للرياضة أهداف ومفاهيم
سامية.. اختل مسارها
كتب – فهد بوشعر:
إن للرياضة مفاهيم وأهدافاً وفلسفة ثابتة يجب التقيد بها وهي أن تبتعد عن السياسة وعن الدين ولا تجمع على أساس الجنس أو العرق أو النوع أو اللون.
والرياضة لم تكن -في أي وقت من الأوقات- ديانة ولا مذهباً سياسياً ولا نظاماً اجتماعياً أو اقتصادياً، بل هي حلقة وصل بين جميع طبقات الإنسانية يشارك فيها الغني والفقير، المعلم والمهندس والطبيب...، كلهم يلتقون في ميدان واحد بأجناسهم وأديانهم لتحقيق هدف مشترك هو الالتقاء لتقوية الروابط الإنسانية والعلاقات البشرية.
لكن وفي الآونة الأخيرة بدأت الرياضة تنحاز وتنحرف عن مسارها الصحيح بشكل واضح وهذا ليس بالجديد أو بالغريب فالانحراف عن المسار الصحيح بدأ منذ زمنٍ بعيد جداً عندما ألغى الإمبراطور الروماني (ثيوديوس) الألعاب الأولمبية القديمة، واستمرت حتى العصر الحديث بتوقف بطولتي كأس العالم ودورة الألعاب الأولمبية لعدة سنوات بسبب الحربين العالميتين، واستغلال موسليني لبطولة كأس العالم الثانية في إيطاليا في العام 1934 للترويج لنظامه الفاشي واستمرت التدخلات السياسية والعرقية والمذهبية في ساحة الرياضة حتى يومنا هذا، فبعد أن كانت الرياضة هي المنفذ الوحيد نحو تقريب الشعوب ومزج الحضارات ومثال التعايش بين الشعوب بسلام وأمان، إلا أننا في وقتنا الحاضر أصبحنا نرى أمور رياضتنا خصوصاً العربية منها تتنافى والغرض الأساسي لها فالهتافات الجماهيرية السياسة والعنصرية والدينية وغيرها من الأمور التي لم ولن تكون في الأساس من ضمن قاموس الرياضة، ولكن من خلال الممارسة ومن خلال تطور مفاهيم الحركات الأوليمبية أصبحت هناك تكتلات في عالم الرياضة تعتمد على الجنس أو الدين أو النوع، وأصبحت تنظم لها دورات إسلامية ودورات عربية وأنشئت اللجان الأولمبية العربية والاتحادات العربية لكل لعبة منفردة وغدت تنظم المؤتمرات والدورات الخاصة بها. كل ما سبق يبين لنا بأن المفاهيم الرياضية قد دخلت عليها عدة أمور وتطورات أبعدتها عن التفرد بفلسفتها ومفاهيمها وأهدافها الحقيقية وأصبحت الرياضة بالتدريج نوعاً من السياسة، لدرجة بأن أصبحت الرياضة والسياسة كلاً منهما مكملاً للآخر ولا يستغني أحدهم عن الآخر.
فالواقع السياسي لابد له بأن يلقي بظلاله على المجتمعات في أي مكان من الكرة الأرضية وبالتالي لابد أن ينعكس ذلك على الساحة الرياضية سواء كان الانعكاس سلبياً أو إيجابياً إما بزيادة الحماس أو بتحبيط العزيمة وفقدان الأمل.
كما إن طبيعة المجتمعات لها تأثير كبير في بقاء الرياضة ضمن منظومتها التي خلقت من أجلها الرياضة، وللشعوب حرية التصرف في بقاء الرياضة على خطها الصحيح أو أن تجره للانحراف عن هذا الخط، وأكبر مثال ما يدور في الملاعب الأوروبية تلك البلدان التي تدّعي حقوق الإنسان والمساواة بين كل طبقات البشر بمختلف أعراقهم وألوانهم ودياناتهم فترى من جماهيرهم الأفعال ما يجعلك لا تصد عينيك وتسمع منهما ما لا تصدقه مسامعك خالطين التمييز العرقي والديني بمنبع النبل وموطن التعايش السلمي والإخاء بين جميع دول العالم الرياضة.
فقد يتخذ البعض من الرياضة لترويج سياستهم، فدخول السياسة إلى الرياضة يعتبر مفسدة إلى الرياضة بالدرجة الأولى –بالنسبة إلى الرياضة– أما فيما يتعلق بالسياسة فتغلغلها في مجال الرياضة يعتبر مكسباً لها كونها أكبر وأسرع وسيلة تجمع أكبر شريحة على مستوى البشرية خصوصاً في وقتنا الحالي وقت الفضائيات والانتشار الإعلامي الواسع عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تهتم بالرياضة بشكل كبير وفي نفس الوقت أصبحت مرتعاً وأرضاً خصبة لكل من يريد نشر أفكاره بشتى أنواعها (سياسية، دينية، عرقية وحتى الطائفية منها) حيث إنه وبمجرد أن يرفع في أي محفل من المحافل سيكون بمثابة الترويج للبلد الذي رفع علمها وشيء يفاخر به كل حامل لهذه الجنسية، وتكون فرصة جيدة للترويج الإيجابي لهذه الدول.
أما الجانب السلبي فيكمن في الشعارات والصيحات التي تطلقها الجماهير أضف إلى ذلك اللافتات التي من الممكن أن ترفع في مدرجات الملاعب والصالات، وهذا ليس ببعيد على ملاعبنا في الدول العربية بشكل عام وملاعب البحرين بشكل خاص فلم يمضِ أكثر من أسبوع على أحداث الجولة الثانية من المباراة النهائية لدوري كرة السلة البحرينية والأحداث التي صاحبت نهاية المباراة، وقبلها بفترة وجيزة ما صاحب المباراة النهائية لكأس الدرجة الأولى لكرة اليد من تحويل المباراة إلى مظاهرة سياسية عبر الهتافات وغيرها من الأمور، وقبل عدة سنوات كانت هنالك عقوبات جماعية لبعض جماهير الأندية نتيجة لهتافات مذهبية.
أما الملاعب الأوروبية والعالمية فحدث ولا حرج لكن هناك مواقف وحالات لا تغيب عن الذاكرة منها نطحة زين الدين زيدان الشهيرة في نهائي كأس العالم أمام إيطاليا بعد ما تلفظ مدافع إيطاليا ماتيرازي بألفاظ مسيئة لزيدان ومن بعدها حادثة اللاعب الكاميروني في الملاعب الإسبانية عندما تقابل برشلونة فريق إيتو مع أوساسونا وقامت جماهير الأخير بإصدار أصوات تشبه أصوات القردة نكاية في إيتو، أضف إلى ذلك حادثة لاعب ليفربول سواريز ومدافع مانشستير يونايتد إفرا التي أوقف على إثرها سواريز ثمان مباريات كاملة بسبب تلفظ الأول بلفظ عنصري تجاه الثاني وفي نهائيات بطولة أوروبا لكرة القدم كانت الحادثة الأبرز بالهتافات العنصرية التي أطلقتها الجماهير الكرواتية تجاه لاعب المنتخب الإيطالي بالوتيلي وقامت بعض الجماهير بإلقاء الموز على أرضية الملعب لتشبيه اللاعب بالقرود.
نعود لأساس موضوعنا وهو أن الرياضة لها مفاهيم وأهداف وفلسفة ثابتة يجب التقيد بها وهي أن تبتعد عن السياسة وعن الدين ولا تجمع على أساس الجنس أو العرق أو النوع. أو اللون، وضع قوانين وضوابط صارمة تحد من تلك التصرفات غير المسؤولة والمسيئة لتعود الرياضة إلى مسارها الصحيح بصفاء ونقاء أجوائها بعيداً عن الأشواك التي زرعت مُتعمدة لتغيير مسار الرياضة.