حاوره ـ إيهاب أحمد ومروة العسيري:

كشف رئيس جمعية مبادئ لحقوق الإنسان عبدالله الدوسري، عن وجود منظمات حقوقية نشطة ذات توجهات سياسية تعمل بانتقائية، تركز في عملها على الدول الواقعة في دائرة الاهتمام العالمي، إلى جانب منظمات مشبوهة موجهة سياسياً خرجت عن دورها في رصد انتهاكات حقوق الإنسان لتصبح جزءاً من المشكلة بتزويدها الدول بمعلومات تفتقد المصداقية.

وأكد الدوسري لـ«الوطن”، وجود منظمات ورقية تدعي الحقوقية وتحصل على دعم مالي لتحقيق مصالح سياسية وظيفتها إذكاء الفرقة، منتقداً الجمعيات الطائفية التي تدعي العمل على حقوق الإنسان، والنشطاء المدافعين عن قضايا شخصية طائفية فئوية ويمارسون العنصرية والإقصاء ضد مخالفيهم.

وبين أن سفارات دول كبرى تعتمد بشكل مباشر على تقارير شخصية لا تمثل الرأي لنقل صورة البحرين إلى دولها، مستغرباً اعتماد هذه التقارير رغم علمهم بعدم حياديتها.

واعتبر أن ترتيب لقاءات سرية عبر قنوات غير واضحة يثير الشك بعلاقة المنظمات مع بعض السفارات العاملة في البحرين، سيما مع وجود أشخاص ومنظمات تُعد تقارير وترسلها للسفارات دورياً، مطالباً بالإعلان عن أي لقاء يجمع السفارات بالمنظمات الحقوقية.

وتحدث عن وجود جمعيات استغلت فترة الأزمة وتجاهلت التطور الذي حققته البحرين في مجال حقوق الإنسان خلال 4 سنوات، لتشويه سمعة البحرين والتشكيك في منجزاتها أمام المجتمع الدولي.

حفظ الأمن حق سيادي

ورأى الدوسري أن المنظمات المحسوبة على المعارضة فشلت في تحركاتها، مطالباً الدولة بممارسة سيادتها وفرض القوانين على عمل الجمعيات والمنظمات المخالفة.

وأكد حق الدولة في رفض دخول المنظمات المشبوهة أراضيها، رغم اعتباره أن السماح للمنظمات بدخول البلاد تعاون إيجابي لتطوير حقوق الإنسان.

وقال: إن من حق رجال الأمن مقابلة الاعتداء عليهم بقوة مكافأة لردع الهجمات، مشيراً إلى أن التظاهرات في البحرين وصلت لمرحلة الإضرار بالأمن العام والنظام، وتمادت في الاعتداء على العمالة الأجنبية والزج بالأطفال في مواجهات مع الشرطة.

وأضاف أن التعبير عن الرأي يجب ألا يمس بالآخرين بأي صورة، وأن ما وقع خلال الأزمة إخلال بالنظام ومحاولة سياسية للتأثير الإعلامي وإدخاله في سياق الربيع العربي، لافتاً إلى أن بعض المنظمات بدأت بتوظيف تلك الأحداث ومخرجاتها بشكل يخدم مصالحها وتوجهاتها.

ورأى أن الربيع العربي تحرك وطني إيجابي شعبي متوافق عليه بخلاف التحرك الطائفي المدفوع بأهداف سياسية في البحرين الذي أدى لتمزق المجتمع.

ونبّه إلى أن الأذرع الحقوقية لجمعيات المعارضة تعمل على التشويش داخلياً وخارجياً، وتتهم من يتعارض معها بالعمالة للحكومة وتشويه صورة مؤسسات المجتمع المدني والناشطين بالبحرين.

وقال: إن مسائل حقوق الإنسان تحولت مؤخراً لأداة سياسية في يد من يريد التدخل في شؤون الدول أو يؤثر عليها، وغُيّبت الأهداف الرئيسة لحقوق الإنسان رغم وجود خطوط واضحة بين المسائل الحقوقية والسياسية.

ولفت إلى أن المنظمات غير الحكومية في العالم تعمل ضمن قواعد متفق عليها في مجلس حقوق الإنسان، و«يجب أن تتنزه وتترفع عن كل القضايا التي تسيس هذه الحقوق، بحيث يركز من يتبعها في عمله على تطوير وتعزيز قضايا حقوق الإنسان”.

نشأة حقوق الإنسان

^ هل يمكن أن تشرح لنا ما هي حقوق الإنسان؟.

- حقوق الإنسان حقوق عالمية انبثقت بشكل أو بآخر من مبادئ وقيم الأديان السماوية والثقافات والحضارات، وهي مبادئ يتفق عليها الجميع، وتصون كرامة الإنسان وتحقق له الحق في العيش والحرية والأمن والعدل والمساواة، من أجل أن ينمو بنفسه وبمجتمعه ويحقق الرفاهية له وللمجتمع الذي يعيش فيه، فهي قيم حقيقية لا تختلف عليها الشعوب ولا تعرف اللون والجنس والمعتقد، وإنما تعرف الإنسان بإنسانيته وتعمل على صيانته وحمايته.

هي حقوق متساوية أوجدتها القوانين والأنظمة، وتحولت إلى اتفاقات دولية أصدرها مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ودُعيت للتصديق عليها كافة الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، لتخرج من منظور الثقافات والأديان التي قد تختلف عليها الشعوب إلى اتفاقات مصاغة بشكل قانوني تحفظ هذه الحقوق، وبمشاركة الدول في صياغتها وإعدادها والمنظمات غير الحكومية أصبحت اتفاقات ملزمة لكل الدول سواء وقعت الدولة عليها أو لم توقع، كونها تصدر بالتصويت وطالما صوّت عليها المجلس بالغالبية تصبح ملزمة لباقي الدول.

حقوق الإنسان.. تاريخ وثقافة

^ متى ظهرت اتفاقات حقوق الإنسان ومتى عرفتها البحرين؟.

- برزت اتفاقات حقوق الإنسان للوجود بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت الكثير من الدول تقبل هذه الاتفاقات بالكامل، وبعض الدول تتحفظ على بنودها لتعارضها مع تعاليم الدين الإسلامي وثقافة المجتمع، وخاصة الجزء الخاص بحقوق المرأة والطفل وقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالزواج والحضانة وحقوق المرأة قبل الزواج وبعده والعلاقة الجنسية خارج إطار الزوجية.

وكانت البحرين مهتمة بمسار حقوق الإنسان منذ أكثر من عقد، طبعاً فهي جزء من ثقافة أهل البحرين وقيم الدين، وهي في جوانب منها أعلى وأسمى من هذه الاتفاقات ومع تنوع الديانات من آلاف السنين ودخول الثقافات المختلفة تبلور التسامح الديني.

وعندما تبلور المفهوم السياسي أصبحت البحرين كيان سياسي بأرضية خصبة تنسجم مع تلك القيم، وأصبحت ثقافة حقوق الإنسان واحترام الآخر وقبوله وعدم التعدي على حريته واحترام الحرية الشخصية من قيم المجتمع وتطورت حقوق الإنسان في البحرين لتسبق الدول الأخرى.

ووقعت البحرين على غالبية لاتفاقات والصكوك والبروتوكولات الملحقة بتلك الاتفاقات.

^ تجربة البحرين الحقوقية

^ ما هو تقيمكم لالتزام البحرين بحقوق الإنسان؟.

- البحرين تتقدم بشكل إيجابي مستمر في الالتزام بالمعايير الدولية الكاملة لحقوق الإنسان، وباعتبار البحرين من الدول النامية والطريق أمامها طويل لاستكمال بنيتها التشريعية والقانونية والتنظيمية، فإنها تحتاج إلى وقت لتهيئ البنية القانونية وترسخ الثقافة المحلية بالتعليم ووسائل الإعلام لتكون جزءاً من تراثنا وفكرنا الوطني والديني.

وتكون تلك القيم هي القيم المطبقة السائدة في المجتمع، وتصل بالبحرين بهذه القيم إلى مصاف الدول الراقية في مجال حقوق الإنسان.

بوتقة لمجتمع البحرين

^ إلى أي التيارات تنتمي جمعية مبادئ؟.

- جمعية مبادئ حقوق الإنسان تمثل جميع الفئات من الطائفتين السنية والشيعية، بل من المسلمين والمسيحيين والبهائيين، ولدينا المرأة والرجل ورجال الدين وأكاديميين ومحامين من ذوي القدرة والكفاءة، ونحن ممثلين من قبل المجتمع في الجمعية بشكل أكبر من الجمعيات الأخرى، وكل هذه الأصوات والخلفيات ممثلة في سياسات الجمعية وتحركاتها بالداخل والخارج، ونحن نعمل من أجل الجميع ومنفتحين على الجميع، بينما الآخرين يمثلون فئة وطائفة واحدة، ويدّعون أن الآخرين لا يريدون الدخول والمشاركة معهم.

مسؤولية رصد الانتهاكات

^ ما دور منظمات حقوق الإنسان؟.

- العمل الرئيس لهذه المنظمات رصد انتهاكات حقوق الإنسان، وزيادة الوعي بهذه الحقوق والتدريب على المبادئ عبر التعاون مع الدول وتبادل الخبرات.

وتنقسم المنظمات إلى دولية ترصد كافة الانتهاكات على المستوى الدولي، ومحلية ينحصر عملها في دولتها فقط.

الحرية ومنطق الحياد

^ هل يُقيّم عمل المنظمات من الأمم المتحدة خاصة إذا غابت الحيادية؟.

- يترك مجلس حقوق الإنسان مساحة كبيرة من الحرية لعمل المنظمات، ويعتمد عليها بشكل أساس لتقديم الكثير من التقارير وأعمال الرصد، وهناك منظمات بنت مصداقيتها عبر تاريخها في مجال حقوق الإنسان، وكسبت ثقة مجلس حقوق الإنسان وثقة المجتمع الدولي، خاصة أن هذه المنظمات تعتمد على الزيارات الميدانية، وتجري مسحاً ميدانياً وتلتقي كافة الأطراف، ولديها أعضاء ومراسلين يزودونها بالتقارير.

حرية حركة المنظمات الدولية

^ هل يجب على الدولة السماح بدخول أي منظمة إلى أراضيها؟.

- السماح للمنظمات بالدخول إلى أراضي الدول تعاون إيجابي لتطوير حقوق الإنسان، والدول التي لا تسمح بدخول المنظمات غير الحكومية أو أعضاء اللجان الفرعية في مجلس حقوق الإنسان أو حتى الفرق أو الخبراء، دائماً ما توجه لها أصابع الاتهام، وتُعتبر غير متعاونة لعدم تسهيل عمل المنظمات بتقديم معلومات قد تكون مفيدة في عملية تطوير حقوق الإنسان.

^ ألا يحق للدولة رفض زيارة المنظمات إذا رأت في ذلك تعارضاً مع سيادتها أو وجدت شبهة في عملها؟.

- من حق البحرين أو أي دولة أن تقبل أو ترفض دخول المنظمات أراضيها، خاصة أن بعض المنظمات النشطة بالساحة حالياً ذات توجهات سياسية وتعمل بانتقائية، حيث تركز على دول دون أخرى، خاصة الدول الواقعة في دائرة الاهتمام العالمي.

على سبيل المثال ركزت الكثير من المنظمات في الشرق الأوسط على ما يسمى بـ«الربيع العربي”، والأحداث في بعض الدول، كونها ترى عملها في البيئة المضطربة خصباً، إلا أنها بدل أن تكون جزءاً من عملية الرصد ومعالجة قضايا حقوق الإنسان، دخلت وأساءت وأصبحت جزءاً من المشكلة، بنشرها وتبنيها لمعلومات غير دقيقة تفتقد المصداقية تستقيها من مصادر غير موثوقة.

وأصبحت هذه المنظمات كما لو كانت توجه اتهامات لهذه الدول، ما دفع هذه الدول للتحفظ على زيارات المنظمات ورفض التعاون معها ومنعها أحياناً من دخول أراضيها، إلا أن الأمر لا يعمم على جميع المنظمات، إذ هناك منظمات عالمية تعمل بحيادية ومصداقية ولديها تاريخ كبير ومصداقية عالمية.

المنظمات المشبوهة

^ تردد في الآونة الأخيرة مصطلح “المنظمات المشبوهة” ما المقصود به؟.

- المنظمات المشبوهة هي الموجهة سياسياً أو ذات الأجندة المسبقة، العاملة وفق برنامج معين، وتركز عملها في إقليم معين في فترة زمنية بعينها، ثم تنتقل لآخر.

ويوجد نوع آخر من المنظمات يمسى “المنظمات الورقية”، وهي منظمات مرخصة مسجلة على الورق فقط، إلا أنها غير موجودة على أرض الواقع، وتظهر إعلامياً فقط لإصدار بيانات تُذكي روح الفرقة، وهي في حقيقتها منظمات غير حقوقية.

^ هل لهذه المنظمات دور في أحداث البحرين؟.

- تؤدي المنظمات دوراً كبيراً في نقل ما يدور في الدول، فبعض الدول الغربية وتحديداً فرنسا وأمريكا وبريطانيا وألمانيا تعتمد على عمل المنظمات بشكل كلي، وترى مثلاً أن تقارير منظمات العفو الدولية وهيومن رايتس وتش ذات مصداقية، وجزء من صورة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط لدى هذه الدول مبنية على معلومات ترصدها التقارير وما يرد إليها من السفارات.

السفارات والمنظمات الحقوقية

^ هناك من يعتقد بوجود مجندين لبعض السفارات لتزويدها بالمعلومات؟.

- لا أميل إلى فكرة وجود عناصر مجندة بالسفارات، لكن أرى أن هناك أشخاصاً ومنظمات تعد تقارير وترسلها للسفارات دورياً.

والغريب أن هذه التقارير تعتمد وتجد طريقاً للتصديق من السفارات دون التأكد من دقتها، رغم علمهم بكونها تقارير تعبر عن رأي شخصي أو مجموعة معينة ولا تنقل الرأي العام، ويلتقي ممثلو السفارات بالمنظمات ويجرون زيارات ميدانية كما حدث مع السفارتين الأمريكية والبريطانية.

^ ما المشكلة في التقاء السفارات ببعض المنظمات؟.

- لا نعيب وجود لقاءات، فمتى كانت هذه اللقاءات علنية وواضحة ومعلنة تنشر مضامينها فإن هذا الأمر يعطي ارتياحاً لكافة الأطراف، لكن ترتيب لقاءات سرية عبر قنوات غير واضحة يثير الشك، خاصة مع وجود تسريبات غير معلوم دقتها لما دار في اللقاء ما يؤدي إلى ظهور الإشاعات والبلبلة.

^ ألا تطلب بعض السفارات من جمعيتكم الرأي في بعض القضايا؟.

- لم يتصل أحد من السفارات في البحرين بجمعية مبادئ لحقوق الإنسان، ونرحب بأي تواصل مع أي جهة، ونعلن عن أي لقاء حينها في الصحافة لأننا نرفض أي لقاء في الخفاء، ونرى أن العمل في النور السبيل الوحيد لبناء مصداقية.

رغم أن أمر التواصل مع السفارات لا يشغلنا كثيراً في الوقت الحالي، لتوجهنا لتطوير قضايا حقوق الإنسان والعمل بنظام مؤسسي لنشر والوعي وتدريب الكوادر.

^ هل دُعيتم للمشاركة في المراجعة الشاملة بمجلس حقوق الإنسان؟.

- رشحنا من قبل وزارة حقوق الإنسان لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP للمشاركة في مناقشة التقرير الوطني الثاني للبحرين في مجلس حقوق الإنسان بجنيف بصفتنا أحد ممثلي المجتمع المدني في البحرين، إلا أنه لم يتم تسجيلنا دون تبرير واضح لهذا الموقف، رغم أن المراسلة تمت عن طريق جهة رسمية، وجرى إرسال منظمات أخرى في البحرين، وبعلاقة الجمعية واتصالاتها بالمنظمات العالمية استطعنا التسجيل في الوقت المناسب.

بدورنا كجمعية نظمنا فعالية على هامش عرض المراجعة الدولية الشاملة لتقرير البحرين الثاني وأبدينا رؤيتنا حول التقرير، وتناولنا في الفعالية التي أقيمت بالتعاون مع منظمة المرأة غير الحكومية - منظمة استشارية غير حكومية - جانباً من حقوق المرأة والطفل والتسامح الديني في البحرين.

محاولات تشويه الصورة

^ ما أبرز ما جاء في التقرير الأممي عن البحرين؟.

- شاركت في عرض التقرير جمعيات محسوبة على المعارضة في الداخل والخارج، إضافة إلى جمعيات المجتمع المدني غير المنتمية لأي من التيارات، وشعرنا أن هناك جمعيات حاولت استغلال التقرير للإضرار بسمعة البحرين وتشويه صورتها، رغم تضمن التقرير التطور الذي حققته المملكة في مجال حقوق الإنسان في الفترة من 2008 إلى 2012.

وحاول كثيرون التركيز على مخرجات الأحداث المؤسفة التي تعرضت لها البحرين، وما وقع من أخطاء تناولها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، في محاولة لجعل آثار الأحداث طاغية على كافة التطورات.

ويعطي هذا إيحاءً للمتلقي والمجتمع الدولي أن كافة التطورات في البحرين غير مجدية ودون مصداقية، وأن الأحداث الأخيرة هي الوضع الحقيقي للبحرين، وهذا منظور منقوص وغير دقيق لأن البحرين في الأعوام 2008 و2009 و2010 نفذت العديد من الخطوات والإجراءات، والتطور الحاصل في التشريعات الوطنية تتناسب مع اتفاقات حقوق الإنسان ضمن التزام المملكة بتنفيذ التوصيات الطوعية الواردة في تقرير البحرين الأول، ومعلوم أن البحرين تلتزم بكافة التوصيات.

^ هل ترون أن من يحاول التشويش نجح في مهمته؟.

- نظّمت بعض المنظمات المحسوبة على المعارضة على هامش المراجعة الدورية، فعاليات مصاحبة لتسليط الضوء على البحرين للتشويش والتضليل ولم تنجح إلا في إقامة فعالية واحدة، فيما أُلغيت 3 فعاليات في اللحظات الأخيرة دون ذكر الأسباب، ما يدل على وجود خلاف أو سوء تنظيم أو رفض لعقد ندوات ضد البحرين بسبب سمعة المنظمات التي أساءت واستخدمت عبارات مشينة لا ترتقي مع مبادئ حقوق الإنسان.

واعتقد أن كافة المنظمات غير الحكومية المحسوبة على المعارضة فشلت في تحركاتها فشلاً ذريعاً، بدليل عدم قدرتها على التأثير على الدول لإدانة البحرين، وكان عدم صدور الإدانة بمثابة صفعة لأصحاب الأجندات، وما صدر هو أسئلة وتوصيات وهو أمر طبيعي، فالهدف من تقرير المراجعة الدورية عرض ما نفذته الدول وتسليمها مجموعة أسئلة وتوصيات، ومن الطبيعي أن تكون الدول التي تعرضت لأحداث في الفترة الأخيرة ومنها البحرين أن تكون التوصيات المخصصة لها أكثر من توصيات بقية الدول، خاصة إذا وقعت بعض الأخطاء ما يستلزم الوقوف عندها وإصدار توصية.

ولا بد أن نعلم أن أغلب التوصيات الصادرة في مجملها كانت لالتزام البحرين بتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق بشكل أو بآخر، وفيما يتعلق بإصدار التشريعات المناسبة، ولمواءمة الاتفاقات الموجودة مع التشريعات الوطنية لحقوق الإنسان.

وينبغي أن نعلم أن النقد كما يوجه للحكومة يوجه للمتسببين في الأحداث، فالنظرة لهذه التوصيات بأنها موجهة للدولة وليس للمتظاهرين نظرة غير سليمة.

الدولة نفذت عدداً من الخطوات لإصلاح الوضع، منها إنشاء صندوق التعويضات ومحاسبة المسؤولين المقصرين أو وجهت لهم اتهامات بانتهاكات أو جرائم تعذيب، وأحالت البحرين عدداً من العاملين في جهاز الأمن العام إلى المحاكمة، وتشكيل جهاز في النيابة العامة لتلقي البلاغات باستغلال النفوذ.

طأفنة «حقوق الإنسان»

^ يقال إن جمعيات تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وهي من تنتهكها.. ما تعليقكم؟.

- كثير من الجمعيات تتباكى على حقوق الإنسان وهي من تسيء إليها، وللأسف بعض هذه الجمعيات تعمل بطائفية وتضم لوناً واحداً ولا تسمح بإشراك أحد على خلاف طائفتهم، لتخوفهم من دخول عناصر تخالفهم الرأي، وتكوين صوت مسموع قد يؤدي مستقبلاً بقيادة الجمعية على خلاف رغباتهم وهي تخالف بذلك القانون صراحة.

^ هل يعني ذلك أن بعض العاملين في مجال حقوق الإنسان يتعدون الدور المطلوب منهم؟.

- بعض النشطاء لا يدافع عن حقوق الإنسان بل عن قضايا تخصه أو تخص فئة أوطائفة معينة، وهو ما يضر بالعمل الحقوقي، فهم يمارسون العنصرية في عملهم بدفاعهم عن القضايا السياسية والحقوقية، ووجهت لهم نداءات كثيرة لتبني قضايا العمالة الوافدة التي تعرضت لاعتداءات ومنعت بالقوة من الذهاب للعمل فترة الإضراب، وهجرت من مساكنها وقت الأزمة، إلا أن هذه المنظمات التزمت الصمت وتجاهلت الأحداث.

وغضوا الطرف عن حقوق الإنسان في قضايا العمل وخدم المنازل رغم أنها تمس حقوق الإنسان، وقضايا حقوق الإنسان قضايا شاملة لا يمكن انتقاصها والتركيز على جانب على حساب آخر، ما يؤكد أن بعض الجمعيات ورقية لا أكثر، تعمل تحت غطاء الجمعية لأخذ صبغة رغم أنها غير مفعّلة.

شبهة التمويل غير المعلن

^ هل تكسب هذه الجمعيات مصداقية وهي غير موجودة على أرض الواقع؟.

- عملية الالتفاف واستخدام مسمى الجمعيات الحقوقية غير الحكومية لتحقيق أهداف وتوجهات معينة تخدم مصالحهم السياسية، ولا نرى مساهمة من هذه الجمعيات في تطوير مسار حقوق الإنسان في البحرين إطلاقاً، وهي تعمل وفق منظور محدد بل وتتسلم مبالغ من الخارج مخالفة بذلك قوانين المنظمات الأهلية التي تشترط أن يكون التمويل من مصادر معلنة، وأن تُدرج المبالغ في الحساب الختامي للجمعية، ومما لا شك فيه أن هناك منظمات في البحرين تحصل على رعاية ودعم مالي من شخوص أو منظمات إقليمية لها مصالح سياسية في المنطقة.

محاربة حقوق الإنسان

^ كيف يمكن للدولة أن تتعامل مع هذه الحالات خاصة مع الضغط الإعلامي، وعندما رغبت الدولة في تصحيح أخطاء جمعية “أمل” قالوا إنه انتهاك لحقوق الإنسان السياسية؟.

- ترك الدولة التجاوزات حتى تتفاقم دون محاسبة خطأ تتحمله الدولة، لماذا لم يطبق عليها القانون من اليوم الأول؟ وفي ظل الأحداث التي شهدتها البحرين فإن أي إجراء تصحيحي ينظر إليه على أنه تقييد للحريات، لإعطاء انطباع سلبي للمنظمات الدولية وللمتبعين للشأن الحقوقي بأن هناك عملاً ممنهجاً للقضاء على حريات التعبير وحقوق لإنسان في البحرين، وهو أمر غير معقول في بلد صغير به 10 مؤسسات لحقوق الإنسان وأكثر من 500 جمعية بين مهنية ونوعية وحقوقية، وينبغي ألا تسكت الدولة عن أي مخالفة للجمعيات السياسية وتؤخر اتخاذ الإجراءات، وأن تمارس الدولة سيادتها وتفرض القوانين على عمل المنظمات.

^ كيف يمكن توعية الكوادر الشبابية في مجال حقوق الإنسان؟.

- تشكل الجودة والنوعية في مجال حقوق الإنسان أمراً مهماً، ويجب أن تعمل الجمعيات بمعايير وقدرات وكفاءات عالية ذات معرفة وخلفية في العمل الحقوقي، وأن تشارك في برامج “التدريب الفني التابع لمجلس حقوق الإنسان”، وأن تستفيد الكوادر الجديدة من الأكاديميين في هذا المجال.

وأود بيان أن برنامج التمويل الحكومي للمنظمات الأهلية لا يرتقي لمستوى العمل الحقوقي في البحرين، فالمبالغ متواضعة جداً وبحاجة لإعادة النظر حتى لا نترك ذريعة للمنظمات لاستقبال المعونات الخارجية وفتح الباب أمام معونات المصادر المشبوهة.

^ ألا تفقد الجمعيات والمنظمات مصداقيتها بدعم الدولة لها؟.

- إطلاقاً فمن شروط إنشاء المنظمات أن ترعى الدولة تكوين المنظمات مادياً، وتعمل على تطويرها بما يسمح لها أداء عملها على أكمل وجه، وهذا التزام من البحرين لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

«المولوتوف» ومزاعم «السلمية»

^ هل رصدتم أية اعتداءات في الأزمة؟.

- تلقت جمعية مبادئ من اليوم الأول الكثير من الشكاوى والادعاءات بالتعرض لانتهاكات نتيجة استخدام رجال الشرطة القوة، ما أدى لوقوع ضحايا عبرنا حينها عن أسفنا وقلقنا حيالها، وبالمقابل رصدنا اعتداءات على رجال الأمن بالأسياخ الحديدية والحرق واستخدام “المولوتوف” ممن يرفعون شعارات “السلمية”، ما لا يمكن أن يقابل إلا بقوة مكافأة لردع الهجمات على رجال الأمن.

ورغم السماح بحرية التظاهر وفقاً للقوانين الدولية، إلا أن التظاهرات في البحرين امتدت لأسابيع وأشهر وأصبحت على مدار الساعة، ما يخالف أيضاً القانون ومعايير الأمن والنظام ويؤدي للإخلال بالأمن العام.

وسُمح للمتظاهرين بفترة كافية للتظاهر إلا أنهم تمادوا بالاعتداء على العمالة الأجنبية واستغلال النساء في المسيرات والزج بالأطفال في المواجهات مع الشرطة، ووثق تقرير لجنة تقصي الحقائق الكثير من الانتهاكات من حالات اختطاف من قبل المتظاهرين والمحصلة النهائية أن هناك أخطاء وقعت من الطرفين.

ونؤكد أن التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي بما لا يتنافى مع توفير الأمن والسلامة للآخرين لا يختلف عليه أحد، وما وقع في البحرين خلال الأزمة لا يدخل إلا تحت مسمى الإخلال بالنظام وعمل اضطرابات مدفوعة بشكل سياسي للتأثير في الإعلام، وحاولت إدخاله في سياق الربيع العربي وبدأت منظمات بتوظيف تلك الأحداث ومخرجاتها بشكل يخدم مصالحها وتوجهاتها.

وجهة نظرنا الشخصية أن ما يحدث في الخليج لا علاقة له بالربيع العربي، والربيع العربي تحرك إيجابي وتغيير توافق عليه كافة فئات الشعب، والثورة تجمع ولا تفرق وهو ما حدث في تونس ومصر و ليبيا ويدور في سوريا الآن، تحرك وطني شامل بعيد عن الطائفية، ولا يمثل فئة على حساب أخرى، ولم يكن مدفوعاً بأي توجهات خارجية وهو ذات السبب الذي أدى لنجاحه وتحقيق أهدافه.

ما حدث في تونس ومصر وليبيا وحّد الشعب، وخرج بشكل يمثل الكل فنجح، وما حدث في البحرين فرق ومزق نسيج المجتمع وكان طائفياً بحتاً مدفوعاً بأهداف سياسية مع وجود تدخل دولي وإقليمي بالمنطقة تلاقت فيه مصالح الكثير من الدول.

الحركة التي بدأت في البحرين اعتقد من يقف وراءها أن استمراره يستقطب الفئات الأخرى وتقع الثورة، إلا أن ما حدث في البحرين تحول إلى سياسة طائفية لا تمثل كافة أطياف المجتمع وبعيدة عن الأهداف الوطنية.

ما حدث في البحرين أصل الطائفية في المجتمع الأمر الذي حتم على الدولة طرح برامج تربوية وإعلامية وصحافية وتدريبية لإعادة بناء اللحمة الوطنية، وإعادة صياغة مشروع يقضي على التميز الذي حدث والطائفية التي وقعت من أجل تهيئة أرضية صالحة لبدء حوار وطني نقي لإعادة بناء المجتمع البحريني.

أجندة الجمعيات

^ هل تجدون مضايقة من الجمعيات الورقية أو الجمعيات ذات الأجندات؟.

- بعض قوى المعارضة أو بعض المنظمات المحسوبة على المعارضة، أو بمعنى أدق الأذرع الحقوقية لتلك الجمعيات تعمل على التشويش على سواها بالداخل والخارج، فعندما تتعارض مصالحها مع الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان، وتقدم رؤية مختلفة تعبر عن رصد حقيقي لما هو واقع ويغاير ما تدعيه ويثبت للعالم كذبها، تُسيء للجمعيات المخالفة وتسميها جمعيات حكومية أو جمعيات غير مؤثرة أو جمعيات للمجاملة فإما أن تصف معها أو تعتبرك عدوها، وهذا الأمر يخالف مبادئ حقوق الإنسان التي تعمل من أجل الجميع.

عندما تحدث مع الكثير من الجمعيات في جنيف، أبلغونا أن الكثير من الجمعيات البحرينية تتحدث سلباً بشكل مسيء عن البحرين، وعن كافة المنظمات الموجودة والناشطين، وهو عمل غير أخلاقي، فمن يختلف مع الآخرين ينبغي ألا يشوه ويسيء لعدم قبولك رأي الآخر.

يجب على الجمعيات المدعية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن تحترم الرأي الآخر وألا تسرد الاتهامات والإساءات للآخرين لعدم التوافق معها فيما تصبوا إليه.

^ ما هي آلياتكم لمواجهة هذا التحدي؟.

- من اليوم الأول نسعى لوضع استراتيجية واضحة لعمل الجمعية، وهذه الاستراتيجية مبنية على عدة محاور منها المحاور الوطنية ومحاور دولية ومحاور تتعلق بكافة الحقوق، سواء كانت حقوق المرأة أو الطفل أو السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية والحقوق المتعلقة بمنع التميز أو التعذيب أو معاملة المساجين، وفق القواعد الدنيا لمعاملة المساجين المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، ونؤكد للجميع بأننا منفتحين للتحاور واللقاءات مع الآخرين والمجتمع الدولي واستعطنا إقناع المجتمع الدولي بجمعية مبادئ ومكتب المفوض السامي ومجلس حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية العالمية وخاصة التي لديها الصفة الاستشارية، بدأت تعرف كوادر مبادئ وتثق بها، ودليل ذلك ما قمنا به العام الماضي من عقد ندوة عن التسامح الديني وحرية الأديان في البحرين على هامش دورة حقوق الإنسان في سبتمبر.

وتحالفنا مع منظمة المرأة العالمية (wow) ورئيستها أفتون، وعقدنا ندوة عن تطور حقوق الإنسان في البحرين خاصة في جانب المرأة والطفل،

ونشكر السيدة أفتون لإيجابيتها وتفهمها لعمل الجمعية وتقديرها عمل المنظمات غير الحكومية وقبولها التعامل معنا على الأمد البعيد.

الحوار الوطني

^ شاركتم في الحوار الوطني؟ هل تحقق شيء من مطالبكم؟.

- تقدم الحقوقيون بالكثير من الأطروحات والتوصيات وما تقدمت به الجمعية ممثلة في المحاميين فريد غازي وجميلة سلمان تم اعتماده، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والطفل والمعوقين، وما زلت التوصيات بطور التنفيذ ومنها إعادة هيكلة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لتخرج بحلة جديدة وتتمتع باستقلالية وحيادية أكبر، خاصة ما يتعلق بالجانب المالي والإداري، وأيضاً تعديل بعض البنود المتعلقة بمشاركة موظفين من الدولة بحيث يشاركوا في عمل المؤسسة الوطنية دون الحق في التصويت على قرارات مجلس الإدارة، كي لا يدعى وجود تأثير حكومي على المؤسسة، ومن الأمور التي طلبت اختيار أعضاء المؤسسة الوطنية من قبل لجنة من ذوي الكفاءة والخبرة تنتقي ممثلين للمجتمع المدني من ذوي الكفاءة والخبرة العلمية والحقوقية والأكاديمية وترشيحهم وفق عمل مؤسسي.

^ كيف يستغل ملف حقوق الإنسان في السياسة الخارجية؟.

- تحولت مسائل حقوق الإنسان لأداة في يد من يريد أن يتدخل في شؤون الدول الأخرى أو يؤثر عليها سياسياً، ما يتعارض والأهداف الرئيسة لحقوق الإنسان البعيدة عن تسيس ملف حقوق الإنسان، وتستخدم الكثير من الدول الغربية والدول الإقليمية هذا الملف عبر تجييش بعض المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان كحقوق الأقليات أو الحقوق الدينية أو حقوق بعض المذاهب الدينية، أو استغلال بعض حقوق المرأة لتحريضها على التمرد على قيمها الحقيقية الأصلية المنبثقة من روح الحضارة العربية والإسلامية، ما يحدث اختراقاً لمسار حقوق الإنسان وتدخل فيها الدول طرفاً في النزاع من أجل أن تدافع على نفسها.

مسألة تسييس حقوق الإنسان في العصر الحديث أصبحت بارزة على السطح أكثر من أي وقت مضى، وحديث بعض الدول عن معالجة قضايا حقوق الإنسان تكون من منظور سياسي.

^ ليس كل مدافع عن الحقوق هو سياسي والعكس هل ترون هذه العبارة صحية؟.

- المدافعون عن حقوق الإنسان قضاياهم واضحة لا يختلف عليها اثنان، لكن الأمور السياسية تختلف عليها الفئات والأحزاب والجمعيات والأفراد وفق الأيديولوجيات ووفق معتقداتهم الفكرية وفلسفتهم بالحياة.

تُطرح حقوق الإنسان عن طريق مجلس ممثل من قبل أعضاء منتخبين من ضمن “اليونايتد نيشن” لدورات مدتها سنتين، وترشح الدول بناء على سلوكها وعلى “البروفايل” التابع لها في المجال الحقوقي، والبحرين كانت أكثر من مرة عضواً في المجلس نظير تطورها في مجال حقوق الإنسان، والخلاصة أن هناك خطوط واضحة بين المسائل الحقوقية والسياسية، وعملية التسييس الآن أكثر من أي وقت مضى، وهي تضر بمسائل حقوق الإنسان في جميع دول العالم.