أكد الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية أن التحقيقات التي أجريت في أعقاب ضبط خمسة أطنان من المواد التي تدخل في صناعة المتفجرات، والتي كان عدد منها جاهزاً للاستخدام كشفت عن وجود علاقة بين المتهمين على ذمة القضية وأطراف خارجية.

وقال، خلال لقاءات منفصلة أجراها، على مدى يومين أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع عدد من المسؤولين الأمريكيين وأعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، أن ثقافة العنف ليست من سمات المجتمع البحريني، وأن المشكلة الحقيقية تكمن في النهج المتطرف الداعي للعنف كسبيل وحيد لتحقيق أهدافه، فالصوت المتطرف حاول إغراق خطوات الإصلاح الحقيقية، مؤكداً أن النهج البحريني هو نهج الاعتدال وأن الموقف الثابت الوطني بقيادة جلالة الملك حافظ على تماسك الدولة وجنبها كارثة حقيقية لا يمكن التنبؤ بحجم أضرارها.

واستعرض الوزير، في مستهل هذه اللقاءات الإجراءات التي اتخذتها مملكة البحرين للتعامل مع الأحداث الأخيرة التي شهدتها المملكة على مدار الأشهر الماضية وفي مقدمتها الخطوات العملية التي تم تطبيقها على أرض الواقع بناء على ما تضمنه التقرير النهائي للجنة المستقلة لتقصي الحقائق والتي تم تشكيلها من خلال مبادرة وطنية من عاهل البلاد المفدى، وقال: إن البحرين سباقة دائماً إلى النهج الديمقراطي منذ أن أطلق جلالة الملك المشروع الإصلاحي الشامل قبل ما يزيد على عشر سنوات، موضحاً أن ما شهدته البحرين من أحداث ليس أمراً داخلياً فقط، بل كان بمساندة خارجية تعمل على تأجيج الوضع والدفع باتجاه العنف والتخريب وهو الأمر الذي ترتب عليه إزهاق أرواح الأبرياء وترويع الآمنين من المواطنين والمقيمين، مضيفاً: إذا كنا نتفهم أن الأمن والسلم الأهلي لا يتحققان بالقسوة والإكراه، فإنهما أيضاً لا يتحققان من خلال العنف والإرهاب، بل من خلال احترام القانون وتقارب مشاعر الولاء الوطني وتحقيق العدالة وهو سمة الحكم الرشيد لحضرة صاحب الجلالة الملك المفدى، مشيراً إلى أن مملكة البحرين تعرضت خلال هذه الأزمة لهجمة إعلامية شرسة أساسها الانحياز وعدم الموضوعية، إذ صور بعض الإعلام الدولي من خلال تقاريره أن ما يجري في البحرين هو امتداد للربيع العربي وهو أمر أثبتت الأحداث أنه عار من الصحة، موجهاً الشكر إلى قناة الـBBC على موقفها الشجاع بالاعتراف بعدم إنصاف البحرين في تغطيتها للأحداث خلال العام الماضي، مضيفاً أن هذا الموقف هو ما ننشده من قنوات دولية عريقة تؤمن بإيصال الحقيقة للعالم.

واستعرض الوزير بنحو مفصل الإجراءات العملية التي نفذتها وزارة الداخلية في إطار توجه حقيقي لإصلاح شامل من خلال الدروس المستفادة بتصحيح الأخطاء وسد الثغرات التدريبية أو الإدارية أو التنظيمية، تجاوباً مع توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، منوهاً في هذا الشأن إلى وجود تطبيق فعلي لمدونة سلوك الشرطة التي تم وضعها استناداً إلى عدد من القوانين النافذة في الدول المتقدمة ومواثيق الأمم المتحدة، إضافةً إلى إنشاء مكتب لأمين عام التظلمات للنظر في جميع الشكاوى المقدمة ضد الشرطة، وتركيب أجهزة تسجيل سمعية وبصرية متطورة داخل أماكن الاحتجاز ومراكز الشرطة، فضلاً عن تطبيق أنظمة صارمة داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، والتعاون مع الصليب الأحمر، كما تجري حالياً دراسة الوضع في إدارة البحث الجنائي بما يسمح بالتحول الجذري من التحقيق القائم على الاعتراف إلى التحقيق المبني على العلم والأدلة.

وثمن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الجنرال بتريوس، خلال لقائه الوزير جهود جلالة الملك الإصلاحية وقراره الحكيم بالتوجيه لتشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق، مشيداً بما تنهض به الشرطة من مهمات حيال الخارجين عن القانون ودورها ويقظتها في اكتشاف المتفجرات، مؤخراً، موجهاً الشكر لمملكة البحرين على دعم قوات التحالف في أفغانستان، منوهاً بما تمثله مشاركة المملكة في تلك الجهود، كما تم بحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك والتي من شأنها دفع خطوات التعاون البناء بين الجانبين.

وخلال لقاء الوزير مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية ميلر، أشار ميلر إلى أهمية مملكة البحرين كحليف وصديق قوي للولايات المتحدة الأمريكية، مؤكداً أنه يتفق بشأن المبالغة في الطرح الإعلامي لأحداث البحرين وتناولها بنحو غير موضوعي أو حيادي، مبدياً الاستعداد لمد جسور التعاون في مجالات التدريب ومكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية في إطار التعاون والتنسيق بين البلدين الصديقين.

وخلال لقاءات الوزير عدداً من المسؤولين بوزارة الخارجية الأمريكية، أعرب مساعد الوزيرة للشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال مايكل بوسنر عن شكره وتقديره لجهود مملكة البحرين في مجالات التعاون الدولي والتزامها بالمعاهدات والمواثيق الدولية، كما أبدى تفهمه لما يواجهه رجال الأمن من أخطار وتحديات منوهاً إلى أن استمرار الوضع القائم في البحرين على هذا النحو سيستغله المتشددون لما يمثله من بيئة مناسبة لهم، مؤكداً أهمية مواصلة الجهود السياسية من أجل التغلب على أي مشكلات عالقة وأن تكون وزارة الداخلية الجهة التي تجمع الجميع، مقدراً جهود الحكومة البحرينية على العمل المتواصل لتنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق وبما تؤديه وزارة الداخلية والمتصل بعملها كاعتماد مدونة سلوك العمل الشرطي لكيفية قيام رجل الأمن بواجباته.

وفي لقاء الوزير نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى ستيف ساش تم التأكيد على العلاقات التاريخية بين البلدين الصديقين والتي تعد أرضية صلبة لتعزيز التعاون الثنائي، وتم خلال اللقاء الاستفسار عن نقل الأموال إلى أفراد القوة البحرية الأمريكية الموجودة في مملكة البحرين.

وفي اللقاء مع نائب مستشار الأمني القومي الأمريكي دينيس ماكدونوف، أشاد بالخطوات الإيجابية التي تنفذها مملكة البحرين، داعياً إلى الاستمرار في عملية الإصلاح، مؤكداً على أهمية الالتزام بالمبادئ التي وضعتها شرطة البحرين للشفافية، كما تم استعراض العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين، وسبل دعم التعاون والتنسيق بينهما في مختلف المجالات الأمنية بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

وأعرب الوزير عن رغبة مملكة البحرين بتعزيز التعاون الأمني وتبادل الخبرات مع الولايات المتحدة الأمريكية تفعيلاً لمذكرة التفاهم التي سبق ووقعها الجانبان في يونيو من العام 2007 بما يسهم في فتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين وزيادة فعالية الأجهزة الأمنية.

وخلال لقاء الوزير عدداً من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي عبر كل من السيناتور ماكين والسيناتور ليبرمان عن شكرهما لمملكة البحرين على استضافة قيادة الأسطول الخامس والقوات الأمريكية، كما عبر السيناتور ماكين عن أمله بأن يتحقق ما ورد في تقرير لجنة تقصي الحقائق، مشدداً على ضرورة رفض العنف من الجميع، كما شجع السيناتور ليبرمان على إدامة الاتصال مع الجمعيات السياسية ذات العلاقة بالشأن البحريني، مبدياً تفهمه لما واجهته البحرين من حملة إعلامية مبيناً أنهم يتلقون الأخبار والمعلومات من أطراف عدة لذا يجب على الجهات الرسمية في البحرين الإسراع بإظهار الحقائق وإيصالها للجميع.

وخلال لقاء الوزير كلاً من السيناتور بن كاردين والسيناتور رش والسيناتور أنويي عبروا عن تثمينهم للصداقة التي يتمتع بها البلدان، مضيفين أن الوقت أثبت تعاون البلدين في الأوقات الصعبة، كما عبر السيناتور بن كاردين، خلال اللقاء، اعتزازه بالمساعدة التي تقدمها مملكة البحرين للقوات الأمريكية، وقال: إنكم أصدقاء نعتمد عليهم وإننا كنا متخوفين من الأحداث في السنة الماضية في البحرين وكان واضحاً بأنه حدثت أخطاء وأنتم أكدتم هذا الأمر، والأهم من ذلك هي الخطوات التي اتخذتموها لتصحيح ما حدث إضافةً إلى سعيكم للاستعانة بالخبرات الخارجية المتخصصة لمساعدتكم في التغيير، وأضاف أننا نعلم أن الأمور هي الآن أفضل لكن لابد أن يشعر الجميع بثقته بالإصلاح.

وأشار السيناتور بن كاردين إلى أن المجتمع المنفتح يتم التحدث فيه عن جميع الأمور بكل حرية ووصلت البحرين إلى مستوى راق ومتميز من خلال ما قام به جلالة الملك من إصلاحات في السنوات الماضية، موجهاً النصيحة إلى الاستمرار في الإصلاحات التي بدأتم فيها، وقال: إنكم على الطريق الصحيح حيث لا يوجد بلدان متماثلان ولا يمكن اقتباس تجربة دولة أخرى، لهذا من الطبيعي أن يكون لكم نظامكم الذي يناسبكم ويجب أن يكون الحل نابعاً من الداخل.

وبين الوزير أن البحرين تعتز بالاستفادة من الخبرة الأمريكية في المجالات الشرطية بهدف الوصول إلى مستوى دولي في مجال العمل الأمني وتطوير العمل في مختلف قطاعات الشرطة.

وأضاف أن الشعب البحريني عاش في إخاء ووئام عبر فترات طويلة ماضية وكان العيش في هدوء وسلم من أبرز سمات المجتمع البحريني وما حدث في العام الماضي شكل لنا صدمة جميعاً. منوهاً إلى أنه مع الأسف فإن المتشددين يعملون على تغذية الأزمة لاستمرارها لكونهم يستفيدون منها.

وخلال لقاء الوزير أعضاء مجلس النواب الأمريكي والتي شملت السادة أليسون وتشابوت واباشر وكنغ، أشاد الجميع بما تنفذه حكومة البحرين من إجراءات لمعالجة الأحداث الأخيرة، مؤكدين أهمية تعزيز الوحدة الوطنية، متمنين دوام العلاقات المتميزة بين البلدين الصديقين.

وقال عضو الكونجرس ماكجوفرن: إننا منفتحون لأي معلومات ولأي لقاء، ولدى اطلاعه على ما يتعرض له رجال الأمن من أعمال عنف، قال إننا نرفض هذه الأعمال وأعلنا ذلك مرات عدة، وأضاف أننا لا ندافع عن المتظاهرين العنيفين الذين يهاجمون الشرطة بالأسياخ وقنابل المولوتوف، آملاً التعاون مع منظمات حقوق الإنسان وتسهيل زياراتهم إلى البحرين.

وأشار الوزير، خلال اللقاءات، إلى أن معالجة ما حدث في البحرين يحتاج إلى وقت، إذ إن تسوية الخلافات الاجتماعية وتجاوز أثرها يتطلب تهيئة الأجواء والظروف المناسبة للانتقال من المرحلة الحالية إلى مرحلة التقارب، موضحاً أن العلاج القانوني والسياسي تكفلت به المبادرات الملكية السامية من خلال الخطوات التي تم اتخاذها، والتي اتسمت بمراعاة البعد الإنساني والحضاري مما جعلها موضع إشادة من دول العالم ومنظماته، محذراً من أن الاستمرار في الخوض فيما حدث إنما يفرض حالة استمرار التأزيم بين أطراف المجتمع، لذا يجب أن تصب جهود الجميع لإغلاق أي قضايا عالقة والاستفادة من هذه التجربة في رسم طريق المستقبل الذي يحقق الأمن والاستقرار والسلم الأهلي.

وشملت لقاءات الوزير عدداً آخر من المسؤولين الأمريكيين، وأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وهم السيناتور جون ماكين رئيس لجنة الخدمات المسلحة بحضور رئيس لجنة الأمن الوطني بمجلس الشيوخ السيناتور جو ليبرمان، وعضو لجنة المخصصات السيناتور دانيال أنوي، وعضوي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور بن كاردين والسيناتور جيمس رسش، والتقى كذلك عدداً من أعضاء مجلس النواب الأمريكي وهم عضو لجنة الأمن الوطني بيتر كينج وستيف، وأعضاء لجنة الشؤون الخارجية تشابوت وكيث إليسون ودانا روهراباشر، وعضو لجنة حقوق الإنسان جيم ماكجوفرن.

رافق معالي الوزير خلال اللقاءات سعادة سفيرة مملكة البحرين لدى الولايات المتحدة الأمريكية ومن وزارة الداخلية المفتش العام ومدير عام ديوان الوزارة والوكيل المساعد للشؤون القانونية ومدير إدارة الإعلام الأمني.