كلنا يتذكر جيداً أنه منذ بدايات فجر الإصلاح، تداعى العمال نحو تشكيل نقاباتهم وخلق منظماتهم المدافعة عن حقوقهم وقضاياهم. وقد كان المرسوم بقانون رقم 33 الذي صدر ليعلن عن بدء مرحلة جديدة في تاريخ نضال الطبقة العاملة والحركة النقابية وحرية العمل النقابي بما كفله القانون، هي نقطة البداية التي كما أخافت بعض أرباب العمل. حيث أرعدت فرائص بعض فلول وجيوب من تربعوا على عرش «اللجان العمالية المشتركة الصورية» وادعوا أنهم يمثلون الحركة النقابية وهم ذات الشخوص الذين نراهم اليوم يتهمون غيرهم بتهمة الخيانة والعمالة!! متناسين تاريخهم الأسود ومواقفهم السابقة، وأنهم ليسوا إلا دخلاء على الحركة النقابية وتاريخها الذي كتبه مناضلو وقادة الطبقة العاملة في سنوات الجمر، وضحوا بحياتهم من أجل حرية العمل النقابي والدفاع عن حقوق العمال دون عنصرية أو طائفية وعملوا بصمت ولم تكن تغريهم زعامات المقاعد ولا مغريات الزمن، وما كان أولئك المناضلون إلا نموذجاً وطنياً وطبقياً بأصدق صوره وأشرف مواقفه. شق وحدة الطبقة العاملة كلنا يتذكر وقد شهد الزمن وسجل التاريخ أن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين منذ بدايات تأسيسه، كان ينفخ في بوق شق وحدة الطبقة العاملة ويكيل بمكيالين وينتهج سياسة الإقصاء والاستحواذ، ويجمع نقابات متناثرة في المنشآت قائمة من هنا وهناك على الاصطفاف الطائفي. نقابات عابثة لا يعنيها تأسيس حركة نقابية ديمقراطية وترسيخ العمل الجماهيري بين العمال بقدر ما يكون همها الأوحد تنفيذ أجندات سياسية وانتهازية، تحولت إلى وصمات عار في دورات الاتحاد العام الانتخابية، وكانت باكورتها بدايات التأسيس في 2004 عندما تم إقصاء الكوادر النقابية التقدمية وتمت عمليات توريث العمل النقابي لقيادات كانت «باللجان المشتركة الصورية» سيئة الصيت وتحويلها إلى قيادات نقابية. وذاك ما فعله أيضاً الاتحاد العام ذاته حيث ورّث اللجنة العامة وحوّلها إلى الاتحاد العام!! وبشكل قسري طمعاً في حوكمة العملية الانتخابية وتوجيهها والاستحواذ على قيادة الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، فتم التحضير للمؤتمر التأسيسي على هذا المنوال، بعد أن تم الاتفاق على القسمة والتقاسم لمقاعد الأمانة العامة بين جمعيتي «الوفاق – ووعد» ومن لف لفهم من وجوه ادعت حينها بالاستقلالية لتجميل الواقع وتزيينه، ولكنها كانت تبحث بالأساس عن فتات القسمة ونصيبها في عملية التوريث. مؤامرة المؤتمر التأسيسي ولم يكن يخفى على أحد من عمالنا أن مؤامرة المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام للنقابات أشرفت عليها قيادات سياسية وصاغت خيوطها بالخارج، مع بعض رموز المنظمات الدولية، التي كان من الممكن أن تـُستأجر بالباطن لتنفيذ أجندات محددة. وقد أُنيط هذا الدور ولعبه للأسف الشديد المستشار ومسؤول العلاقات الخارجية بمنظمة العمل الدولية «وليد حمدان» الذي حمل «صفارته» في ملعب المؤتمر التأسيسي، ليحدد ماذا يُقال وماذا لا يُقال، ويقود دفة المؤتمر على النحو الذي رُسم له بحركات وطلاسم كان متفق عليها، فتارة يهز رأسه وأخرى يُشير ببنانه، وقد خرج عن حيادية دوره كمسؤول دولي كان من المفترض منه أن يؤكد على روح العمل الجماعي ووحدة الحركة النقابية وديمقراطيتها إلا أنه كان مسكوناً «بعفريت» الفرقة والشقاق !! . في تلك اللحظة التاريخية المُرة كانت هي بدايات شق وحدة طبقتنا العاملة والتآمر عليها والتأسيس لبدايات خاطئة وانتهازية في الحركة النقابية، بعيدة كل البعد عن مبادئ العمل الديمقراطي والمشاركة الجماعية الحرة والنزيهة. وهنا تم بالفعل اغتيال وحدة الحركة النقابية والعمالية وتوالت السيناريوهات ذاتها وبشكل ممنهج ومتوالي في كل الدورات الةنتخابية للاتحاد العام للنقابات، ليصبح الاحتكار والإقصاء وشطب الرأي الآخر ومعاداة الكوادر النقابية التقدمية سياسة مُعتمدة ومُتعمدة. مخالفة النقابات العمالية وقفت الأمانة العامة للاتحاد بالضد والنقيض من العديد من النقابات العمالية وبالذات نقابة عمال ألبا ضاربة بكل إنجازاتها وجماهيريتها بعرض الحائط ليصبح رئيس نقابة ألبا الأخ «علي البنعلي» هدفاً منشوداً، وفي كل الأحوال وكل الظروف. فحينما سعت نقابة عمال ألبا العام 2008 لجمع الشمل وتجاوز الخلافات والمشاحنات تم إقصاء «علي البنعلي» من الأمانة العامة والتكالب على إسقاطه، وهللت بعض الأقلام المأجورة بسقوطه وخروجه من الأمانة العامة للاتحاد العام واتهمته ساعتها بمحاولة شراء مقعد بالأمانة العامة، وبدل أن تبارك مشاركته والتزام نقابته بروح المسؤولية بسداد اشتراكاتها للاتحاد العام تم التشهير بالنقابة. هكذا كان موقف المتباكين اليوم على وحدة الطبقة العاملة ورص صفوفها والذين يكيلون الاتهامات للآخرين بمنطق أنهم من يملك الحقيقة المطلقة.!! المتاجرة بالقضايا إن كل تلك الخلافات والانشقاقات والمسرحيات المكشوفة سبقت أحداث فبراير ومارس 2011 بكثير، فهل كان في تلك الساعة عمال مفصولون.؟!! لتتم المتاجرة بقضيتهم. في حقيقة الأمر لا ولكن من الثابت والواضح أن نقابة عمال ألبا وبعض النقابات الأخرى المستبعدة والمقصية من دائرة الأمانة العامة للاتحاد العام للنقابات، التي تم معاداتها هي نقابات لم تكن في ركب جمعية الوفاق وسياستها الطائفية، لذلك تم معاداتها منذ البدايات، وهذا ما كشفت عنه وعرّته بكل وضوح أحداث فبراير ومارس «وثورة نيران الإطارات». ففي ظل ضياع البوصلة السياسية للمعارضة وبطلان مفعول الخـُطب السياسية الرنانة في الدوار، تم تحريك أذرع جمعية الوفاق بالاتحاد العام للنقابات وتمت توجيهات الفتاوي الدينية له ودغدغة العواطف الطائفية، فأعلن الاتحاد العام الإضراب العام في مارس 2011 إذعاناً وطاعة للمرجعيات الدينية، ودون أدنى مسؤولية أو إحساس بهذه الخطوة الكارثية التي ستجرف طبقتنا العاملة ونضالاتها بعيداً عن سياقها التاريخي والوطني، وكم ستمزق وحدتها العضوية ونسيجها الاجتماعي والطبقي، الذي هو معيار حقيقي لوحدة شعبنا بكل تلاوينه وتعدديته. تسييس الحركة النقابية إذن فالاتحاد العام يتحمل اليوم ليس مسؤولية تسييس الحركة النقابية بل طأفنتها، وشق وحدة طبقتنا العاملة. وهو المسؤول الأول عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالعمال، وتباكيه اليوم بدموع التماسيح وتوظيفه قضية المفصولين كغطاء لستر عوراته لن يجديه نفعاً ولن يغير واقعاً، وكذلك حملات التشهير في شبكات التواصل الاجتماعي وتوظيف الأقلام المأجورة واللجوء لجيوب وأوكار التآمر سواء في الداخل أو الخارج لوضع العصي في دواليب إرادة العمال وعرقلة اختيارهم وقرارهم، ومغازلة وزارة العمل تارة وأخرى الاستقواء بمنظمات الخارج الأمريكية، التي وإن نجحت في إشعال حريقاً لكنها لن تضمن لأياً كان وأبداً من سيكون في هشيمها وضحيتها !! وكفى ضحك على الذقون فمن ينشد الوحدة العمالية؛ لا يحيك المؤامرات لها ويغذي الفتن فيها ويجّيش الطائفة ليحتمي بها. وعلى الاتحاد العام للنقابات أن يملك الشجاعة للاعتراف بأخطائه ويراجع ملفاته ومواقفه السابقة والحالية من العديد من القضايا العمالية والمطلبية والنقابية، تلك المواقف التي كانت ولا زالت مطأفنة ومسيسة لأجندات وفاقية مكشوفة وبامتياز. التعددية النقابية إن التعددية النقابية أصبحت واقعاً لا مناص من التعامل معه ومن منطق القبول بالتعددية واحترام الرأي الآخر. وقد جاءت تلك التعددية في الحركة النقابية ليست بوازع المرسوم 35 بل كحتمية تاريخية وموضوعية نتيجة لممارسات الاتحاد العام للنقابات وتوجهاته الخاطئة والإقصائية للعديد من النقابات العمالية، التي أصبح لا ملاذ لها إلا باستخدام حقها المشروع في جمع كلمتها وتشكيل اتحادها الحر. فالطبقة العاملة البحرينية ليست مُلكاً لأحد، وقد تجاوزت مرحلة نضالها بذاتها إلى موضوعية نضالها لذاتها. ومن يتغنى بالوحدة العمالية والنقابية فتلك الوحدة غير مرهونة بالاتحاد العام الذي يتغنى بوحدة زائفة، فلا خير بوحدة قائمة على أساس طائفي ومرجعيات دينية تتحكم فيها ولا خير في وحدة لا يجمعها الهدف المشترك والرؤية الواضحة. وما اختارته النقابات بإرادتها الحرة هو نتيجة طبيعية لمسببات ومقدمات زرعها الاتحاد العام وغذاها على مدى سنوات، فعليه أن يجني ويحصد ما زرع، والنقابات التي انسحبت من تحت مظلته وودعته تتمسك اليوم بحقها الشرعي في تأسيس اتحادها الحُر ولا مجال لاتهامها بالعمالة والتخوين، فهذه عبارات الخصوم الضعفاء التي أكل عليها الدهر وشرب، وأصبحت أوراق محروقة لا يمكن المتاجرة بها والركون لها. ومنطق اتهام الآخرين بالطائفية إن لم يكونوا خاضعين لها ولهيمنتها منطق فاشل، وقد اختارت النقابات الحرة وفضّلت وهي تؤسس لاتحادها الوليد بأن تكون متهمة بالطائفية من خصومها!! على أن تمارس الطائفية وتذعن لها كما هو حال الاتحاد العام للنقابات، والمتهم ليس كالمُدان.