كتب- طارق مصباح: تحت عنوان “أولاد البطّة السودة”! قرأت مقالاً انتشر في المنتديات المحلية، ولم أتعرف على كاتبه، والمقال مكتوب بلهجة عامية. ويبدو أن الكاتب موظف في القطاع الخاص، إذ ورد في مقاله: “أولاد البطة السودة مصطلح يستخدمه الكثير منّا من اللي يشتغلون في القطاع الخاص، إذ قاموا يقارنون أنفسهم بموظفي القطاع العام، خصوصاً إذا جافوا إن الخيرات تترامى عليهم وهم ما يحصلون إلا الفتات هذا إذا حصلوه أصلاً”، في فقرة أخرى قال: “وتلاقي كل زيادة تروح للحكومة، كل علاوة تروح للحكومة، وكل بونس يروح للموظفين اللي في الحكومة، فعادة نسميهم إحنا أبناء القطاع العام.. أولاد البطّة البيضة!! وإحنا اللي في القطاع الخاص أولاد البطّة السودة لأن ما حد يعطينا وجه مطلقاً”. ويقول: “مع إن ما في فرق بينا وبين اللي يشتغلون في القطاع العام لأننا مواطنون مثلهم ولنا حقوق مثل ما لهم حقوق، واللي يعطونه للموظفين في القطاع الحكومي من المال العام اللي إحنا شركاء فيه مثلهم، ومثل ما يحصلون لازم نحصل! لكن هذا مو في عرف البحرين، لأن مواطن القطاع الخاص ولد البطّة السودة اللي ما له ربّ ولا معين في نظرهم، وبالتالي فإن الحكومة تعتقد إنها غير مسؤولة عن المواطن اللي في القطاع الخاص ومسؤوليتها الوحيدة اهي بس اللي يشتغلون في القطاع الحكومي.. والخطأ نفسه يقع فيه النوّاب لين جاوا وتكلموا عن زيادة في الراتب لموظفي الحكومة، وموظفي القطاع الخاص ما يتكلمون عنهم؟”. إلى أن قال: “المفروض ما يكون في ولاد بطّة بيضة ولا بطّة سودة ولا حتى كحلية، المفروض نكون سواسية وتكون الزيادة عادلة للكل من موظفي الدولة من القطاعين الخاص والعام.. لأني ما أعتقد أحد فينا قرأ في الدستور هذا التفصيل في رعاية مصالح المواطن؟ ما أعتقد في بند من بنود الميثاق أو الدستور أو القانون البحريني يتكلّم عن موظف في القطاع العام أفضل في المزايا من موظف في القطاع الخاص.. الدستور والميثاق والقانون تكلموا بوضوح عن مواطن بحريني، سواء يشتغل في القطاع الخاص أو العام أو متقاعد”. هذه المقدمة أردت أن أدلف من خلالها إلى الجواب عن سؤال يتردد بين الناس: لماذا يعزف البحرينيون عن العمل في القطاع الخاص ويقبلون على العمل في القطاع الحكومي عكس دول كثيرة؟.. وهل حقاً أن موظفي القطاع الخاص هم أبناء البطة السودة على رأي صاحبنا كاتب المقال؟! الحياة الكريمة للجميع توجهت بداية إلى النائب محمد العمادي الذي أكد لي أن من حق أي مواطن أن يعيش حياة كريمة تغنيه عن السؤال، مشيراً إلى أن المملكة كونها دولة نفطية ولديها موفور من النفط والعديد من الأنشطة السياحية والاقتصادية والاستثمارية التي انتعشت في الآونة الأخيرة تدفعها باتجاه الاتحاد نحو الارتقاء بأجور المواطن البحريني أياً كان موقعه الوظيفي. واتفق العمادي مع مضمون مقالة الكاتب ووصفه موظفي القطاع الخاص بأنهم من أكثر القطاعات معاناة نظراً لقلة رواتبهم مقارنة بموظفي القطاع الحكومي، مضيفاً “في الوقت نفسه لا يمكننا أن نلزم صاحب المؤسسة الخاصة برفع أجور العاملين في مؤسسته”. ودعت النائب العمادي واتفقت أن أواصل الحديث معه لاحقاً لمزيد من الإيضاح حول جهود كتلته النيابية التي انبرت تنافح عن هذا الملف المهم.. ولكن... مميزات “الخاص” أقل! توجهت إلى إحدى جهات العمل الخاص لقضاء معاملة شخصية وفتحت أبواب الحديث عن هذه القضية مع مجموعة من الموظفين والمراجعين، فقال لي حسن محمد إن إجازات موظفي القطاع الخاص أفضل من إجازاتنا، سواء كانت الإجازات السنوية أم بالنسبة لتعويضهم يومي الجمعة أو السبت أو عطل نهاية الأسبوع. وقال سلمان ناصر: إن القطاع الحكومي يكفل للموظف البحريني الحصول على الزيادة السنوية الثابتة. أما في الخاص فالرواتب فيه متذبذبة ولا تحكمها معايير أو سلم تقديري. واتفق عبد الله هاني مع محمد وناصر، وأضاف: إن الرقابة والقوانين التي تحمي الموظف البحريني في القطاع الخاص من تعدي رب العمل على أرزاق العباد غائبة ولا وجود لها. لا أريد أن أخسرك وفي جولة زرت فيها عدداً من الموظفين والمتقاعدين في كلا القطاعين، حصلت على آراء متباينة صبت في الاتجاه نفسه، ففي أحد المجالس التقيت مواطناً عمل 30 سنة في القطاع الحكومي و13 سنة في القطاع الخاص، وهو عبد الله العوضي الذي جال بذاكرته ليحدثني كيف كان القطاع الحكومي سابقاً لا يهتم بكفاءة الموظف بقدر اهتمامه بمدى قربه وولائه لرئيس المؤسسة الحكومية بعكس موظف القطاع الخاص الذي يتقدم بكفاءته ومدى اقتداره وخبرته، لكنه أطرق رأسه قليلاً وصمت برهة.. وقال: اليوم أصبحت الأمور متساوية. ولكن هل الأمور حقاً “متساوية” كما يراها العوضي؟!! سؤال وجهته إلى رفيق دربه محمد الجاسم الذي جرب العمل طوال سنوات بين القطاعين ولكنه خلص إلى نتيجة مفادها أن القطاع الخاص أفضل من ناحية عدم وجود الروتين الوظيفي مما يسمح بتجدد الخبرات بالإضافة إلى تقدير صاحب العمل لموظفيه، وقال مع ابتسامة تحاول محو جرح الزمان: عندما قدمت استقالتي من الجهة الحكومية تم قبولها بسرعة، بينما عندما قدمتها وأنا في القطاع الخاص قال لي رئيسي في العمل: لا أريد أن أخسرك. المواقف المؤثرة التي مرَّ بها محمد الجاسم جعلتني أخوض غمار هذا الموضوع بقوة، فتوجهت إلى خالد علي، الذي عمل موظفاً في القطاع الحكومي بوزارة الدفاع واستطاع بعد خدمة 21 سنة أن يتقاعد ويحصل على مبلغ مناسب، وقال إنه لا يمكن للموظف في “الخاص” أن يحصل على هذه الامتيازات والتسهيلات. بينما يرى صبحي الفضالة أن روتين العمل الحكومي الذي مارسه قرابة 20 سنة دفعه نحو العمل في القطاع الخاص، مطالباً مجلس النواب بتحقيق العدالة بين القطاعين. ليس من أجل الترقية! هذه الامتيازات التي تحدث عنها خالد، تناول عكسها عادل إسماعيل الذي “ذاق الأمرين” من القطاع الخاص جراء تعيين بعض المسؤولين من “دون خبرة أو كفاءة” لدرجة أنهم يسألون صغار الموظفين عن تفاصيل العمل، وقال: إن الموظف يدخل في القطاع الخاص في دورات، ولكن هذه الدورات ليست مضمونة في ترقيته، لأن بعضها ليس من صميم عمله! وفي المقابل، قال المواطن محمد الفهيد إن الجهات الحكومية تقدم دورات لموظفيها لتعدهم للترقية وزيادة الرواتب عبر سلم الدرجات، غير أن القطاع الخاص لا يقدر الشهادات مثل الحكومي. هذا الهجوم على القطاع الخاص دعا مبارك راشد - الذي كان من مؤيدي العمل في الخاص - ليطلق المثل الشعبي “يا موظف الحكومة.. اشبع راحة وموت جوع”، لم أدرك ما رمى إليه راشد من هذا المثل، فقال موضحاً: إن هذا المثل كان يطلق سابقاً على موظفي القطاع الحكومي واليوم اختلفت الأمور لأن رواتب المتقاعدين في القطاع الحكومي أعلى من رواتب المتقاعدين في القطاع الخاص. ولعل هذه السلبية جعلت الكثيرين ينفرون من الخاص؟! الأيدي العاملة الوطنية النائب ورجل الأعمال عبدالحكيم الشمري شدد على ضرورة الوقوف مع المواطن البحريني لكي يرتقي بنفسه وأسرته علمياً واجتماعياً وثقافياً، وقال إننا نواجه احتياجات مستمرة للمواطن تفوق عادة دخله مما يشكل التحدي. وأوضح الشمري أننا نعيش في الألفية الثالثة حيث التوجه العالمي نحو تقليص دور الدولة في إدارة النشاط الاقتصادي والاجتماعي وتخصيص قطاعات خاصة لإنعاش الحركة التعليمية والسياحية والصحية لاستيعاب الأيدي العاملة الوطنية في مناخ تنافسي بين المؤسسات والمواطنين. ودافع الشمري عن القطاع الخاص، وقال إن من يقول إن القطاع الخاص غير مرغوب فيه نقول له إن وجود المواطنين في هذا المجال ليس اضطرارياً، بل هم يعيشون في بيئة تنافسية يسودها التشجيع والدخل العالي والإنتاج المصرفي أو الصناعي المميز. المرأة والرجل.. سواسية! إذا كان الحوار في هذا التحقيق مع “الذكور” من الرجال، فإن للمرأة أيضاً رأياً لا يختلف البتة عن الرجل، لذا التقينا عضو مجلس الشورى سميرة رجب التي قالت إن المرأة حصلت على تقديرها في المجتمع البحريني سواء كانت عاملة في القطاع الحكومي أو الخاص، وأنها دخلت في جميع التخصصات والوظائف. وأوضحت أن المرأة مثل الرجل تشترك معه في جزئية الرواتب وساعات العمل التي يطالب بها الموظفون. وفي اتصال مع عضو مجلس النواب سوسن تقوي قالت إن المرأة نصف المجتمع وهي بالمكانة نفسها التي يحتلها الرجل خصوصاً وأن التشريعات البحرينية منصفة للمرأة وتساويها بالرجل في أغلب القوانين، وقيَّمت وضع المرأة الحالي مشيرة إلى أنه يعكس الوجه الحضاري والتطور التشريعي والسياسي والانفتاح الديمقراطي لمملكة البحرين خصوصاً إذ تمركز وجودها في القطاع الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي أو بالقطاع الدبلوماسي والتمثيل الخارجي لمملكة البحرين فإن ذلك أكبر شرف لها ووسام تعلقه على صدرها”. وأضافت تقوي: إن وضع المرأة البحرينية في القطاعين هو بلا شك يمثل جزءاً أساساً من المجتمع البحريني في ظل الخطة الاستراتيجية التي أعلنها مؤخراً عاهل البلاد المفدى للنهوض بالمرأة البحرينية وتمكينها اقتصادياً واجتماعياً بما يتناسب مع التطورات السياسية والانفتاح الذي نعيشه حالياً. وقالت إن البحرين تعيش عهد إصلاح ورخاء وتنمية وهو بالضرورة انعكس إيجاباً على وجود المرأة ومشاركتها بالقطاعين الخاص والعام، بل إن هناك دولاً أخرى تتمنى أن تصل إلى مستوى إسهامات المرأة البحرينية في القطاعين الخاص والعام وتمثل دولها خارج حدود بلدانها وعلى الرغم من الضغوطات التي تمارس في تلك الدول إلا أنها لا تستطيع لغياب الدعم الحكومي لها، فحضور المرأة البحرينية في الهياكل الوظيفية واضح وملموس ومتميز في أغلب الوزارات والمؤسسات الحكومية كما أثبتت جدارتها في أغلب المناصب العليا أو الوظيفية الإدارية. وذكرت تقوي أن المجلس الأعلى للمرأة يلعب دوراً أساساً في احتضان المرأة البحرينية ومعالجة أبرز المشكلات المتكررة التي تتعرض لها ليكون داعماً ومسانداً جنباً إلى جنب مع استراتيجية تمكين المرأة في جميع الجوانب، سواء بصفتها كعاملة أو كرائدة عمل بالقطاع الخاص، مؤكدة أن المرأة البحرينية لم تكن يوماً منسية، إلا أنها تحتاج إلى المزيد من المشاركة والوصول. وختمت بقولها: سندفع باتجاه تشجيع المؤسسات والشركات الخاصة والكبرى إلى إنشاء وحدات لتكافؤ الفرص وذلك إنصافاً لحقوق المرأة البحرينية العاملة، أسوة بالقطاع الحكومي. المتضرر الأول من الأزمة بعد هذه الجولة، واصلت لقاء المواطنين لمعرفة هواجسهم في كلا القطاعين، والتقيت علي الخزعلي الذي انتقل من وظيفته في القطاع الخاص التي عمل بها قرابة العشرين سنة إلى وظيفة حكومية واستمر فيها إلى اليوم بعد 10 سنوات، وقال إن رواتب القطاع الخاص كانت تعيش عصرها الذهبي قبل الأزمة المالية أي منذ العام 2000 إلى 2006، مشيراً إلى أن المتضرر الأول من الأزمة في القطاع الخاص هم الموظفون في الوظائف الدنيا إذ تم تعديل رواتب العاملين في القطاع الحكومي وبقيت في الخاص، بالإضافة إلى حدوث الكثير من التسريحات في جانب “الخاص”. وطالب الخزعلي بسرعة النظر في هذه المشكلة بخاصة مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأمر الذي يستدعي التدخل الحكومي وتحديد حد أدنى لرواتب العاملين البحرينيين في القطاع الخاص. تغليب مصلحة المواطن بعيداً عن آراء العاملين في كلا القطاعين أخذنا رأي رجل الأعمال الحرة محمد المعرفي الذي أكد أن القطاع الحكومي وبعد سنوات مازال يتصدر الأفضلية لدى المواطن البحريني، وقال إن امتيازاته تجذب المواطن في مجال التقاعد والرواتب وغيرها من الجوانب. وناشد المعرفي ضرورة مساواة الموظفين وتحقيق العدالة بينهم في كلا القطاعين، وأن يتم دمج صندوق التقاعد مع هيئة التأمين، مشدداً على ضرورة تغليب مصلحة الوطن وإعلاء شأن المواطن في أي موقع يعمل فيه لما من شأنه توفير فرص العمل على أساس الكفاءة والشهادة مطالباً مجلس النواب بالتركيز على هذا الموضوع المهم وطرقه باستمرار. المقترحات وميزانية الدولة الجهود النيابية مستمرة، وبينها لنا النائب محمد العمادي من خلال المقترحات التي تقدمت بها كتلة المنبر متمثلة بإنشاء صندوق لدعم الأجور وزيادتها، ولكنه أبدى أسفه من رفض الحكومة لهذا المقترح بحجة الميزانية، مؤكداً أن التناقض في مواقف الحكومة في تعاملها مع شؤون المواطنين يدعوهم للشعور بالتناقض في هذه المواقف التي بات الشعب البحريني يراها ويعيها إذ تصرف أموال طائلة على جوانب يجدر بها أن توجه إلى ما يخدم المواطن في الأساس. وختم بقوله: إن تحسين أوضاع المواطنين المعيشية أمر يجب أن يشغل بال جميع المسؤولين والمواطنين في الحكومة والخاص ويجب أن نقف مع العاملين جميعاً وعلى الحكومة مراقبة عمل بنك الأسرة وتمكين لكي نحقق مشاركة فاعلة في رفع الضرر عن المواطنين.