حوار أجراه – حسين التتان:
منذ 244 سنة والإشارة الضوئية تحمي أرواح الناس، وعلى الرغم من أن الإنسان اهتدى بعدها إلى الشوارع المعلقة والأنفاق والجسور إلا أنه لم يستغن عنها لتنظيم المرور في الشوارع. الطريف أن أول إشارة ضوئية تم تركيبها في 10 ديسمبر 1868، خارج البرلمان البريطاني بلندن، صممها مهندس السكك الحديدية “جون بيك نايت”، وظهرت شديدة الشبه بالإشارات الضوئية الخاصة بالسكك الحديد في ذلك الوقت ولم تكن تعمل آلياً، إنما كان يتحكم بها شرطي مرور يقف بجانبها طوال الوقت، وانفجرت بعد سنتين من تركيبها متسببة بإصابة ثلاثة أشخاص بينهم شرطي المرور الذي كان يقف بجانبها.
لكن الإشارات تطورت، بعد ذلك، ووصلت إلى دولنا في النصف الثاني من القرن الماضي ومازالت تتسيد شوارعنا، وفي البحرين هناك مشاريع تعتزم وزارة الأشغال تنفيذها من شأنها تطوير الإشارات الضوئية وفقاً لأحدث التكنولوجيات.
عن تلك المشاريع وشؤون الإشارات الضوئية وشجونها في البحرين حاورنا مدير إدارة تخطيط وتصميم الطرق المهندس كاظم عبداللطيف، الذي أجابنا عن تلك التفاصيل كلها، وكشف لنا الكثير من الحقائق التي يجهلها مستخدمو الطرق، بالإضافة إلى الجهود التي تبذلها الحكومة متمثلة بوزارة الأشغال، لمتابعة أحدث المستجدات الإلكترونية على صعيد الطريق وأفضلها وفيما يخص الإشارات الضوئية تحديداً. سألناه أولاً عن معايير وضع الإشارات الضوئية في شوارع البحرين من ناحية فنية وهندسية، فأجاب: تعدّ إدارة تخطيط وتصميم الطرق بوزارة الأشغال دراسات مرورية لشبكة الطرق لتحديد مواقع الاختناقات المرورية والمواقع التي تتكرر عليها الحوادث المرورية، وبناء على ذلك يتم إجراء مسوحات ميدانية لحجم المرور على كل موقع وتحليل الإحصائيات المرورية، وفي ضوء هذا يتم وضع الحلول المناسبة مثل نصب الإشارات الضوئية أو الدوارات أو الكباري والأنفاق وغيرها من الحلول الهندسية، ويتم تطبيق المعايير العالمية المعتمدة لتحديد مدى الحاجة إلى تركيب إشارة ضوئية، وتشمل هذه المعايير حجم المرور الكلي على التقاطع وسجل الحوادث المرورية بنسب معينة، والوزارة تتبع هذه المعايير العالمية منذ عشرين عاماً.
جسور وأنفاق
^ هل عدد الإشارات الضوئية في البحرين كاف؟ أم أننا نحتاج إلى تركيب أعداد أكبر منها؟
- يتم تركيب الإشارات الضوئية في البحرين ضمن المعايير التي تم ذكرتها، وتأتي الحاجة لتركيب الإشارات الضوئية نتيجة للتغير المستمر في حجم المرور على التقاطعات، وعليه تتم دراسة كل حالة منفردة ويتم اتخاذ القرار في ضوء المعطيات على الموقع، ويتخذ القرار بتركيب إشارات ضوئية جديدة أو إزالة الإشارات الضوئية واستبدالها بجسور وأنفاق إذا استدعى الأمر، وبالنتيجة فإن هذه العملية مستمرة وديناميكية، ومعروف أن فريق المسح المروري لدى شؤون الطرق يمسح التقاطعات الموجودة على شبكة الطرق بنحو دوري وشامل للتأكد من مطابقة الاشتراطات المحددة عليها لمعرفة ملاءمة تركيب إشارة ضوئية عليها أو أي حلول أخرى.
^ كم نسبة حفظ الإشارات الضوئية للأرواح؟ وما مدى التزام المواطنين والمقيمين بها في البحرين؟
- تبين من خلال دراسة التقاطعات المرتبطة بالإشارات الضوئية على شبكة الطرق بالمملكة وجود ارتفاع في عدد الحوادث المميتة إذ بلغت 10 حوادث مميتة في العام 2010، بينما بلغت عدد الحوادث المميتة 14 حادثاً في العام 2011، ويرجع السبب في هذا الارتفاع إلى الزيادة في حجم المرور وعدم التزام بعض السائقين بأنظمة الإشارة الضوئية وقوانينها.
فروقات بسيطة
^ هل هناك تنسيق بين البحرين وبين دول مجلس التعاون لإيجاد نظام مشترك للإشارات الضوئية؟ وما مدى التعاون بين وزارة الأشغال والمرور في هذا الجانب؟
- جميع الإشارات الضوئية في دول مجلس التعاون يتم تشغيلها حسب معايير دولية ثابتة تراعى فيها شروط السلامة المرورية والحفاظ على سلامة السائقين ومستعملي الطريق، وهذا الأمر واضح لمن يسافر بالسيارة عبر دول مجلس التعاون، ومن المؤمل أن يجري التعاون في توحيد الفروقات البسيطة في أنظمة الإشارات الضوئية الناتجة عن تنوع الأجهزة والمعدات المركبة في الإشارات الضوئية لجعل شبكات الطرق في دول المجلس أكثر انسجاماً وتوافقاً. أما بالنسبة إلى التعاون بين وزارة الأشغال متمثلة بإدارة تخطيط وتصميم الطرق والإدارة العامة للمرور فيما يتعلق بالإشارات الضوئية، فإن دراسة التقاطعات المقترحة لتركيب إشارات ضوئية من اختصاص إدارة تخطيط وتصميم الطرق آخذين في الاعتبار وجهة نظر الإدارة العامة للمرور، ويتم تركيب الإشارات الضوئية بعد برمجتها في مجموعة الإشارات الضوئية وأنظمة النقل الذكية بوزارة الأشغال، والإدارة العامة للمرور تراقب بدورها الإشارات الضوئية والتأكد من عملها بالطريقة المناسبة، كما إن شرطة المرور يشغلون في الحالات الطارئة الإشارات الضوئية يدوياً لإعطاء الأولوية لاتجاهات المرور المزدحمة في أوقات الذروة أو بسبب وقوع حوادث مرورية، وتوفر الإدارة العامة للمرور شرطة مرور لتصريف حركة المرور خلال التقاطعات في حال انقطاع التيار الكهربائي عن الإشارة الضوئية لأسباب خارجة عن الإرادة مثل خلل في شبكة الكهرباء أو بسبب حادث مروري أو لصيانة الإشارة الضوئية وتشغيلها.
أنظمة ذكية
^ ما آخر مستحدثات الإشارات الضوئية الحديثة لدينا في الشوارع؟ وهل هناك خطة لاستجلاب أحدث الإشارات الذكية المتطورة؟
- إن الأجهزة الإلكترونية المستعملة لتشغيل الإشارات الضوئية في تطور مستمر ينعكس على طريقة عمل الإشارات، ووزارة الأشغال تحرص على تتبع هذه التطورات وفحص ما يستجد من أجهزة وأنظمة إلكترونية ودراسة إمكانية تطبيقها على الإشارات الضوئية في المملكة، ومن ضمن هذه التطويرات تركيب مصابيح للإشارات الضوئية من نوع (LED) على جميع الإشارات الضوئية الجديدة، وهذا النوع من الأضواء يتميز بمواصفات وخصائص تتفوق على الأضواء التقليدية التي استعملت في الإشارات الضوئية سابقاً، ومن ضمن خصائص هذه الأضواء أنها ذات إضاءة عالية تمكن السائقين من رؤيتها من مسافة كافية مما يمكنهم من اتخاذ القرار المناسب لعبور التقاطع، وهذه الأضواء تستهلك طاقة كهربائية أقل بكثير من الأضواء القديمة وهو ما يصب في توجه المملكة لتقليل الطاقة المستهلكة والحفاظ عليها، كما إن العمر الافتراضي لهذه الأضواء طويل جداً مقارنة بالأضواء القديمة مما يعني تقليل كلفة صيانتها واستبدالها. أما الإشارات القديمة، فوضعت إدارة تخطيط وتصميم الطرق برنامجاً زمنياً ورصدت ميزانية كافية لاستبدال جميع المصابيح القديمة بهذا النوع بعد أن ثبتت ملاءمته وكفاءته بعد تجربته على بعض الإشارات الضوئية لمدة كافية، ودرست إدارة تخطيط وتصميم الطرق إمكانية تركيب بطاريات مساندة للإشارات الضوئية تتغذى بالتيار الكهربائي وتخزن الطاقة الكافية لتشغيل الإشارة الضوئية في حال انقطاع التيار الكهربائي عنها لأي سبب من الأسباب، وتمت تجربة هذه البطاريات وثبت أن كفاءتها تتضاعف في حال استعمال المصابيح الجديدة (LED) في الإشارات الضوئية، وطرحت الإدارة مناقصة لتركيب هذه البطاريات على عشرة تقاطعات مدارة بإشارات ضوئية تم اختيارها لأهميتها وحساسيتها ضمن شبكة الطرق، ومن المؤمل اكتمال المشروع مع نهاية الشهر الحالي، وسيتم تركيب المزيد من هذه البطاريات على إشارات أخرى حسب الموقع والأهمية، من جانب آخر تسعى الإدارة إلى استيراد أجهزة جديدة للتحكم في الإشارات الضوئية تستهلك طاقة كهربائية منخفضة جداً والتي تمت تجربتها على بعض تقاطعات شبكة الطرق بالمملكة، واستخدام أجهزة التحكم الجديدة مع إضافة البطاريات المساندة والأضواء الحديثة من نوع (LED) تشكل منظومة متطورة ذات كفاءة عالية من شأنها رفع مستوى السلامة على التقاطعات المدارة بإشارات ضوئية وتوفير شبكة طرق أكثر أماناً، وضمن سعيها المستمر إلى وضع حلول لمشكلة الازدحام المروري على شوارع المملكة، أنجزت شؤون الطرق بوزارة الأشغال دراسة جدوى تركيب أنظمة النقل الذكية التي يتوقع أن تسهم بتخفيض الازدحام المروري على شبكة الطرق بنسبة تصل إلى 15%، وسيتم من خلال أنظمة النقل الذكية الربط بين الإشارات الضوئية المتجاورة الذي من شأنه أن يسهم في توفير موجة خضراء أمام حركة المرور الرئيسة، كما سيتم توفير تركيب شاشات إلكترونية معلقة متغيرة وفي مناطق معينة لغرض إرشاد السائقين وإعلامهم عن مناطق الازدحام المروري المتوقع واقتراح مسارات بديلة لإكمال رحلتهم، بالإضافة إلى ذلك فإن أنظمة النقل الذكية ستسهم بسرعة استجابة شرطة المرور وسيارات الإسعاف وغيرها للحوادث المرورية على الطرق، وسيسهم هذا النظام برفع كفاءة شبكة الطرق وخفض زمن الرحلة، علماً أنه يجري حالياً توفير القنوات الأرضية للكابلات الخاصة بالأنظمة تمهيداً لتركيب الأجهزة حال الانتهاء من الإجراءات اللازمة لبدء المشروع، وخلصت دراسة أنظمة النقل الذكية إلى ضرورة البدء في هذا المشروع الاستراتيجي المهم الذي ينظم حركة المرور عن طريق مراقبة الشوارع الرئيسة بكاميرات تكشف مناطق الازدحام ليتم التعامل معها فوراً عن طريق التحكم بالإشارات الضوئية آلياً من خلال مركز التحكم المروري أو بتوجيه شرطة المرور إلى منطقة الازدحام للقيام بعملهم وتسهيل حركة المرور بأقصى سرعة، كما يتضمن مشروع أنظمة النقل الذكية أجهزة لقياس سرعة السيارات وتحديد المركبات المتجاوزة لسرعة الشارع المقررة وتزويد الإدارة العامة للمرور بقاعدة البيانات هذه ليتسنى لهم عمل اللازم بخصوص السائقين المخالفين، وأوصت دراسة أنظمة النقل الذكية التي أعدتها وزارة الأشغال بالتعاون مع شركة متخصصة في مثل هذه الدراسات بربط آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا الحديثة من أجهزة على شوارع المملكة بنظام إلكتروني دقيق يدار من خلال مركزي تحكم مروري تحت إشراف الإدارة العامة للمرور، ولا تخفى أهمية المباشرة في مشروع أنظمة النقل الذكية وأهمية إنشاء مركز التحكم المروري لكونه اللبنة الرئيسة في إدارة هذا المشروع.
الاصطدام من الخلف
^ وما معياركم لتركيب كاميرات التصوير عند الإشارات الضوئية، وهل تمنع تلك الكاميرات الراصدة للمخالفين من حجم التجاوزات الحاصلة، وما سلبياتها؟
- تم تركيب الكاميرات على الإشارات الضوئية عند التقاطعات التي تكثر فيها الحوادث وتتراوح بين 30-40 حادثاً خلال الخمس السنوات الماضية، إذ إن الهدف من وضع الكاميرات هو الحد من قطع الإشارة خلال الضوء الأحمر، وساعدت هذه الكاميرات في الحد من الحوادث المرورية، ومن أهم سلبيات هذه الكاميرات ازدياد نوع معين من الحوادث المرورية عند الإشارات الضوئية وهي (الاصطدام من الخلف) بدل (الاصطدام من الإمام)، إلا أن هذا النوع من الحوادث يعدّ بسيطاً مقارنة بنوع الحوادث التي أسهمت الكاميرات في الحد منها.
المربع الأصفر
^ ما نصيحتكم وإرشاداتكم لجمهور الطريق فيما يتعلق بالإشارات الضوئية؟
- إن تفهم حركة السائقين لأنظمة المرور وتطبيقها له الأثر الكبير بتسهيل حركة المرور وجعل شوارع المملكة أكثر أماناً ويسهم بتقليل الحوادث المرورية، ومن الملاحظ أن بعض السائقين لا يلتزم بقوانين “المربع الأصفر” الذي يتم وضعه في بعض التقاطعات المدارة بإشارات ضوئية ويكون الغرض منه جعل التقاطع سالكاً لجميع الاتجاهات في حال حصولها على الضوء الأخضر.
المجسات الأرضية
^ وما مغزى وجود المربع الأصفر؟
- إن دخول بعض المركبات إلى منطقة المربع الأصفر مع علم السائق مسبقاً بعدم إمكانية عبور التقاطع نتيجة الازدحام المروري في أوقات الذروة يؤدي إلى سد التقاطع وتعطيل الحركة المرورية للاتجاهات التي تحصل على الضوء الأخضر، كذلك يلاحظ أن بعض السائقين لا يلتزم بالمسار المخصص للانعطاف يساراً عند الإشارات الضوئية، وإنما يقف في المسار المخصص للمرور المتجه إلى الأمام حتى في الحالات التي تكون فيها حركتا المرور المتجهة للأمام والمنعطفة يساراً منفصلتين زمنياً في توقيت الإشارة الضوئية، وهذا الأمر بالغ الخطورة وقد يتسبب في حوادث مميتة، وفي أقل تقدير فإن هذا التصرف من بعض السائقين يعرقل حركة المرور خلال التقاطع، ولابد من التنبيه إلى ضرورة التوقف خلف خط الوقوف وليس عليه أو أمامه لوجود معابر المشاة بعد خط الوقوف، كما إن المجسات الأرضية التي تركب عند الإشارات الضوئية ويكون الغرض منها تحسس المركبات في جميع الاتجاهات وتوزيع الضوء الأخضر بصفة أوتوماتيكية، تكون خلف الوقوف، وعدم وقوف المركبات عليها قد يتسبب بإلغاء طلب الضوء الأخضر.
أما بالنسبة للكاميرات التي تركب في الإشارات الضوئية لتسجيل المخالفين من السائقين الذي يعبرون التقاطع والإشارة حمراء فتم تركيبها على التقاطعات التي تكثر فيها الحوادث نتيجة لمخالفة الإشارة الضوئية لغرض حث السائقين على الالتزام بالقواعد المرورية التي وضعت لتوفير شبكة طرق أكثر أماناً ولتخفيف الحوادث المرورية وحفظ الأرواح والممتلكات، والإدارة العامة للمرور توجه السائقين لتوخي الحذر عند الاقتراب من الإشارات الضوئية وتخفيف السرعة سواء كانت الإشارة بكاميرا أم بدون كاميرا نظراً لطبيعة الحوادث المرورية عند الإشارات وخطورتها، وإن تصرف بعض السائقين بزيادة سرعة المركبة لضمان عبور التقاطع خلال الضوء الأخضر تحاشياً لتصوير الكاميرا هو تصرف خطر يؤدي إلى تعريض حياتهم للخطر، ومعلوم أن الكاميرا التي تسجل مخالفات قطع الإشارة الحمراء تسجل كذلك المركبات المخالفة للسرعة المسموح بها.