وقعت بين يدي بالصدفة رواية تحمل اسم “قلوب في أحضان باردة” لمؤلّفتها “سارة سالم”. ورغم عنوانها غير المثير الذي جعلني أؤجّل قراءتها لأيام، إلا أنّ قراءة الصفحات الأولى من الرواية جعلتني أؤمن أنني أمام عمل روائي متكامل، وتركتني موقناً بأنّ الرواية ليس ضرورياً أن تكون مثيرة مثل الروايات البوليسية أو قصص المغامرات، ولكن ضرورياً جدّاً أن تتمكّن من وضع القارئ في جوّ الرواية بمنتهى السلاسة ودون أي تعقيد أو فذلكة.

حكاية مريم

الرواية تدور أحداثها حول فتاة بسيطة اسمها “مريم” تعيش في مدينة الحدّ وتفقد أباها لتجد نفسها في دوامة المشكلات التي تعاني منها أسرتها. وبسبب طيبتها المفرطة وخصلة الإيثار التي تتحلّى بها تجد نفسها وقد رهنت مالها لصالح أسرتها، وكرّست وقتها لأمها وأخواتها، وتحمّلت مرارة الآلام بسبب أخيها العاقّ، واصطلت بنيران القلق بسبب المشاكل العاطفية لأختها، وتخلّت عن كثير من أحلامها حتى تحظى أسرتها بالاستقرار.

الرواية سلّطت الضوء على أكثر من قضية اجتماعية، بمنتهى السلاسة، فقد سلطت الضوء على زملاء العمل الذين قد تفوت فرصة ارتباطهم ببعضهم بسبب شكّ الطرف الأول في مشاعر الطرف الآخر. وسلّطت الضوء على العلاقة العاطفية للمتزوجين الذين لا يجدون الاهتمام من شركائهم في الزواج. وسلّطت الضوء على علاقة الرجل العاطفية بزوجته المريضة وغيرها من القضايا الاجتماعية.

قصص عاطفية أجادت سارة سالم رسم شخصياتها ومتابعة الخطّ الدرامي لها، حيث اختارت أن تصوغ روايتها بطريقة المشاهد التي تسير متوازية في خطوط درامية تتقاطع أحياناً وتنفصل في أحيان أخرى. وبما أنّ الرواية تقع ضمن الروايات الاجتماعية، فقد حفلت الرواية بعدد من القصص العاطفية الناعمة، منها قصّة مريم مع زميلها في العمل “حمد”، وقصة صديقتها “عائشة” مع زميلها “بو خالد”، دون أن ننسى العلاقة العاطفية غير البريئة بين أختها “منى” ورئيسها في العمل “وحيد”، ودون أن ننسى أيضاً تصويرها الجميل لعلاقة أختها “أمينة” بزوجها الذي كان يصليها مرّ العذاب وهي تزداد تعلّقاً به. الإجادة لم تكن فقط في رسمها للشخصيات الأساسية في الرواية بل حتى الشخصيات الفرعية والفرعية جدّاً. فهناك شخصية كلثم جارة السوء التي تأتي إلى بيت مريم لكي تنقل الأخبار وتشيع الإشاعات. وهناك شخصية “كريمة” زوجة أخ البطلة، وهي زوجة كريهة الطلّة ولكنها تحظى بدلال زوجها. وتنجح سارة في رسم هذه الشخصية بحسّ كوميدي فريد. وهناك شخصية فيصل، ابن صاحب المؤسسة التي تعمل بها مريم بدوام جزئي، وهو الشابّ المدلّل الذي ينتهج الجدّية بعد تعرّفه على مريم وتعلّقه بها.

الحد مكان الرواية

المكان في الرواية احتلّ مساحة جيّدة في الرواية. فبيت العائلة في الحدّ برعت سارة سالم في وصفه، بحوشه وغرفه وبابه وأرضيته، وفي مقطع من مقاطع الرواية تصف البيت فتقول: “بما أنّ يدي كانت ممسكة بالكتب والأخرى بحمّود، فكان لابدّ من استخدام رجلي لدفع باب منزلنا الخشبي الأزرق، الذي يفضي إلى ممر صغير ينتهي سريعاً بحوش واسع، تمتدّ في وسطه كل من شجرة اللوز والياسمين والترنج، بينما تطلّ عليه من جهات مختلفة ثلاث حجرات ترتفع عن مستوى الحوش بثلاث عتبات، في حين يقبع مطبخ صغير في نهاية أحد أطراف الحوش، ويتلوّى فوقه سلّم قديم تنتهي عتباته بسطح كبير لا يضمّ إلا غرفة واحدة يسكنها أخي الأكبر بدر وعدد كبير من أقفاص الطيور”. كما برعت في وصف مكتبة الحدّ العامة بصالتها المتوسطة للبناء وغرفها الإدارية، إضافةً إلى محطّة النقل العام بالحدّ.

حوارات زائدة

أما الحوار، فكان زائداً في كثير من الفصول، وكان بإمكان سارة سالم أن تكتفي ببعض الحوارات أو تختصر بعضها أو تكتفي بتصوير المشهد، وهي بارعة جداً في التصوير، وتترك للقارئ تصوّر باقي الحوار، خصوصاً أن بعض الحوارات تشبه حوارات المسلسلات الطويلة. ومن المستغرب أنّ سارة سالم استطاعت ببراعة أن تختصر حادثة موت أمّ البطلة في فقرة صغيرة كانت مكثفة ومفعمة بالأحاسيس، بينما تفرد لحوارات جانبية مساحات كبيرة من الرواية. ففي مشهد موت الأم تقول سارة سالم على لسان البطلة: “في الصباح ذهبت لأوقظها فلسعتني برودة جسدها التي تنبئ عن فراقه للروح. وقفت أمامها مذهولة لبرهة، ثم انهرت أمام جثتها أبكي بألم وأنا أتجرّع مرارة الندم. فقد شعرت أننا دون أن نقصد عجّلنا بموت أمي”.

أخطاء نحوية هذا دون أن ننسى أن نشير إلى الأخطاء النحوية الكثيرة التي كان بإمكان سارة سالم أن تتجنّبها لو أسندت مهمة التصحيح لمصحّح لغوي خبير. لكن يُحسب لسارة سالم أنّها غامرت بجعل الحوار في الرواية باللهجة العامية، وهي مغامرة في تصوّري كسبت الرهان فيها، لأنها جعلت حواراتها أقرب للواقع، وتمكّنت فيها من توظيف المفردات البحرينية الأصيلة في حواراتها بشكل متقن، عدا الحوارات الزائدة بالطبع.

أتصوّر أنّ رواية “قلوب في أحضان باردة” هي الرواية النسائية البحرينية الوحيدة التي أجد أنها مكتملة العناصر، وبالإمكان تحويلها إلى فيلم سينمائي أو مسلسل درامي، خصوصاً أنّ أحداثها تدور في البحرين وبالخصوص في مدينة الحدّ.