أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة اليرموك في المملكة الأردنية الهاشمية أ.د نظام بركات أن الحوار يساعد على بناء الأنظمة الديمقراطية، كونه يقوم على قبول الآخر من خلال قبول التعددية وقبول الرأي الآخر ومبدأ المشاركة السياسية.

جاء ذلك في ورشة عمل بعنوان “ثقافة الحوار وقبول الآخر” نظمها معهد البحرين للتنمية السياسية مؤخراً ضمن برنامجه المتكامل لتعزيز ثقافة الديمقراطية حضرها عدد كبير من مختلف فئات المجتمع البحريني.

وقال بركات: “يساهم الحوار في بلورة المصالح المشتركة بين أطراف الحوار، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، من خلال الوصول إلى قواسم مشتركة، فضلاً عن تشجيعه لمراجعة الذات وتقبل النقد والمحاسبة وسيادة فكرة الاعتدال في المواقف، ما يساعد على الوصول إلى مستويات أعلى من التفكير والإبداع، إضافة إلى مساهمته في ترويض النزعات للوصول إلى حلول مناسبة تساعد على تخطي الأزمات ومنع انفجارها أو استباق وقوعها”.

أهمية الحوار

ويعتقد د.بركات أن أهمية الحوار تنبع من التسليم المبدئي بأن الاختلافات بين البشر ظاهرة طبيعية، وهذا التباين بين الناس سُنة إلهية، وأن الوجود الإنساني لا يتحقق إلا بوجود الآخر، وأن الحوار هو الوسيلة لإنتاج المعرفة وتحقيق التفاعل الإيجابي مع الآخرين. وقال: “ظهرت مسألة ثقافة الحوار وأصبحت مجالاً خصباً لاهتمام الباحثين والمحللين السياسيين، خاصةً في ما يتعلق بمسائل التنمية السياسية ومشكلات بناء الأمة والدولة التي عانت من مشكلات التكامل الوطني، كالمشكلات العرقية والدينية، وما رافقها من تطوير للبنى السياسية والاجتماعية، وما يتطلبه ذلك من استقلال ثقافة الحوار في تأييد ودعم عناصر التغيير والتقدم وتحقيق عمليات التنمية المطلوبة”.

لافتاً أن ثقافة الحوار أصبحت ذات أهمية في الأعوام الأخيرة نتيجة ظهور مشكلات العنف السياسي التي اجتاحت العالم في التاريخ المعاصر، الأمر الذي ساعد على تعميق مبدأ الحوار لحل المشكلات المستعصية ونبذ المواقف المتطرفة.

أسس الحوار الناجح

وأوضح بركات أن أسس الحوار الناجح تقوم على قبول الآخر وعدم احتكار أي طرف للحقيقة، أو فرض الآراء بالقوة على الأطراف الأخرى، الأمر الذي سيؤدي إلى غياب نهج الحوار البناء، لافتاً إلى ضرورة الإيمان بإمكانية تقديم تنازلات بين أطراف الحوار، كون الحوار يعني تبادل الآراء وعدم التمسك الشديد بالمواقف.

وتابع قائلاً: “كي ينجح الحوار يجب أن نبدأ بالتكافؤ بين أطراف الحوار وضمان الاحترام المتبادل لأطرافه، إضافةً إلى ضرورة أن يكون الشعور بالمسؤولية والسعي للوصول إلى الحقيقة بغض النظر عن الطرف الذي يطرحها هو الجو المهيمن على أجواء الحوار، علاوةً على قبول مبدأ الحوار عن قناعة، وألا تفرض العملية بالقوة حتى يمكن القبول بنتائج الحوار”.

مشيراً إلى ضرورة إتقان أدبيات الحوار، ومنها فنون الاتصال وعرض وجهات النظر والقدرة على سماع وجهة نظر الآخر والالتزام بالعقلانية في طرح المواقف، وفي حال بدء الحوار، لابد أن نبدأ من نقاط الالتقاء والاتفاق ثم الانتقال إلى مناقشة نقاط الخلاف والتفاوض بشأنها، وأن نبدأ من الأمور والمواقف الأسهل إلى المواقف الأكثر تعقيداً، والأهم من ذلك كله هو الاستعداد للالتزام بنتائج الحوار ونقلها للتطبيق العملي.

أدوات نشر الحوار

إلى جانب الأُسرة والتعليم واللقاءات والأنشطة الثقافية، يرى د.بركات أن من أدوات نشر ثقافة الحوار في المجتمعات الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام، كونها وسائل متنوعة تغطي كافة المراحل العمرية وتصل لكافة البيوت لتنقل لهم الأخبار والمعرفة، إضافة إلى أن ما شهدته هذه الوسائل من ثورة تكنولوجية وانفتاح كبير على مستوى العالم من خلال إدخال التكنولوجيا الحديثة في وسائل الإعلام، الأمر الذي مكَّن الأفراد من بث المعرفة وتبادل الآراء.

وأضاف: “يعد النظام السياسي أحد الأدوات التي تساعد على نشر ثقافة الحوار، فكلما توفرت حرية الرأي وأتاح النظام السياسي الفرصة للتعددية السياسية والديمقراطية، كلما كان المجال مفتوحاً للحوار، بينما الأنظمة الاستبدادية هي التي ترفض مبدأ الحوار وتعتمد سياسات الإملاء”.