أكد الشيخ د.فريد التوني أن على الصائم الحريص على الخير أن يجمع بين مطالب الجسد والروح ليرقى بالنفس البشرية إلى الشخصية الوسطية المتزنة بين مطالب الجسد وبين مطالب الروح.

وأوضح، في حوار أجرته معه “الوطن” أن أهم هذه السبل هو تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى، كما أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم (فاعبد الله مخلصاً له الدين).

وفيما يأتي نص الحوار:

الروح والجسد.. معاً

^ ما مكونات الذات البشرية وما مطالبها؟

ـ مكونات الذات البشرية هي الجسد والروح، ولكل منهما مطلبه، ولكل مطلب حدود وقيود، فأما الجسد فحدود مطالبه الأكل والشرب، وقيود مطالبه، التقتير والإسراف، وجمع الله تعالى بين هذا كله، فقال تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). وأما الروح فحدود مطالبها الطاعة والقرب إلى الله تعالى، وقيود مطالبه الإفراط والتفريط، قال تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا)، ومن رحمة الله تعالى أن شرع لنا صيام شهر رمضان الذي يجمع فيه بين غذاء الجسد والروح.

تهذيب السلوكيات

^ وكيف يهذب شهر رمضان سلوكات الفرد والمجتمع و يسمو بها؟

ـ لرمضان أعظم الأثر في تهذيب سلوكات الفرد المسلم والمجتمع الإسلامي، إذ تخف المعدة من الطعام، فيسمو الجسد ويرتفع، فتزكوا أخلاقيات المرء، وتعلو همته إلى الخير، ويزيد عنده الرغبة في تنقية الروح، فيشعر الصائم بشعور الآخرين خاصة الفقراء الذين يشعرون بالجوع في غير رمضان، فيندفع المرء إلى الإنفاق وسد العوز والجوع لدى الآخرين، وكذلك دفع النفس عن مقارفة الحرام، مثل الوقوع في النظر المحرم، أو الغيبة، وغيرها، وكذلك يحجم شهوات نفسه من الانطلاق إلى الشر، وفعل المعاصي، حتى إسكان الغضب الذي قد يأتي بسبب غيره، فيحجم نفسه عن الغضب، متأسياً بقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (فإن سابّك أحد أو قاتلك فقل: إني صائم.. إني صائم)، فتعلو النفس عن نزوات الغضب والثأر، وتهدأ وتهنأ بما عند الله تعالى من الثواب الجزيل للصائمين، فينتشر بذلك في المجتمع بأسره عبير الطاعة ونسيم العفو وأريج التسبيح، فيصفو الهواء، وتنقشع عنه جراثيم الآثام، فيؤثر إيجابياً ولا شك حتماً على المجتمع بأسره.

سبيل الارتقاء الروحي

^ كيف نحدد أهدافنا في حياتنا ويتحقق الغرض من خلقنا في شهر رمضان؟

ـ بداية لابد من تحديد الهدف والغرض الذي من أجله خلقنا، ألا وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وللوصول إلى هذه الغاية، لابد من تحقيق العبادة له سبحانه، والعبادة هي اسم جامع لما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وفي شهر رمضان نجد هذه الفرصة لتحقيق تلك الغاية، من خلال: قراءة القرآن الكريم - الذكر - الدعاء - صلاة الجماعة في المسجد لجميع الصلوات - صلاة التراويح - قيام الليل -التصدق - إفطار الصائمين - عيادة المرضى وصلة الأرحام، بحيث يشعر المرء بالفرق بقربه لله تعالى في رمضان وفي غيره من الشهور، لا أن نقضي رمضان نوماً بالنهار وسهراً بالليل وانشغالاً بالبرامج الرمضانية بحيث يدخل رمضان ويخرج ونحن في الحال سواء، وبحيث لا يستفيد منه إلا ما يناله من ألم الجوع وشدة العطش.

الشخصية الوسطية

^ ما سبل الارتقاء بالنفس البشرية وتكوين شخصية متزنة على جميع الأصعدة؟

ـ التقرب إلى الله تعالى بما شرع هو سبحانه، وبعد النفس قدر المستطاع عن الهوى وغواية الشيطان، قال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)، وقوله سبحانه: (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)، وعلى المرء الحريص على الخير أن يجمع بين مطالب الجسد والروح ليرقى بالنفس البشرية إلى الشخصية الوسطية المتزنة بين مطالب الجسد وبين مطالب الروح، وأهم هذه السبل تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى، كما أخبر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم (فاعبد الله مخلصاً له الدين).