نجتمع في بيته بعد صلاة التراويح
المسحر بن ريحان .. مدفع إفطار يختفي مجدداً
كتب - عبدالرحمن صالح:
اعتدنا ونحن أطفال على المشاركة في ليالي السحور بالفريج. وكان المسحر بن ريحان من الشخصيات المميزة في الشهر الفضيل، ارتبط به كما ارتبطت الوجبات ومدفع الإفطار، والألعاب الشعبية.
في الذاكرة
أتذكر أننا عندما كنا نستقبل شهر رمضان، بزيارة المقصب، من اجل جمع الفضلات التي تساعدنا على صنع “الطبول” وتعيننا في القرقاعون والسجور وحتى الوداع. كانت الطبول عبارة عن “صلوخ “ الأغنام و«كروشها”، وبعد تنظيفها نرقمها على “قواطي” الدهن والحليب، من جهه واحدة أو من جهتين، ونتركها على السطح في الشمس، لتجف وتجهز للاستعمال.
أول مسحر
المسحر أو المسحراتي كما يطلق عليه في الدول العربية غير الخليجية ارتبط اسمه بهذا الشهر الكريم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان بلال بن رباح رضي الله عنه أول مسحراتي في التاريخ الإسلامي حيث كان يجوب الشوارع والطرقات لإيقاظ الناس للسحور بصوته العذب طوال الشهر الكريم. وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتي ينادي ابن أم مكتوم). وكان ابن أم مكتوم هو الذي يتولى أذان الفجر، ومنذ ذلك التاريخ أصبح المسحراتي مهنة رمضانية خالصة.
اشتهر من أرباب هذه المهنة “الزمزني “ في مكة، الذي كان يصعد إلى المئذنة من فوقها معلناً بدء السحور، وفي كل مرة يكرر فيها النداء كان يدلي بقنديلين كبيرين معلقين في طرفي حبل يمسكه في يده حتى يشاهدهما من لا يسمع النداء.
أما في مصر فكان أول من قام بمهمة إيقاظ الناس للسحور هو الوالي عنتبة بن اسحق سنة 832هـ، وكان يسير علي قدميه من مدينة العسكر في فسطاط مصر القديمة، وحتي مسجد عمرو بن العاص تطوعا وهو ينادي “عباد الله تسحروا” فإن في السحور بركة “ ومنذ تلك الفترة أصبحت مهنة المسحراتي في مصر تلقى احتراما وتقديرا بعد أن قام بها الوالي بنفسه وتطورت الأشكال التي يؤدي بها المسحراتي عمله.
شعر شعبي
في العصر العباسي كان المسحر ينشد شعراً شعبياً يسمى “القوما” طوال ليالي رمضان، وربما كان ذلك عائداً إلى ازدهار فن الشعر في هذا العصر. أما بداية ظهور الإيقاع أو الطبلة في يد المسحر فكانت في مصر حيث كان يجوب شوارع القاهرة وأزقتها وهو يحمل طبلة صغيرة ويدق عليها بقطعة من الجلد أو الخشب، وغالباً ما كان يصاحبه طفل صغير أو طفلة ممسكة بمصباح لتضيء له الطريق وهو يردد “ إصحى يا نايم وحّد الدايم اللي خلاك مليونير ، إصحى واتفطر أحسن تجوع تفطر وتروح بئس المصير”.
اختلاف عادات المسحر
تختلف عادات وطريقة التسحير من بلد إلى آخر، وقد أورد ابن الحاج في كتابه “المدخل” أن أهل اليمن كانوا يتسحرون بدق الأبواب بأيديهم والاكتفاء بالتنبيه على حلول موعد السحور، بينما يتسحر أهل الشام بالضرب على الطبل أو بضرب النقير خمس أو سبع مرات، ويتشابه أهل المغرب مع أهل الشام في هذه الطريقة في إيقاظ الصائمين للسحور فقط تختلف الطريقة واللهجة التي ينادي بها المسحر في كل بلد عن الآخر ..