عندما بدأ التحول الديمقراطي بمملكة البحرين في العام 2001 من خلال مشروع ميثاق العمل الوطني والاستفتاء الذي تزامن معه ظهرت الحاجة لمشروع طموح لتحقيق التنمية السياسية بما يضمن نمو الوعي السياسي.
هذه الحاجة ظهرت لأسباب متعددة، وقبل الحديث عنها لابد من الحديث عن أهمية التنمية السياسية في أي مجتمع ومدى الحاجة لها. عادة ما تركز الكثير من المجتمعات على كيفية تحقيق التنمية بمفهومها الاقتصادي أو الاجتماعي وغيرها من القطاعات، ولكن في معظم الأوقات لا تشكل التنمية السياسية أولوية من بين هذه القطاعات، لماذا؟
البعض يعتقد أن التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى تطوير القدرات العسكرية يعد أولوية على بقية القطاعات الأخرى، ولكنه لا ينظر إلى أهمية التنمية السياسية وارتباطها بقطاعات التنمية الأخرى. الأهمية هنا تتعلق بترابط كافة القطاعات في الدولة لتحقيق أهداف التنمية وتطلعاتها المختلفة، ولذلك فإن التركيز على جانب معيّن من جوانبها وعدم الاهتمام بالجوانب الأخرى يؤدي إلى تأثرها، وفي أوقات كثيرة إلى إعاقتها وعدم تحقق التنمية.
في ضوء ذلك، ظهرت التنمية السياسية لتكون العملية الموازية لعمليات التنمية الأخرى في مختلف القطاعات، فليس منطقياً أن يتم استقطاب الاستثمارات في الدولة وتحديث مشاريع البنية التحتية دون أن تكون هناك مؤسسات دولة حديثة تقوم على سيادة القانون واحترامه تنظم العلاقة بين الأفراد والأفراد من جهة، وبين الأفراد والمؤسسات من جهة أخرى، وبين المؤسسات والمؤسسات من جهة ثالثة. هذا المثال يعطينا دلالة بأهمية التنمية السياسية.
عملية التنمية لا تتم في وقت زمني قصير، بل هي عملية مستمرة، ومتواصلة لا تتوقف لتزامنها مع تطور المجتمع، وتأثره بالظروف الإقليمية والدولية. ولذلك، فإن نتائجها تظهر على المدى الزمني المتوسط أو الطويل، ولذلك أيضاً لا ينظر لها على أنها مهمة مقارنة بالتنمية في قطاعات أخرى تظهر نتائج الجهود فيها سريعاً، مثل القطاع الاقتصادي، أو قطاع البنية التحتية.
سؤال آخر؛ هل ينبغي أن ترعى الدولة فقط التنمية السياسية كرعايتها للتنمية في قطاعات أخرى مهمة؟
قد تختلف التنمية السياسية عن بقية القطاعات الأخرى في أنها تتطلب جهوداً مشتركة وجماعية من أطراف عدة، مثل مؤسسات الدولة الرسمية، ومؤسسات المجتمع المدني بما فيها الجمعيات السياسية، وأيضاً المسؤولية مشتركة مع وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، إضافة إلى مسؤولية الأفراد. كما تتنوع مسؤولية كل طرف في تحقيق التنمية السياسية طبقاً لطبيعة الدور الذي يقوم به في المجتمع.
المحور الأكثر أهمية في التنمية السياسية هو الوعي السياسي الذي يعد من مخرجات التنمية ونتائجها. فلا جدوى من التنمية إذا لم تُنتج مثل هذا الوعي الذي يحتاجه المجتمع لتطوير تحوله الديمقراطي، والوعي أيضاً يعد نتاج عملية طويلة المدى ولها متطلباتها وجهودها المختلفة.
الوعي السياسي يتضمن مجموعة كبيرة من الأفكار والقيم تجاه مختلف القضايا والظواهر السياسية، والوعي نفسه هو الذي يتحكم بالسلوك السياسي لأي فرد أو حتى المؤسسات المختلفة. فعلى سبيل المثال، عندما يتم الحديث عن تراجع مشاركة المرأة السياسية في الانتخابات، فإن تفسير ذلك قد يكون من أسبابه تراجع الوعي السياسي لدى الناخبين، وقناعتهم بعدم أهمية مشاركتها وعدم جدوى انتخابها أيضاً.
في ضوء هذه النظرة، شهد مجتمع البحرين تطوراً لافتاً في التنمية السياسية والوعي السياسي منذ بدء المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى قبل 12 عاماً. فالتنمية تمت من خلال تحديث العديد من مؤسسات الدولة، واستحداث مؤسسات جديدة. كما إن فتح المجال أمام المواطنين بتأسيس جمعياتهم السياسية لممارسة حقوقهم المدنية أعطى هامشاً واسعاً من حرية التعبير وممارسة الشأن العام، فضلاً عن إجراء الانتخابات البرلمانية والبلدية بحسب مواعيدها الدستورية.. كل هذه الخطوات تمثل مظاهر التنمية السياسية التي كوّنت وعياً سياسياً متنامياً بدأ بفئات عمرية معينة قبل أكثر من 10 أعوام، وزاد لدى جميع الفئات العمرية بشكل تدريجي، خصوصاً مع استحداث مؤسسات «معهد البحرين للتنمية السياسية نموذجاً»، أو توجيه مؤسسات أخرى لتعزيز الوعي السياسي وتنميته، مثل هيئة شؤون الإعلام أو المجلس الأعلى للمرأة أو حتى المؤسسة العامة للشباب والرياضة، ووزارة التربية والتعليم التي وضعت برامج خاصة بهدف رفع مستوى الوعي السياسي لدى طلبة المدارس عبر المناهج التعليمية.
مملكة البحرين استطاعت الوصول إلى مرحلة معينة من مراحل التنمية السياسية، وتزامنت مع نمو الوعي السياسي الذي يتطلب قياسه باستمرار للتأكد من نموه ومدى مواكبته لعملية التنمية السياسية في المجتمع، ولمعالجة كافة القضايا التي قد تكون معيقة لعمليات التنمية أو تشكل تحدياً لها. ولابد من فهم المعادلة التي تقوم عليها عملية التنمية السياسية وهي علاقة طردية بين التنمية وممارساتها والوعي السياسي، فكلما زادت التنمية السياسية وتنوعت ممارساتها، كلما زاد الوعي السياسي للمجتمع وتطور، ولذلك ينبغي الحفاظ على هذه المعادلة باستمرار.
أخيراً، فإن التنمية السياسية تعد من عوامل حفظ الأمن والاستقرار الوطني في أي مجتمع، خاصة وأن الوعي السياسي هو الذي يدفع المواطنين نحو احترام سيادة القانون، وهيبة الدولة، والاندفاع بإيجابية نحو مزيد من المشاركة السياسية.