كتب - حسين الماجد: جرت العادة خلال شهر رمضان إحياء الغبقات الجماعية، فهي عادة خليجية لم تندثر حتى اليوم، فهي تجمع من حولها الأهل والأصدقاء، بقصد التجمع فالشباب لهم تجمعهم والرجال لهم تجمعهم كذلك النساء لهن تجمعهن. كما إن هذه الوليمة التي تسمى “الغبقة” لا يشترك فيها غريب ولا بعيد إنما هي لكل من هو قريب، حيث يجتمعون فيما بينهم ويتفقون لا تحكمهم قوانين ولا يحدهم بروتوكول يقيمونها كل يوم أو يومين عند أحد منهم لتجمعهم الألفة والمحبة على صحن واحد يعيدون حديث الذكريات. كما يجتمع النساء ويناقشن ويسهرن وترجع بهن الذكريات إلى الماضي، إلى الطفولة ثم الشباب ثم تحمل المسؤولية لأنهم أبناء حي واحد مشتركين في كل شيء. وبالعودة إلى تعريف “الغبقة”، فهي رجوع إلى عادات وأكلات باقي أيام السنة إلى العيش “الأرز” لأن شهر رمضان الكريم له أكلته المشهور بها وهي “الثريد” الذي يحل محل العيش، كما إن السمك يكون فيه شبه معدوم ويحل محله اللحم الذي عادة ما يكون متوفراً بكثرة ولهذه الأسباب تكون الغبقة. وكانت “الغبقة” في الماضي، تتكون من البرنيوش “محمّر” وهو عيش مطبوخ بالسكر أو بالدبس الذي هو خلاصة التمر أو عسل التمر، إضافةً إلى السمك المشوي أو المقلي أو المطبوخ. وهناك من يفضل المكبوس ومنهم من يفضل المشخول وكلها أكلات شعبية لا تقدم على وجبة الإفطار، وقد يفتقدها الإنسان طوال شهر رمضان كذلك تقدم الحلويات مثل الساقوا واللقيمات أو النشاء أو العصيدة أو البلاليط، إضافةً إلى التمر والشاي والقهوة. وللتعريف أكثر، فالغبقة هي اسم لوليمة تؤكل عند منتصف الليل والغبقة في تلك الأيام تختلف عن هذه الأيام في كل شيء فطابعها يختلف وأكلاتها تختلف والعدد فيها يختلف، فيما عدا التسمية. أما الآن، فأصبحت “الغبقة” تجمع المجتمع على خروف غوزي والحلويات المنوعة والتي لا تحصى ولا تعد، في حين يرى الكثير من الناس أن الغبقة اختلفت في الوقت الحاضر من ناحية أنواع الأكلات، ففي حين كانت تقتصر المائدة في السابق على طبق أو طبقين على الأكثر، إلا أنها حالياً عامرة بشتى أنواع المأكولات سواء الشعبية أو الأجنبية. وعلى الرغم من اختلاف “الغبقة” بين الماضي والحاضر لكنها تبقى تجمعاً يحرص الجميع على حضوره، كما تُعَدُّ إحدى الموروثات الشعبية التي ترجع بنا إلى ماضي جلسات الأجداد الذين تركوا لنا تقاليد وعادات تعزز أواصر العلاقات الاجتماعية وخصوصاً في هذا الشهر الفضيل. ويعود ارتباط هذه الوجبة بالمناطق الساحلية في منطقة الخليج، وهي وجبة الغواصين في البحر، أما في المناطق الصحراوية فيستبدل السمك باللحم. وفي لقاءات “الغبقة” يحلو اللقاء حتى ساعات متأخرة بعد منتصف الليل وربما استمر البعض في لقائهم حتى موعد الإمساك يتسامرون ويتحدثون في أمور الحياة، وتتنوع الأنشطة لدى البعض في ممارسة بعض الألعاب التراثية أو مشاهدة المسلسلات الرمضانية. وإذا كانت الغبقات تقام في مجالس العوائل والشخصيات المقتدرة بالدرجة الأولى في مختلف مناطق البحرين، وكذلك بين أفراد الأسر المتوسطة والفقيرة أيضاً، فإن الكثير من الجمعيات والشركات تفضل تنظيم لقاءات رمضانية كبيرة تحت اسم الوجبة، فيما يفضل الشباب اليوم تنظيم غبقاتهم في المزارع والاستراحات وكذلك بعض المطاعم.