كتب - طارق مصباح:

بين الفينة والأخرى نسمع عن جزء من شارع هبط أو شارع أعيد فيه العمل أو مشروع تأخر إنجازه أو إنه أنجز ولكنه لم يستوف مواصفاته المطلوبة فتجده من الناحية الهندسية قاصراً أو به خلل بيِّن، أو نسمع أن مشروعاً ما خصص لإنجازه مبلغ من المال ولكنه تعدى ما خصص له!

فمن المسؤول؟ أهو المقاول أم الجهة الرقابية عليه أم الوزارة المعنية.. أم من؟!

هل توجد رقابة على هذه المشاريع أثناء تأسيسها والعمل بها وعند تسليمها؟ وما السبب وراء تأخر الانتهاء من بعض المشاريع التي تتطلب أحياناً مدة أطول مرتين من المدة المفترض الالتزام بها؟ وهل توجد محاسبة لمن يؤخر مشروعاً أو ينجزه بصفة غير لائقة!

نأسف على إزعاجكم..!

يضحك المواطن بومحمد يقول إن المقاول يضع عبارة “نأسف لإزعاجكم” عند تعديل شارع أو عمل حفرة لمشروع إيصال شبكة صرف صحي أو غيرها من المشاريع من باب الصراحة لأنه متأكد بأنه سيسبب إزعاجاً للسكان عندما ينتهي من مشروعه! أراد بومحمد من كلامه هذا هو ما نراه أحياناً من إنجاز بعض المشاريع التي تعقبها مشاريع مشابهة لها في وقت قصير.. فهل هو جشع من المقاول أم عبث بالميزانية التي رصدت لمشاريع يراد منها خدمة المواطن والمقيم على أرض المملكة؟!

على حساب المواطن!

يقول رئيس مجلس بلدي المحرق عبالناصر المحميد إن هذه المشكلة تبدو واضحة جلية في مشاريع ترميم البيوت والبيوت الآيلة للسقوط، مؤكداً أن من يخالف قوانين البلدية في هذا الشأن فإنه يُعطى إنذاراً ثم يُسحب منه المشروع في حالة تكررت منه المخالفة، ثم يتم، بعد ذلك، طرح المناقصة للموافقة عليها وليأخذها مقاول جديد.

وبأسى أردف: ذلك كله يتم على حساب المواطن.

دور المكاتب الهندسية

بحثنا عن أبعاد هذه المشكلة من جانبها العقاري، فتوجهنا إلى رئيس جمعية العقاريين البحرينية ناصر الأهلي الذي قال: سابقاً كانت وزارة البلدية تراقب عمل المقاولين في مواقع العمل، أما اليوم فإن المكاتب الهندسية التي تتعامل معها الوزارات هي التي تباشر الإشراف عليهم، وليس هناك من يراقب هذه المكاتب بدقة من الدولة وهذا هو ما قد يؤخر بعض المشاريع من أشهر إلى سنوات فيتضرر المواطن.

ماذا يفعل المقاول؟

موضوعنا يمس بصفة مباشرة أيضاً جانب الطرق والشوارع، ما نعرفه أن الوزارة المعنية ينفذ خرائط مشروعاتها بحذافيرها المقاول الذي ترسو عليه المناقصة والذي يشرف عليه المكتب الهندسي للاستشارة.. فهل الخطأ في العمل يتحمله المقاول؟!

رئيس مجلس مجموعة حفيرة للمقاولات عيسى عبدالرحيم أكد لنا أن “المقاولين البحرينيين لا يرضون بأي حال من الأحوال بإيقاع الضرر بمواطنين مثلهم؛ لذا فإنهم يسعون لإنجاز المشاريع كما يطلب منهم وتحدده الخرائط”، مبيناً أن بعض المقاولين يقوم “بتقديم المشورة والنصح للوزارة والمكاتب الهندسية قبل البدء بالشروع في تنفيذ المشروع من الخرائط إلى الواقع في حالة وجد فيه جوانب خاطئة أو شيء من عدم الدقة. ووجهت إلى عبدالرحيم سؤالاً عما يحصل إذا ارتكب العمال الخطأ ولم يكن بعلم المسؤول أو المهندس.. فأجاب: إن “المقاول بحريني وطاقم العمل من مهندسين ومشرفين وعمال أجانب، وتكمن مسؤولية المقاول في تقديم النصح والتوجيه والتوجيهات إليهم ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتواجد في موقع العمل طوال الوقت ومن يشرف على الموقع وتنفيذ المشروع هو المكتب الهندسي للوزارة”.

إذن فالمقاول بريء من هذه التهمة؟!

ويوضح عبدالرحيم أن “90% من الأخطاء والقصور والتأخير التي نراها في المشاريع لا دخل في الغالب فيها للمقاول؛ لأن هناك بعض مشاريع الطرق تتأخر بسبب وجود خدمات في الأرض مما يستدعي لإزالتها موافقة أكثر من جهة، وما يحدث من خطأ في التنفيذ يجب أن يتحمله المكتب الهندسي لأنه هو الذي يوافق على كل خطوة من خطوات المشروع وهو الذي يسلم المشروع إلى الوزارة أو الجهة المسؤولة عنه عندما ينتهي”.

المقاول في الميزان

نفهم من كلام عيسى عبدالرحيم أن المقاول “لا يعمل على مزاجه” أي مشروع وإنما يلتزم بالخرائط، ولكن ما نوع العلاقة بين الوزارة والمقاول؟

توجهنا بهذا السؤال إلى الوكيل المساعد للخدمات البلدية المشتركة محمد نور الشيخ الذي أوضح لنا أن هذه العلاقة تنظمها جدية تنفيذ قانون المناقصات والعقد الذي يبرم بين الطرفين، مشيراً إلى وجود جزاءات في حالة حدث قصور أو تأخير.

وأضاف أنه يتم أولاً دراسة سبب التأخير، فإذا كان من المقاول فإنه وبحسب العقد يتم الخصم منه، لكن السبب قد يكون من صاحب البيت مثلاً في موضوع مثل ترميم بيت فلربما تأخر الترميم بسبب انشغال صاحبه أو رغبته في ذلك..

وأوضح الشيخ أن وزارة البلديات تنسق مع وزارات الدولة الخدمية في مشاريع حفر أو وضع إسفلت الشوارع أو إيصال شبكات الصرف الصحي وتشترط على المقاول وضع لافتة يكتب عليها تاريخ البدء والانتهاء من المشروع. وقال: عندما تضع وزارات الدولة برامجها فعلى المجالس البلدية ترتيبها بحسب الأولويات وبحسب ما تتوافق عليه، وهنا “يمكن أن يبدأ مشروع ما بعد أن ترصد له ميزانيته وبعد ذلك تطرأ بعض الأمور فيه مما يتطلب رفعاً في ميزانيته إلى 15%.

وحول المشاريع التي تأخر الانتهاء منها بسبب المقاول ضرب الشيخ على ذلك مثلاً ساحل البديع الذي تم سحب المشروع منه وتم تطبيق الإجراءات القانونية بحقه بحسب الاتفاقية وتم طرح المناقصة لتتم الموافقة عليها لغيره، وكان السبب في ذلك عدم جودة العمل والتأخر البيّن في إنجاز المشروع!

التنسيق والتعاون

توجهنا بحيثيات الموضوع إلى وزارة الأشغال كونها شريكاً رئيساً في تنفيذ المشاريع الخدمية في المملكة، فجاءنا الرد من الوكيل المساعد للطرق بالإنابة ومدير إدارة مشاريع وصيانة الطرق بوزارة الأشغال المهندس رائد محمد الصلاح فذكر نقطة مهمة يجب أخذها في الاعتبار وهي أن “لكل مشروع خصوصيته وحين يتم التخطيط لأي مشروع ينبغي الأخذ في عين الاعتبار خصوصية المشروع وطبيعته وظروفه من حيث الزمان والمكان ومكوناته ومتطلباته، ومن الطبيعي أن تكون هناك عقبات مرتبطة بالجوانب الجغرافية للمشروع وفق مستلزماته، وهذا بالطبع يتطلب وقتاً وأموراً متعددة”.

وأضاف أن أساس النجاح في تنفيذ أي مشروع هو التنسيق الكامل مع الجهات ذات العلاقة كافة، وأن وزارة الأشغال تأخذ في الاعتبار أن مختلف الجهات الحكومية حريصة على أن يتم إنجاز مشاريعها بصفة مثلى وفي الوقت المحدد وضمن الميزانية المخصصة.

وقال الصلاح: من البديهي أنه لا يمكن إكمال تنفيذ أي مشروع بمعزل عن الآخرين، إذ لابد من التنسيق الكامل مع جميع الجهات الخدمية ذات العلاقة سواء أكانت هيئة الكهرباء والماء أم وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني، قطاع الاتصالات، المجالس البلدية، إدارة المساحة، الاستملاك العقاري لغرض التأكد من استيفاء جميع متطلباتهم لضمان سير مراحل العمل في المشروع بسلاسة ومن دون أية عراقيل. وأوضح أن الأمر يتطلب التنسيق أيضاً مع الإدارة العامة للمرور لتحقيق انسيابية في الحركة المرورية مع تأمين سلامة مستخدمي الطريق من حركة مشاة ومركبات وسلامة العاملين في الموقع، ومن أجل استكمال أي مشروع من مشاريع الطرق، لا بد من استكمال جميع متطلبات الخدمات الأرضية قبل استكمال أو وضع طبقات الرصف النهائية لأي طريق.

للقارئ أن يتخيل قدر التنسيق المطلوب لتذليل جميع معوقات التنفيذ واستكمال إجراءات التعاقدات المصاحبة من استكمال أعمال التخطيط والتصميم وإعداد مستندات المناقصات وطرحها في مناقصات عامة وما يعقبها من أعمال ترسية وشراء مواد وخطوات تنفيذية أخرى... كان الله في عون “الأشغال وأخواتها”!

معوقات إنجاز المشاريع

ولكن.. أثناء تنفيذ المشاريع قد تكون هناك بعض القيود التي يفرضها الموقع نفسه! فما هي تلك الظروف؟ وما هو الإجراء المتبع في حال حدوثه؟

أجاب الصلاح: قد يحدث ذلك، وهنا نطالب بوقف العمل لمدة أو تغيير مسار العمل، بسبب بعض المناسبات الرسمية أو الدينية أو الأنشطة التي تتطلب فتح الطرق أمام حركة المرور، كما إن ما ينطبق على العاصمة والمدن الرئيسة لا ينطبق على القرى أو في الطرق الجديدة التي لا توجد فيها كثافة مرورية. ولكم أن تتخيلوا مدى صعوبة العمل في موقع يشهد تدفقاً في حركة المركبات يصل إلى 200 ألف سيارة، كما هو الحال في شارع الملك فيصل، و76 ألف سيارة، كما عند تقاطع ميناء سلمان!

الصلاح أكد أيضاً: هناك فرق بين أن تعمل بمعزل عن التأثيرات الخارجية وأن تعمل تحت التأثيرات المحيطة، فالموقع الجغرافي لأي مشروع له تأثير، كما إن الحركة المصاحبة للمشروع لها مؤثرات على العكس تماماً في ما لو كانت أعمال المشروع تقام في مكان معزول وبعيد، ثم لا ننسى أننا نتعامل مع برنامج حكومي طموح له ميزانيات كبيرة، وهذا ينتج عنه عدد ضخم من المشاريع قد تفوق قدرة قطاع المقاولات على التنفيذ، وراعت وزارة الأشغال ذلك وحاولت تفادي طرح مشاريع كثيرة في وقت واحد مراعاة لقدرة قطاع المقاولات على التعامل مع حجم ما يطرح من عطاءات.

واختتم الصلاح حديثه بالتأكيد أن وزارة الأشغال تحرص دائماً على متابعة مشاريعها بنحو مستمر لتذليل الصعوبات كافة ومحاولة الانتهاء من العمل وفق البرامج المعدة لذلك، وأن ما يحدث من تأخيرات في بعض المشاريع إنما هي لأسباب خارجة عن إرادتها، إلا أن المتابعة المستمرة كفيلة بتقليل هذه التأخيرات إلى أقل قدر ممكن.

العقد هو الفيصل

أما وكيل البلديات محمد الشيخ فأكد أن “المهم” هو أن يسير عمل المشروع على وتيرة منظمة بحسب الخطة الموضوعة له، مبيناً: لكن إذا كان هناك أحداث طارئة فيُعطى المقاول فرصة لتدارك وضعه، وذلك يعتمد على نوع السبب من حالة إلى أخرى، وعموماً ينظم هذه العملية كاملة قانون المناقصات والعقد الموقع بين الطرفين وتنفيذ ما جاء به.

توصيات

ناصر الأهلي اتفق مع ما سبق وأشار إلى أن المقاول قد تطرأ له ظروف بسبب قلة العمال الذين يحصل عليهم من وزارة العمل، أو أن بعض الموظفين الأجانب في جانب المقاولات قد يؤخر العمل بسبب سفره مثلاً، ولكنه شدد على ضرورة أن تكون هناك رقابة حكومية عالية على المقاولين وأن تكون وزارة البلديات هي الجهة الرقابية على أعمال الإنشاء والتعمير لكي لا يحدث تأخر أو مشكلات بهذا الشأن.

أما عبدالناصر المحميد فقال: إنه قد يتأخر المشروع بسبب تأخر إعطاء تراخيص البلديات أو شهادة المسح أو عدم وجود عمال بالكفاية المطلوبة لأن المقاول قد يوزع عماله على أكثر من موقع ولكن وزارة البلديات يجب أن تكون محاسبتها لهؤلاء بصفة أكبر، وذكر على ذلك مثالاً المخالفات التي تقع في جانب مشروع الترميم والبيوت الآيلة للسقوط.

وانتقد المحميد “المركزية” في وزارة البلديات، مطالباً بإعطاء مدراء البلديات الخمس الصلاحيات الأكبر في متابعة شؤون الممتلكات العامة ومتابعة المخالفات لا أن يقتصر دورها فقط في إعطاء التراخيص وما شابه ذلك! مبيناً أن إضفاء صبغة الاستقلالية على البلديات من الناحية المالية والإدارية سيسمح لها أن تنفذ المشاريع التي تضخ لها الإيرادات الذاتية عبر المشاريع التنموية لا أن يكون الوضع كما هو حالياً في وجود صندوق مشترك لجميع البلديات وتوزع الوزارة هذه الميزانيات على البلديات بحسب مشاريعها!

وفي السياق نفسه، قال عيسى عبدالرحيم: نريد أن تكون مكاتبنا الاستشارية قوية بنحو أكبر، ونتمنى من الوزارات التعامل مع الشركات البحرينية في هذا الصدد وأن تُعطى لها الفرصة الواسعة بدلاً من الاتجاه نحو الشركات الهندسية الأجنبية”.

وفي النهاية....

مشاريعنا الهندسية بين الدارس والمنفذ والمشرف تتطلب ضرورة تشديد الجهات الرقابية رقابتها على هذه المشاريع بجد واجتهاد وحزم، وأيضاً على الجهات التي تتسلم المشاريع أن لا تتسلمها إلا بعد أن تتأكد من سلامتها ومطابقتها للمواصفات والمقاييس المطلوبة.