شارع المعارض – عبدالرحمن صالح الدوسري:
محمد نور سلطان أحد أبناء الحورة، أسسوا حياتهم عبر طيران الخليج. ثم تم الاستغناء عنه، مع مجموعة ممن قضوا الشطر الأكبر من حياتهم في الشركة. توظف في طيران الخليج براتب 40 ديناراً وبعد الظهر محاسباً في محطة بنزين، بنى المكتب الرئيسي لطيران الخليج فوق أرض منحها الشركة وزير المالية، كما إنّ حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، تكرّم وأهدى طيران الخليج أرضاً لبناء ناديها، عندما كان جلالته ولياً للعهد.
يؤكد سلطان أن أجمل محطات عمره كانت في القاهرة، حيث الأصدقاء الطيبين، وهناك اصطاد البط في نادي الصيد بالقاهرة.
سطان يتحسر على أيام زمان، حيث أيام شهر رمضان الجميلة، والناس الذين كانوا عائلة واحدة، غير أن الحياة اليوم أصبحت أكثر صعوبة والعلاقات تفسخت والزيارات تقطعت، ولم يتبق سوى المجالس الرمضانية من ريح رمضان لول، وإن كانت تعاني سوء التنظيم. في السطور التالية نرحل إلى تلك الأيام مع سلطان، عبر اللقاء التالي...
البداية من الحورة
يقول سلطان: أنا من مواليد الحورة، كانت حياتي قد بدأت في الفريج، وسط عوائل متحابة تعيش كأنها في بيت واحد متعدد الغرف، فالكبير والصغير متحابان، والصغار دائماً ما يحملون في قلوبهم المحبة والاحترام لمن هم أكبر منهم.
الكرة في “الثيل”في ملعب الثيل بدأت علاقة سلطان بالكرة. ويقول بشأن ذلك: كنا نكوّن فرقا تتناوب على دخول الملعب. بعد ذلك بدأنا نكبر وبدأت آمالنا تكبر. وبدأت علاقتي بالمدرسة من خلال مدرسة القضيبية وكانت وقتها ابتدائية فقط. هذه المدرسة خرّجت أغلب الطلبة من الحورة والقضيبية، بالإضافة إلى بعض المناطق المحيطة بها، ومنهم كثيرون تقلدوا مناصب رئيسية ووزارية في الدولة. لقد كان اهتمامنا بالرياضة، منصب على كرة القدم، بالإضافة إلى بقية اللعبات. وكان لمدرسة القضيبية دور بارز في المنافسات في دوريات المدارس، وكانت تحقق الفوز بالدروع والكؤوس في الكرة والسلة والطائرة وألعاب القوى. وفيها لمع أكثر من نجم سواء من الحورة أو غيرها، ونالوا جوائز وهدايا نظرا لتميزهم كرياضيين. وقد بدأت علاقتي باللعب خارج أسوار المدرسة من خلال انضمامي لفريق الناشئين “اليرموك”، قبل أن يتم دمجه ويتحول إلى نادي النجمة. قبلها كانت لي تجربه من خلال بعض الأصدقاء للعب في فريق التاج بعدها انتقلت للنادي الأهلي “النسور” لفترة لم تدم طويلاً، وبعد ذلك توقفت عن الرياضة لأن ظروف العمل هي التي أجبرتني على ذلك.
خيارات ثلاثة
أنهى سلطان دراسته الابتدائية، وعندها كانت أمامه خيارات ثلاث “إما أن يكمل الدراسة إلى المرحلة الثانوية، وأما أن يصبح مدرساً أو أن يختار الخيار الثالث والأخير وهو الدراسة في مدرسة بابكو “برنتس”. كان ذلك في بداية 1959م، وكنت قد بدأت الدراسة بمدرسة القضيبية مع بداية افتتاحها 1954م”.
يضيف سلطان: كان لا بد لي من استشارة الوالد، بشأن الطريق الذي سأختاره بعد الابتدائية، والمسارات الثلاث، فنصحني رحمة الله بالدراسة في المدرسة الثانوية، لأن شقيقي سعيد الذي يكبرني، كان قد اتجه للدراسة في الثانوية بعد مشورة الوالد. وهو ما جعل والدي يكرر ذلك في شخصي، لأنه كان يتمنى لنا أن نواصل الدراسة وهو ما فعله شقيقي الأكبر أيضاً عبدالله. لكنني لم أكن لأخالف أوامر الوالد، بقدر ما كنت أتمنى أن أخوض تجربه حملتها في نفسي وهو أن أذهب إلى الدراسة في بابكو “برنتس”. فطلبت من والدي أن يعفيني من الثانوية، وما شجعني أكثر للتوجه إلى بابكو، نجاحي في امتحاني، وتخصيص راتب شهري لي وقدره 39 ديناراً، وكان مبلغاً كبيراً بالنسبة لطالب في مثل حالتي، فكنت سأساعد عائلتي به. وفي هذه الفترة انقسمنا إلى مجموعات ثلاث، فذهب البعض إلى بابكو، وآخرون إلى الثانوية، والقسم الأخير اتجه إلى التدريس. وكانت مدة الدراسة في “برنتس” أربع سنوات، وكنا ندرس مواد إنجليزي، وحسابات، جغرافيا، الرسم الهندسي وكل الدراسة كانت باللغة الإنجليزية. وكانت أساسيات الحياة.
التشرف بلقاء الأمير الراحل
يتذكر سلطان حدثاً مهماً في حياته، يقول: أتذكر أنه في العام 1961م قبل أن أنهى دراستي في بابكو، وأحصل على دبلوم حسابات، فوجئنا بزيارة المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين. وكان من عادته زيارة المدارس والاطلاع على سير الدراسات فيها، وفي زيارته لنا فوجئت بأنه اختارني من بين الطلبة وقام بسؤالي عن أحوال الدراسة، ومدى الاهتمام بنا، فكنت أجيبه بسعادة، وأنا لا أصدق نفسي أن أمير دولة البحرين يقف إلى جانبي، ويتحاور معي عن الدراسة. وتصور حال طالب عمره 12 عاماً، وكم سيكون سعيداً بهذا اللقاء. وعندما عدت للبيت، كنت أتحدث إلى الأهل بسعادة لا توصف، وكنت أطيل عليهم في الشرح، وما حصل لنا أثناء الزيارة، وأنا أكاد أطير من الفرح، وكنت أيضاً أتفاخر بذلك أمام أخوتي وحتى أصدقائي. لقد كان هناك كثيرون ممن أنهوا دراساتهم في بابكو، كانوا ممن توفقوا في حياتهم العملية وتبدؤوا مناصب مهمة في البلاد. منهم عبدالله سيف، حسن جمعة، علي مراد، نور الدين، وكانوا يسبقوننا بسنتين.
التوجه لطيران الخليج
سلطان ورغم إنهائه الدراسة في بابكو، لم يحبذ العمل فيها، ولتوضيح ذلك يقول: كانت العادة في بابكو أنه بعد أن تنهى دراستك لمدة 4 سنوات، أنك تضمن الحصول على وظيفة في الشركة. لكنني لم أكن لأحبذ العمل في بابكو، فقدمت استقالتي بعد حصولي على الشهادة، وكذلك فعل كثيرون مثلي، وقرروا الابتعاد والبحث عن وظائف خارج أسوار بابكو. لكن ذلك لم يمنع الآخرين من المواصلة في الشركة والعمل ضمن أسوار بابكو فتقلدوا وظائف متعددة. وبدأت خارج بابكو البحث عن عمل بعد التخرج، وطالت المدة وتعدت الخمسة شهور، كان طموحي العمل في واحد من البنوك القليلة في البحرين، قدمت للعمل في البنك البريطاني وتشارترد بنك والبنك العربي، وكنت انتظر أن يتصل أحدهم بي. وخلال عودتي من إحدى زياراتي للبنوك التقيت أحد الأصدقاء وكان زميلي في الدراسة في “برنتس” يوسف صباح البنعلي، وكان وقتها يعمل في طيران الخليج، وقال لي هل توفقت في عمل، قلت له: إلى الآن بانتظار أن يتصل بي احد. قال: لماذا لا تقدم في “طيران الخليج” فهم يبحثون عمن يجيد الإنجليزية وأنت تتوفر فيك هذه الشروط. لم أتردد في الذهاب إلى “طيران الخليج” وفعلاً قدمت امتحاناً، واتصلوا بي في اليوم الثاني، وطلبني المدير وأخبروني أنه يريدني في قسم الحسابات. كان ذلك في نوفمبر 1964م، فلم أتردد، فالمهم أنني حصلت على وظيفة. وبعد الامتحان استدعيت للمقابلة، وهناك أخبرني المدير بأنني قدمت امتحاناً حاز على إعجابه، لكن أريد منك أن تكتب لي كلمة واحدة: “لكن”.. قلت له هذه مهمة سهلة تريدها حرفاً أو رقماً وكتبت الاثنين. فقال لي وهو يضحك: لا هذا ولا ذاك. خفت أن تكون غلطة تضيع على الوظيفة، فنظرت إليه مستفسراً. قال لي: أقصد “العلبة” قلت له لكن لم أكن لأدري ما قصدته. قال لي بعد ذلك إنني أردت أن أمزح معك فقط. وفعلاً بدأت العمل في طيران الخليج بقسم الحسابات.
حيرة بين وظيفتين
يتابع سلطان: كنت قبل أن أقدم في طيران الخليج قد قدمت لوظيفة في بابكو لأنني شعرت باليأس لطول الفترة التي لم أتلق جواب من البنوك التي قدمت للعمل فيها. ثم وردني اتصال من بابكو بالموافقة على تعييني في الشركة، في الوقت الذي قررت العمل فيه في طيران الخليج. فأصبحت في حيرة من أمري، فعرض بابكو أفضل من طيران الخليج، هناك الراتب 80 ديناراً، وطيران الخليج 40 ديناراً، لكن مشكلة العمل في بابكو أنني سأحتاج سيارة، وأنا لا أمتلك رخصة قيادة ولا سيارة، لكنني فضلت طيران الخليج لأنني كنت أحلم بالسفر، حيث سأحصل على تذاكر سفر بالإضافة إلى المواصلات. لقد كان ركوب الطائرة بالنسبة لي حلم، والآن سيتحقق. فعملت في دائرة الحسابات، وكان عدد البحرينيين لا يتعدون 3 موظفين، في الوقت الذي كان للأجانب الغلبة. كان مديرنا العام ألن بولدر، وكنت أطمح لأن أصل بأسرع ما يمكن، كذلك كنت أطمح لأن أضاعف راتبي، فكنت أواصل العمل إلى الفترة المسائية في الشركة حتى أنجز كل معاملاتي، فقد كانوا لا يسمحون لنا باستخدام الآلة الحاسبة، لكنني بعد أن يذهب الموظفين في الثالثة مساءً أواصل إلى السابعة واستفيد من ذهابهم لأنجز أعمالي.
عمل إضافي
غير أن سلطان لم يرقه الراتب الضعيف. وعندها اضطر للعمل مساءً. يقول سلطان: نظراً لأن الراتب كان ضعيفاً، إذ كنت أيام الدراسة أحصل على المبلغ نفسه عندما كنت طالباً في بابكو، فاستأذنت المدير في العمل في فترة المساء في شركة أخرى. وعندما أجاب بالموافقة، اشتغلت في فترة العصر عند فخرو لتسجيل حسابات محطة البترول، وكنت أعمل محاسباً في هذه المحطة. وكانت السجلات يدوية، بمعدل ساعة لخمسة أيام في الأسبوع، وبدأت بخمسة عشر ديناراً، وبعد عدة شهور حصلت على زيادة وأصبح راتبي عشرون ديناراً.
كنا أقلية
حول أجواء العمل في طيران الخليج يقول سلطان: في طيران الخليج ولأننا كنا أقلية، كنا نشعر بالظلم، لأننا لا نستطيع التعبير عن أنفسنا في الشركة كبحرينيين. هذا الضغط ولّد عراكا بين البحرينيين والهنود. وأتذكر أن زميلاً لنا من رأس الرمان يدعى “سيد صالح” تعارك مع بعض العاملين في الشركة من الجاليات الأخرى، فاستدعينا في وزارة العمل كبحرينيين ليقفوا على أساس المشكلة التي حصلت في الشركة. كان ذلك في 1967م ، فقالوا لنا في الوزارة: “انتوا زين شغلوكم كيف تكثرون المشاكل مع مسؤوليكم”. وسألونا لو أننا أقلنا هؤلاء الأجانب هل سيكون بينكم بحريني يتسلم مسؤولياتهم في الشركة. وكانت الوزارة قد عينت المرحوم يوسف الشيراوي وعدنان بسيسو كلجنة اختيار البديل والإشراف على طيران الخليج، وقد اختاروني كمسؤول في دائرة الإيرادات. وقد فوجئت باختياري كمسؤول، لكن الموظفين عندما تم سؤالهم رشحوني لأن أكون مسؤولاً، ربما لأنني كنت أفضل منهم بقليل في اللغة الإنجليزية، نظراً لأنني خريج بابكو. فبدأت الدورات لإعدادي، وأرسلت إلى طيران الشرق الأوسط، بعدها الخطوط الجوية البريطانية. بعد ذلك تحولت إلى مدرس لموظفي طيران الخليج في الحسابات، فبدلاً من أن ترسل الشركة الموظفين إلى خارج، كانت تكتفي بتدريسي لهم، فتحولت إلى مسؤول ومدرب.
خارج أسوار الشركة
قرر سلطان الخروج من نطاق الحسابات للعمل كمدير محطة بالخارج، وطلب امتحانه لكنهم قرروا تدريبه قبل أن يستلم وظيفة “مدير محطة بالخارج”. وحول ذلك يقول سلطان: بدأت التدريب في مطار البحرين لمدة شهرين، بعدها تسلمت وظيفتي كمدير محطة في “بومبي” ثم محطة لندن وآخر المحطات عملت فيها كانت القاهرة من العام 1977 إلى 1981م. في تلك الفترة كنت أزور العديد من الدول الأوروبية في دورات ومهمات عمل، وبعد أن تم تعيين علي المالكي رئيساً للشركة في 1981م طلب عودتي إلى البحرين من جديد، فأعادني للعمل في الحسابات بدلاً من الأجانب الذين يشتغلون في القسم في تلك الفترة. ولأنني كنت قد عملت في الحسابات فإنه أراد الاستعانة بخبرتي السابقة. وعدت من جديد للبحرين كمدير لقسم الحسابات، وبعد ثلاث شهور رقيت إلى مدير عام للدائرة المالية، بعدها أصبحت نائباً لرئيس الشؤون المالية والإدارية.
الوزير يستجيب لنا
يضيف سلطان: خلال عملي كنائب للرئيس للشؤون المالية والإدارية طلبت من وزير المالية إبراهيم عبدالكريم أن يساعدنا بقطعة أرض لنبني عليها مكاتب الشركة وإلا سنفقد المقر الرئيس للشركة في البحرين. الوزير لم يتأخر لقد أعطانا الأرض مشكوراً، والآن جاء الدور على بناء المقر، وكان بإمكاننا أن نبني المقر لأن الشركة كانت أرباحها كبيرة، وكنا نستثمر في أمريكا وفي دول أخرى ما يقارب المائة مليون دولار، لكن مع ذلك طلبت من الوزير “سلفة” لنبني من خلالها المكاتب الرئيسية للشركة. الوزير أيضاً لم يتردد بمساعدتنا، وتم منحنا ما يقارب 6 ملايين دينار، والحكومة أيضاً ساعدت الشركة في بناء مكاتبها. وفي العام 1988م بدأنا ببناء المقر، وتم الافتتاح في التسعينيات بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، والمبنى لم يكلفنا سوى أربعة ملايين و900 ألف دينار فقط. لكنني اجتمعت مع المقاولين المنفذين للمبنى، فبعض المقاولين كانت مناقصته وصلت إلى سبعة ملايين وبعضهم ستة ملايين، لكنني رفضت هذه العروض واجتمعت معهم وأخبرتهم بعد أن اقتصرت العطاءات على ثلاثة مقاولين فقط، اجتمعت معهم في القاعة وقلت لهم “انتم الثلاثة سأمهلكم نصف ساعة فقط، وسأنتظر بالخارج والمقاول الذي يكون عرضه الأقل هو من سيفوز ببناء مكاتب الشركة”. خرجت من القاعة وبدأت مشاوراتهم مع مهندسيهم. وبعد نصف ساعة فازت بالعطاء شركة “جلال كوستين”.
بناء ناد للشركة
ما تيسر لسلطان حفّزه على فكرة بناء ناد للشركة. يقول سلطان: قررنا زيارة الشيخ عيسى بن راشد المسؤول عن الشباب والرياضة وقتها، وطلبت منه مساعدتنا في بناء نادي لطيران الخليج، وطلبنا أرضا لبناء النادي في تلك الفترة. كما تشرفنا بزيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وكان ولياً للعهد وقتها، ولم يتأخر في إعطائنا أرضاً هي الآن ملعب مدرسة الحكمة، لكننا شعرنا بأنها أصغر من طموح الشركة، فتكرم بإعطائنا أرضاً أكبر وهي التي بنينا عليها النادي الحالي لطيران الخليج في مدينة زايد. وبمعاونة بعض شركات الطيران وضعت تصاميم النادي بنفسي بدون مهندس، وأشرفت على تنفيذه واكتمل المبني في 1995. لقد اعتدت حتى في بناء بيوتي، أن أرسم التخطيط بالكامل، ثم أقوم بعرضه على مهندس لينفذه على خريطة بناء، بعد أن تم تجهيز المبنى قمنا بشحن المعدات الرياضية من أمريكا بالمجان. بالنسبة لدوري الشركات كانت طيران الخليج قد اكتسحت الشركات في القدم والطائرة والسلة. واحتكرنا هذه البطولات لسنوات طويلة ولم ينافسنا عليها احد، هذا الكلام خلال فترة عملي في الشركة أما الآن فلا أعلم سلم الترتيب والبطولات التي تفوز بها طيران الخليج.
سفرات مفيدة
كانت لسلطان سفرات عدة في نطاق العمل، في الهند والقاهرة، وغيرها من بلدان، وحول ذلك يقول: أعطتني تجربتي في الهند انطباعاً عن الهنود إنهم مطيعين لآخر درجة لعملهم ومسؤوليهم، أما الإنجليز فإنهم يعتبرون الوقت بالنسبة لهم عبادة ويحترمونه لدرجة لا تصدق. وعندما ينتهون من وقت العمل، لا تجدهم، وهذا شيء كان يتعبنا كثيراً معهم. وكانت تجربتي في القاهرة مميزة، فإن علاقتك بالناس تجعلك تتغلغل داخل المجتمع المصري، وهو مجتمع “عشري”، الناس هناك يعشقون العلاقات ويخدمونك كلما أحبوك أكثر. لذلك أعتبر تجربتي في القاهرة هي الأفضل، ليس لأنها دولة عربية ومجتمع قريب من مجتمع البحرين، بل لأنك تتعرف كل يوم على عادات جديدة في المجتمع. رغم أن بدايتي في القاهرة لم تكن بالمشجعة. فقررت في أول ستة شهور العودة للبحرين، لأنني لم أتأقلم بعد مع المجتمع المصري، لكن الشركة قررت منحي ستة شهور وبعدها كنت أقول لهم أنني لا أريد ترك مصر، وسأبقى فيها إلى الأبد، فقد تعرفت على كل شرائح المجتمع من رياضيين وفنانين ووزراء ومسؤولين، وكنت أشعر أنني بين أهلي، وأتذكر أنني استقدمت النادي الأهلي المصري للعب مع المنتخب، ولا زالت علاقتي بالرياضيين قائمة مثل حسن حمدي، ومحمود الخطيب وحسن شحاته، لا زالت علاقتي معهم متواصلة. لقد كان جميع المسؤولين والوزراء يزورون مصر، وكنت أرتب لهم الزيارات. فأنا أعشق الصداقات والعلاقات، وأنا في البحرين أعرف جميع البحرينيين، ونصفهم أصدقائي. حتى طيران الخليج قبل أن استلم المحطة، لم يكن أحد يعرفها، لكن بعد تسلمي أصبحت كل الرحلات محجوزة، وذلك من خلال العلاقات الطيبة مع الناس.
البرازيل أطول السفرات
ويردف سلطان: كانت أغلب سفراتي للعمل. وكانت أطول سفراتي للبرازيل في اجتماعات الآيات في ريودي جانيرو. وهي بلد جميلة. فكنا نسافر إلى أمريكا مع الرئيس علي المالكي لشراء ماكينات الطائرات، وسويسرا أيضاً من الدول الجميلة، وكنت في إحدى السفرات بسويسرا، وخلال تواجدنا بالسيارة في الطريق إلى قاعة الاجتماعات، وأتذكر أن الرئيس علي المالكي طلب مني أن أجهز كلمة لألقيها في الاجتماع الخاص بشركات طيران الخليج، فبدوت محتاراً، فقال لي: اطمئن أردت أن أمزح معك. وأتذكر أننا كنا في منطقة “سنسناتي” وهو المصنع الخاص بمحركات طيران الخليج، وهناك ذهبنا إلى رحلة “قنص” للغزلان، وأعطونا بنادق صيد في منطقة مسورة أكبر من مساحة البحرين ومشهورة بصيد الغزلان، إذ كنا نستمتع في هذه المنطقة برحلات الصيد. وفي القاهرة كنا نذهب كثيراً الرحلات صيد البط يوم الجمعة في نادي الصيد بالقاهرة، وهذه الهوايات كانت جميلة ولا يمكن لي أن أنساها. وفي إحدى المرات اتصل بي المرحوم يوسف الشيراوي، وأخبرني أنه قادم للقاهرة، فقررت استقباله على أن أخرج من مكتبي قبل ساعتين على موعد الطائرة تفادياً للزحمة في الشوارع، وقد فوجئت بعد وصولي للمطار وأنا اتصل به لأتحقق إن كان قد وصل أم لا، ليقول لي: أنت وينك يا محمد. قلت: في المطار انتظر طائرتك. ضحك وقال: “أنا في الفندق صار لي مدة”. وكان يحب التعليقات كثيراً وقال لي: “أقول.. وصه ولا تتكل عليه”، فضحكنا كثيراً واعتذرت له عن زحمة الشوارع.
العام 1996 نهاية الخدمة
فوجئ سلطان العام 1996م بالاستغناء عن خدماته، هو ومجموعة من المدراء أعطوا من حياتهم للعمل على إنجاح الشركة وانتشارها. وحول ذلك يقول سلطان: تركنا العمل، ولم يتحقق المدير من عملنا وهل كنا نؤديه بنجاح وهل كنا نستحق أن نرقى في مناصبنا. وأعتب على المسؤولين أنه لم يسألني أحداً منهم بعد خروجي من الشركة وبعد هذا العمر في خدمة طيران الخليج، هل أنا بحاجة إلى أن أكمل مسيرتي في مكان آخر، صحيح أنني لم أطرق أياً من الأبواب بحثاً عن وظيفة، لكنهم كمسؤولين كان من عليهم أن يتصلوا بي ليطمئن عن أحوالي. أنا لا أبحث عن وظيفة ولله الحمد، لكنني أعلم كما غيري، وأقرأ في الصحف وفي مجلس النواب بأن هناك أزمة تعصف بطيران الخليج. فهل من المعيب أن تتم استشارتنا أنا وزملائي ممن خدموا بالشركة؟! أقول هل من العيب أن يسألوا إن كنا نمتلك حلولاً قد تساعد الشركة على استعادة عافيتها؟ نحن لا نطلب وظائف استشارية لكننا نود أن نساعد، فوضع الشركة يهمنا ، وما آلت إليه يحزننا كمواطنين بحرينيين.
ويضيف: لقد كتبت في الصحافة المحلية أكثر من 20 مقالاً عن طيران الخليج وأزمتها، لكنني لم أتلق اتصالاً واحداً حول ما كتبته، ولم يناقشني أحد. أنا لا أتحدث عن نفسي فحتى كبار الموظفين الذين كانوا يشغلون مناصب في مجلس الإدارة يمكن توظيفهم كمستشارين لإصلاح حال الشركة. وفي رأيي فإن هذا التجاهل وعدم الرد على ما نكتبه وعدم السؤال عمن شغروا مناصب سابقه؛ هو جزء كبير من المشكلة التي تعيشها الشركة الآن.
رمضان لوّل
يتحدث سلطان، عن جوانب أخرى في حياته، ويشير إلى أن “سهرات شهر رمضان أيام شبابه كانت لا تنتهي، وعلى الخصوص في العشر الأواخر، لقد كان الوداع يتم على (فنر)، لأن الظلام يكون شديداً والكهرباء قليلة، ورغم ذلك كانت الحياة جميلة والعلاقات قوية بين الناس، فحياتنا كانت قريبة من بعض، ونأكل من كل بيت. كنا عندما نود الذهاب للمدرسة، مع محمد عبدالملك وبدر عبدالملك والكثير من الأصدقاء، نتواعد وتجدنا نذهب إلى المدرسة في سلسلة كاملة. وكان المقصب حياتنا رغم ما فيه من روائح. وكانت فرجان البحرين كبيت واحد وليست الحورة فقط، بل كل فرجانها وقراها، حتى الأجانب عندما نسافر ويعرفون أنك بحريني يرحبون بك لأن البحرينيين شعب محبوب. لكن للأسف، يرتبط الناس اليوم بالتلفزيون والبلاك بيري والإنترنت، أكثر من الأصدقاء والأهل، وقد أصبحنا بعيدين عن أهلنا ولا نلتقي إلا في المناسبات السعيدة أو المحزنة. وتحولت علاقتنا بالأصدقاء إلى دروب وعرة ولم تكن كذلك في السابق. جميع هذه الميزات كانت لأهل البحرين. لكن رغم ما افتقدناه من حياتنا الجميلة، إلا أننا في البحرين وفي رمضان لا زلنا الأفضل من حيث المجالس، فلدينا أكثر من 100 مجلس، يعيبها عدم التنظيم في الزيارات، ولو أنه كان لكل منطقة أيام مخصصة لكان في ذلك مساعدة للناس على التزاور أكثر، كما أننا بحاجة إلى إعلان في التلفزيون، فالناس بعد الفطور تجدهم أمام التلفزيون، ولو أن التلفزيون يعلن عن المجالس يومياً بعد الفطور لساعد الزوار كثيراً. وذلك لن يستهلك وقتاً طويلاً، بل سيساعد الكثيرين على أن يتحركوا في زياراتهم بشكل أكثر تنظيماً كسباً للوقت، ولزيارة أكثر للمجالس المنتشرة في البحرين.