه ضرب من التخييل وصنعة من لطيف الصنائع، وقد أمر اللّه بالتعوّذ منه، وجعل التحرّز بكتابه وقايةً منه، وأنزل فيه سورة الفلق، وقيل إنه خدع ومخارق وتمويهات لا حقيقة لها، يخيّل إلى المسحور أنَّ لها حقيقة؛ وقيل إنه يمكن للسّاحر أن يقلب الإنسان حماراً ويقلبه من صورة إلى صورة، وينشئ الحيوان على وجه الاختراع، وهذا لا يجوز، ومن صدّق به فهو لا يعرف النبوّة ولا يؤمن أن تكون معجزات الأنبياء من هذا النّوع، ولو أنَّ السّاحر و«المعزّم” قدرا على نفع أو ضرر وعلما الغيب، لَقدرا على إزالة الممالك واستخراج الكنوز من معادنها، والغلبة على البلدان بقتل الملوك من غير أن ينالهم مكروه أو ضرر، فلما رأيناهم أسوأ حالاً وأكثرهم مكيدةً واحتيالاً، علمنا أنّهم لا يقدرون على شيء من ذلك. فأمّا ما روي من الأخبار أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُحر، فكان يرى أنه فعل ما لم يفعله، أو أنه لم يفعل ما فعله، فأخبار مفتعلة لا يُلتفت إليها. ويعقب فضل الله على رأي بعض علماء المسلمين فيما يخص سورة الفلق: إنّنا نعقّب على ما استفاده بعضهم من سورة الفلق، في قوله تعالى: “وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ”، أنَّ من الممكن أن تكون الاستعاذة أسلوباً من أساليب التخلّص من الحالات النفسيّة الّتي يعيشها الإنسان من خوفٍ أو قلقٍ إزاء هذه الحالات، وذلك بسبب العقليّة الشعبيّة الّتي درجت على اعتقاد وجود آثار حقيقيّة لمثل هذه الأمور، وقد يكون قريباً من هذا الجوّ، الأحاديث الواردة في الاستعاذة باللّه من أسباب الطيرة والتشاؤم إذا حدث في النفس شيء بسببها، ما يوحي بأنَّ المعالجة ليست معالجةً لشيء حقيقيّ يخاف من خطره، بل هي معالجة لحالة نفسيّة تحدث من خلال العقائد الموروثة، وقد لا يعني هذا أن نلغي من الحساب كلّ التأثيرات الروحيّة بسبب بعض الكلمات المقدّسة من أسماء اللّه الحسنى وآياته، فقد ورد في كثيرٍ من الأحاديث، تأثيرها في بعض القضايا الّتي تبقى من اهتمامات الأديان المرتكزة على وحي اللّه الّذي يعلم حقائق الأشياء في خصائصها الروحيّة والماديّة. يعتقد فضل الله أن هذه الأمور ليست مساحةً مفتوحة للجميع، بل هي من صلاحيّات أهل المعرفة الدّينيّة الواعية، الّذين يميّزون بين الخرافة والحقيقة، ويعرفون صحيح الحديث من فاسده، فلا يأخذون من هذه القضايا إلاَّ ما ثبت لهم صحّته مما لا يخالف المنطق وطبيعة الأشياء، ولا يمكن الاستسلام فيها إلى أشباه الأميّين الّذين لا يملكون من المعرفة إلاَّ قليلاً، فيعتمدون على الصّدفة في ربح ثقة النّاس، مما لم يكن لهم فيه أيّ دخلٍ من معرفة أو تأثير، فيتبعهم النّاس لذلك، ويعتذرون عنهم في غير ذلك مما يخطئون فيه، لأنَّ شأن النّاس أن يحبّوا التّصديق السّهل في الأمور، فذلك يجعلهم في حالة استسلام للحلّ السّهل الّذي لا يكلّفهم عناءً في مواجهة الأشياء. ماذا يقول الشارع؟ بما أن أكثر ضحايا هؤلاء الدجالين هم الناس، أحببنا هنا أن نقرأ أفكارهم وما يحيط بمفاهيم الدجل مجتمعياً من قضايا مهمة، هم أعلم من غيرهم بها. هاني عبدالحسن، شاب بحريني، يملك بعض المعلومات حول مسألة التداوي بالأعشاب من خلال الدجل، يقول: كل من يدَّعي قدرته على شفاء الناس من جميع الأمراض عبر حفلات الزار وغيرها، فهو متحايل نصاب دجال، فهؤلاء يخدعون الناس ليبيعوهم الأوهام، بل أنني حضرت إحدى الجلسات التي كان يمارسها أحد رجال الدين المشعوذين، فرأيت بأم عيني أنه يرهق المريض نفسياً، حتى يتخيل الشخص نفسه أنه مريض بالفعل، وهو ربما ليس كذلك، فيصرخ ويحرق الأعشاب ويطفئ الأنوار، لخلق حالة نفسية في قلب المريض. يعتقد عبدالحسن أنه لا يوجد علاج بالسحر والشعوذة عن طريق الأعشاب، ففي هذه الأيام، أصبحت هذه وظيفة من لا وظيفة لديه، وأن من يمارسون هذه الخزعبلات ليس لهم هدف في الحياة سوى جني المزيد من المال الحرام، وتكوين ثروة من خلال السذج والبسطاء من الناس، بل يستغرب عبدالحسن من الناس الذين يُذعنون لمثل تلك العلاجات المخالفة للدين والعلم والعقل. يٌرجع عبدالحسن ذلك الأمر ربما، لأن بعض الحالات المرضية المستعصية تستعصي على العلاج في مستشفيات الدولة، ولشدة المرض والألم يلجأ هؤلاء المرضى إلى الدجالين كآخر وسيلة من وسائل الأمل، ويتعلقون بأي خيط منه، بالرغم من يقينهم الخالص، أن ما يمارسونه، أمر منافٍ للأخلاق وتعاليم الدين الحنيف ومنافٍ لأبسط قواعد العلم. يقول عبدالحسن أخيراً إن غالبية ضحايا الشعوذة في مجتمعاتنا العربية، هم من النساء، لأنهم أكثر عاطفة من الرجل، كما إن نسبة الأمية لدى الإناث في وطننا العربي أكبر منها لدى الرجال، خصوصاً في الأرياف، لكن اليوم، بدأت هذه الظاهرة بالانحسار، بسبب زيادة وعي الناس وانتشار التعليم. بيع الأوهام «لا أؤمن أبداً بما يسمى بالعلاج بالأعشاب بالوسائل الروحية، ومن يمارس ذلك فإنه يمارس تحايلاً ونصباً على الناس”. بهذه الكلمات تحدث المواطن نادر الحاجي عن ظاهرة بيع الأوهام، عبر السحر والشعوذة، وقال: كل من يمارس دجلاً واسعاً باسم الأعشاب، فهو محتال ونصاب، وأعتقد أن أكثر الحالات التي تلجأ إلى هذه الفئة المحتالة طلباً للشفاء، هي أولئك الذين لا ينجبون لأسباب مختلفة.. هل تتوقعون حين يعجز الطب الحديث والمتطور عن إيجاد حلول للعقم، سيكون بإمكان الدجالين أن يجدوا الحل لهذه الحالة؟ إذا لم يفلح العلم، هل سيفلح الجهل؟ يطالب حاجي الجهات الرسمية والأمنية بتتبع كل محتال ودجال، وتعريضهم للمساءلة القانونية، كما على الناس مساءلتهم أخلاقياً، سواء كان الممارس للدجل رجلاً عادياً أم رجل دين، بل أن رجل الدين يكون جزاؤه مضاعفاً، لأنه أكثر الناس معرفة بحرمة الشعوذة والسحر وما إلى ذلك. يؤكد حاجي أن هناك من المواطنين والخليجيين من يطلبون العلاج عند هؤلاء المشعوذين، خسروا آلاف الدنانير، لكل واحد منهم، ولهذا يتساءل، أين هي الجهات الرقابية والأمنية والصحية من ذلك كله؟. الداخلية والصحة لا تردان في الحقيقة لم نتباطأ ولم نتهاون في أن نوجه كميات من الأسئلة والاستفسارات التي طرحناها ويطرحها المواطنون، فيما يخص مراقبة الدجالين والعطارين وكل جهة لها علاقة ببيع الأوهام، إلى وزارتي الداخلية والصحة، لمعرفة الإجراءات القانونية التي تتبعها كل وزارة مع مثل هذه الحالات، لكننا مع الأسف الشديد، فشلنا في الحصول على الرد، وبالرغم من إغلاق هذه الصفحة من التحقيق، إلا أننا ما زلنا ومازال الناس ينتظرون منهما الرد الشافي.