كتب – جعفر الديري:

نحن كمسلمين لا نحتاج إلى من ينبهنا إلى أهمية الصوم، والفوائد التي يجنيها الصائم. لقد فرض الله عز وجل، على كل مسلم الصيام، وهو سبحانه منبع الرحمة، وهو الأعرف بصالح عباده. غير أن صدور الكتب والدراسات الغربية التي تتحدث عن أثر الصوم في جسم الإنسان، مما يثلج الصدر، ويؤكد أن الرسالة المحمدية تشتمل على خير الإنسان، ولا تتناقض أبداً مع اكتشافات العلماء والأطباء، وتثبت السبق للإسلام والقرآن الكريم وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

متعة روحية وجسدية

مناسبة هذا القول كتاب قيّم صادر عن دار البيروني، قام بترجمته د. محمد ضاهر، تحت عنوان (الصيام - متعة روحية وجسدية يجدد الشباب ويشفي من الأمراض” للكاتبة والطبيبة الفرنسية نيكول بودرو.

د. بودرو المختصة في الطب الجيني والتناسلي، لا تعالج الصيام من الناحية الدينية بل من ناحيته الصحية والعلاجية التي كشفت عنها العلوم الحديثة. وهي تؤكد أن الصوم شفاء مجاني، وبيئة روحية مناسبة تتيح للجسم الخضوع لعملياتٍ طبية معقدة ينفّذها بنفسه على نفسه، من دون الحاجة إلى مبضع أو بنج أو عقاقير.

استراتجيات جديدة للقوة

وتوضح أنه في حال الصيام، يلجأ الجسم إلى استراتيجية جديدة للحصول على القوة، خصوصاً أنه في حال بحث دائم عن الوقود والمعادن كي يستعملها في الحفاظ على نفسه. بعد ابتعاد الحياة المعاصرة عن الغذاء النباتي وعن العيش بشروط البيئة الطبيعية، وذلك ما يخرّب النظام البيولوجي الطبيعي للجسم، ويخنق خلاياه وأنسجته تدريجاً بمواد سامّة تعطل عملها. ما يعني أن التسمم البيئي منتشر في كل مكان، وليس في إمكان الإنسان المعاصر تجنّبه ولا تلافي ملوّثاته. وبالتالي فإن معظم البشر مرضى فعلياً، لكنهم يجهلون ذلك. وإن اعترفوا بأن نمط حياتهم وغذائهم لا يحميهم من إدخال السموم إلى أجسامهم.

خطر الطب الأكاديمي

د. بودرو تشير أيضاً إلى خطر الطب الأكاديمي، حيث يلجأ أحياناً إلى إدخال سموم في الجسم، كي يقتلع أخرى، كالحال عند استعمال الأدوية المُضادة للحيوية (آنتي بيوتيك) في علاج الأمراض الناجمة عن البكتيريا وسمومها، لافتة إلى تجربة الطبيب الأمريكي راسل ترال، الذي قرر بعد 12 سنة من ممارسته هذا النوع من الطب، رفض الوسائل الطبية التي تعلمها في الجامعة، لأن التجربة معها خيّبت آماله، بل أكدّت له سميّة العقاقير ذات المنشأ الكيمياوي.

الجسم يهندس شفاءه

أمام كل هذه السموم، كيف يفيد الجسم من الصيام؟ تبين د. بودرو أن الجسم في حال الصيام، يهندس شفاءه بنفسه، وفق قواعد يستنبطها بنفسه. مثلاً، يعمد الجسم إلى تفتيت الدهون والفضلات، مثل مستودعات الكويلسترول، والصفائح الدهنية للأوردة، والترسبات الكلسية في الشرايين وغيرها. وأثناء الصيام، يتغذّى جسمنا من مخزوناته الاحتياطية من السكر والدهن والبروتين والفيتامين والمعادن وغيرها. وهنا يتحول الصوم إلى رحلة داخلية رائعة، تتحرّك فيها القوى النفسية والعقلية التي كانت مكبوحة. إنه محرّض ومنشّط لحياة الجسد البيولوجية، إضافة إلى كونه محفّزاً قوياً على تمتين حال الإنسان نفسياً. فعند قطع الرباط الثقيل الذي يصل الجسد بغذائه اليومي، تنشط الروح وتنتعش، وينفتح الباب أمام نسج علاقات حميمة مع الذات.

تؤكد د. بودرو: “نحن لا نقدّر القيمة العلاجية للصوم لأننا نجهل المبادئ التي تدير صحتنا. لم نتعلم كيف يعمل الجسم البشري، مع أن جسمنا هو الشريك الأهم في حياتنا. يهتم كثيرون منا بسياراتهم أكثر من أجسادهم”.