تحتفل سلطنة عمان بذكرى الـ23 من يوليو 1970، يوم انطلاقة نهضتها بقيادة السلطان قابوس بن سعيد، الذي يقود عمان بكل حكمة واقتدار على مدى 42 عاماً تجلت فيها مظاهر التقدم والازدهار في كافة أنحائها وأوجدت في نفوس العمانيين بهجة الحاضر ورسمت على وجوههم إشراقة المستقبل الواعد آخذة في الحسبان الاهتمام في المقام الأول بالإنسان العماني والارتقاء به وإشراكه مع مؤسسات القطاع الخاص ومختلف مؤسسات الدولة الإشراك الفعلي في تحمل مسؤولية البناء والتنمية وصنع القرار ليساهم الجميع في إعلاء أركان التنمية الشاملة للسلطنة وذلك ضمن توازن دقيق بين المحافظة على الجيد من الموروث الذي يعتز به العمانيون ومقتضيات الحاضر التي تتطلب التلاؤم مع روح العصر والتجاوب مع حضارته وعلومه وتقنياته والاستفادة من مستجداته ومستحدثاته في شتى ميادين الحياة.
وقد قال السلطان قابوس في كلمة ألقاها خلال افتتاح الفترة الخامسة لمجلس عمان في 31/10/2011 «إن بناء الدولة العصرية التي تعهدنا بإقامتها منذ اللحظة الأُولى لفجر النهضة المباركة قد اقتضى منا بذل جهود كبيرة في مجال إنشاء البنية الأساسية التي هي عماد التنمية الشاملة وركيزتها الأولى وتوفير هذه البنية في شتى ربوع السلطنة أتاح ولله الحمد فرصة كبرى للتطور العمراني في مختلف المدن والقرى على امتداد الساحة العمانية، ومهد لإقامة مشروعات اقتصادية وتجارية وصناعية عديدة ومنشآت تعليمية وثقافية وصحية واجتماعية متنوعة، وهذا لا يخفى على أي مراقب ومتابع لحركة الحياة في جوانبها المتعددة على أرض عمان الطيبة ولا عجب في ذلك فالعمانيون منذ القدم صناع حضارة ولهم موروثهم التاريخي العظيم وانفتاحهم على الحضارات الأخرى عبر البحار والمحيطات وسعيهم إلى التواصل مع الآخرين وتبادل المنافع المشتركة معهم ما يؤهلهم ليكونوا قدوة ومثلاً في مجال التطور المتسارع والتقدم المتنامي والقدرة على مواكبة العصر، والأخذ بكل جديد مفيد فيه من أفكار مستنيرة وعلوم نافعة وتقنيات متجددة مع التمسك دائماً بالقيم والمبادئ الرفيعة التي يؤمنون بها والتقاليد والعادات الأصيلة التي نشأوا عليها، وإذا كان التطور كما هو معلوم سنة من سنن الكون إلا أنه لابد لتحقيقه من توفير أسباب عديدة في مقدمتها الإرادة القوية والعزيمة الصادقة ومواجهة التحديات والإصرار على تذليل الصعوبات والعقبات، لذلك كان على كل أمة ترغب في الحياة بكل ما تشمله هذه الكلمة من معنى أن تشمر عن ساعد الجد فتعمل بلا كلل أو ملل وفي إخلاص وتفانٍ وحب للبذل والعطاء مستغلة طاقاتها ومهاراتها مستثمرة مواردها وإمكاناتها من أجل بناء حاضر مشرق عظيم والإعداد لمستقبل زاهر كريم وإنه لمن توفيق الله أن أمد العمانيين بقسط وافر من هذه الأسباب فتمكنوا خلال العقود الأربعة الماضية من تحقيق منجزات ستظل خير شاهد لا ينكرها ذو بصر وبصيرة.
السياسة الخارجية
إن سلطنة عمان دوماً تحافظ على علاقات طيبة مع جميع جيرانها، إذ إن من المبادئ الراسخة لها التعاون مع سائر الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في شؤون الغير وكذلك عدم القبول بتدخل ذلك الغير في شؤونها، ومن هنا فإن تفاعل السياسة الخارجية العمانية تجاه كل الأحداث التي مرت وتمر بالمنطقة والعالم كان حصيفاً وواعياً، إذ لم تسمح للأحداث حتى في لحظة اشتدادها أن تؤثر عليها، وهذه السياسة الخارجية مرتكزة على الحكمة والتعقل والهدوء والاتزان لذلك أصبحت سلطنة عمان تحتل مكانة دولية مرموقة جعلت منها مركز استقطاب إقليمي وعالمي مهم، وتحظى السياسة الخارجية العمانية منذ عام 1970 بتقدير العالم لما تقوم به من جهود فعالة ومساهمات على مختلف الأصعدة العالمية مثل ذلك الانفتاح على العالم والمساهمة بنشاط وبفعالية في أحداثه والمشاركة في مؤسساته ومنظماته لذا فإن المكانة التي حققتها سلطنة عمان نتيجة لسياستها مكّنتها من القيام بدور فعّال في معالجة كثير من القضايا بمصداقية مشهودة، وبعد نظر في الرؤية السياسية وحكمة وجرأة في اتخاذ القرار، ولكون سلطنة عمان عنصراً فاعلاً ومؤثراً في المنظومة الدولية نراها دائماً تؤكد على الثوابت والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها السياسة الخارجية العمانية التي تقف بجانب الحق وتناصره وتدعو إلى العمل المتواصل مع بقية الدول المحبة للسلام وعلى تسوية النزاعات الدولية بطرق الحوار والمفاوضات، وإن ثوابت السياسة العمانية تنطلق أساساً من مبدأ السلام وفي هذا المجال يؤكد السلطان قابوس (إننا نعتقد جازمين أن بناء الثقة بين الشعوب وتأكيد أواصر الصداقة مع الدول والعمل على تحقيق المصالح المشتركة ومراعاة الشرعية الدولية والالتزام بالمعاهدات والقوانين، كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التفاهم الواعي والتعاون البناء من أجل انتصار الأمن والسلام وشيوع الطمأنينة والرخاء)، لذا فإن السلطنة حصلت على المركز 41 عالمياً في مؤشر السلام العالمي لعام 2011 الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام الذي يتخذ من مدينة سيدني الأسترالية مقراً له ونشره على موقعه الإلكتروني، ووضع السلطنة ضمن قائمة الدول التي تتمتع بدرجة عالية من السلام وتصدرته آيسلندا يليها نيوزيلندا ثم اليابان، وقد احتلت المركز الرابع عربياً، وأشار إلى أن العالم أصبح أقل سلماً للعام الثالث على التوالي بسبب تزايد الهجمات الإرهابية في 29 دولة واندلاع الاحتجاجات العنيفة في أكثر من 33 دولة حول العالم وفي كلمة مندوب السلطنة الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف في الدورة الـ19 لمجلس حقوق الإنسان أكدت السلطنة دعمها للجهود والتحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة نحو الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة، مؤمنة بأن المبادرة العربية للسلام والجهود الدولية المبذولة الداعية له هي السبيل الأنسب لإنهاء الصراع على أساس قاعدة إنهاء الاحتلال وصولاً إلى تحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني بإعادة الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما إن الهيئة العمانية للأعمال الخيرية بدأت في تنفيذ المشاريع التي اعتمدتها لقطاع غزة والتي تتضمن 10 مشاريع من بينها 5 للقطاع التعليمي وهي عبارة عن مدارس للتعليم الثانوي العام والخمسة الأخرى للقطاع الصحي وهي عبارة عن مراكز صحية متكاملة من المستوى الرابع والثالث مؤكدة السلطنة الدعم والوقوف الكامل إلى جانب الشعب الفلسطيني.
وخلال مشاركة وفد عمان في مؤتمر طوكيو الدولي حول أفغانستان والذي عقد في العاصمة اليابانية طوكيو، أعلنت السلطنة عن قرار حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ التبرع بـ5 ملايين دولار أمريكي جديدة لدعم عدد من المشاريع الاجتماعية والإنسانية إضافة لما قدمته وقامت بتنفيذه من مشاريع اجتماعية وإنسانية لأفغانستان منذ عام 2001، حيث خصصت السلطنة 300 ألف دولار مساهمة منها في الجهود الدولية لإزالة الألغام من أفغانستان، كما حثت السلطنة في كلمتها كافة الدول على تقديم ما بوسعها ولو بشكل رمزي لدعم جهود المجتمع الدولي في هذا الإطار.
وإيماناً بأهمية المسيرة المباركة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وبنتائج اللقاءات الأخوية التي تجمع الأشقاء قادة دول المجلس في تحقيق المزيد من تطلعات شعوبها فقد شارك السلطان قابوس في القمة الخليجية 32 بالمملكة العربية السعودية والتي عقدت في 19/12/2011 بالرياض، حيث أكدت السلطنة على تقديرها لما تحقق خلال مسيرة عمل المجلس في الفترة الماضية والسعي مع شقيقاتها دول المجلس في عمل خليجي موحد بهدف تحقيق المزيد من آمال وتطلعات شعوب الخليج في الرقي والتقدم والازدهار، وقد أشارت السلطنة بأنه يتوجب علينا وخصوصاً في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم مواصلة العمل الدائب والجهود المشتركة، لتعزيز أواصر التعاون القائم في ما بيننا، بما يعود بالخير والمنفعة على الجميع.
السلطنة تحفظ كرامة الإنسان
أكدت السلطنة في الكلمة التي ألقاها مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف في إطار النقاش العام لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ20 أن السلطنة تسعى بكل ما أوتيت من جهد ومثابرة على تكريس ثقافة حقوق الإنسان من خلال التعاون المستمر بين مؤسسات المجتمع المدني والجهات الحكومية المختصة في السلطنة، حيث يأتي ذلك من منطلق قناعتها الراسخة بمبادئ احترام الكرامة الإنسانية المتأصلة في الدين الحنيف التي نصت عليها كافة الصكوك والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان كونها تمثل هدفاً ينسجم مع سياسة حكومة السلطنة التي اعتبرت الإنسان هو حجر الزاوية في كل بناء تنموي، ورفاهيته على هرم أولوياتها منذ انطلاقة نهضتها المباركة في عام 1970، وترجمة لهذه الرؤية استضافت السلطنة أعمال المنتدى الخليجي الثاني لحقوق الإنسان خلال الفترة من 11-12 من شهر مارس لهذا العام 2012، وذلك بهدف تعريف المجتمع المحلي والإقليمي بكافة أبعاد هذا الموضوع المهم، كما إن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تؤكد دائماً على تعزيز مفهوم حقوق الإنسان للمواطن والمقيم على حد سواء من خلال الفعاليات والأنشطة التي نفذتها اللجنة عبر خطة التثقيف والتوعية بمفهوم حقوق الإنسان والتي تمثل أحد الاختصاصات المنوطة باللجنة.
الموازنة المالية للعام الجاري
من خلال استعراض تفاصيل الموازنة العامة للدولة لعام 2012 والتي بلغ حجم الإنفاق فيها نحو 10 مليارات ريال عماني، والإيرادات بـ8 مليارات و800 مليون ريال، فإن النصيب الأكبر كان لتنمية الإنسان حيث يقدر الدعم المقدم للمواطنين ولمؤسسات القطاع الخاص بصورة مباشرة وغير مباشرة بـ1.181 مليار ريال عماني في حين استحوذت القطاعات التي تمس تنمية الإنسان كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والإسكان النصيب الأكبر من إنفاقات الموازنة.
المواطن الركيزة الأساسية للنهضة
في إطار الحرص المتواصل الذي يوليه السلطان قابوس بدعم كل ما من شأنه تحقيق الحياة الكريمة لكافة العمانيين، وجه باعتماد مبلغ 40 مليون ريال عماني سنوياً كإضافة ليصبح المبلغ المخصص لدعم برنامج الإسكان الاجتماعي 80 مليون ريال عماني سنوياً في الخطة الخمسية الحالية، بما يرفع عدد المستفيدين إلى 4800 حالة في كل سنة.
الاستثمار في السلطنة
إن السلطنة تعد من الأسواق الواعدة في المنطقة وتمتلك العديد من المقومات الاقتصادية إضافة إلى أنها تقدم عدداً من الحوافز والتسهيلات لتشجيع الاستثمارات المشتركة وجذب الاستثمارات الخارجية من خلال حوافز وتسهيلات الاستثمار في السلطنة كالقروض الميسرة التي يقدمها بنك التنمية العماني والبنوك التجارية الأخرى والعملة المحلية الثابتة والمربوطة بالدولار وحرية تحويل رؤوس الأموال والأرباح والإعفاءات الجمركية على الآلات والمعدات والمواد الخام الداخلة في الصناعة وعضوية السلطنة في منظمة التجارة العالمية والتعرفة الجمركية الخليجية الموحدة وغيرها من الحوافز الاستثمارية، إضافة إلى الفرص المتاحة للاستثمار في السلطنة في قطاعات السياحة وتقنية المعلومات والخدمات والطاقة البديلة وغيرها من المجالات.
السياحة في عمان
باتت السلطنة من الوجهات السياحية المميزة ولهذا تم اختيار مسقط كعاصمة للسياحة العربية لعام 2012، كما إنها جاءت ضمن أهم 10 دول جديرة بالزيارة في عام 2012 وهذا الاختيار جاء من قبل الموقع الإلكتروني Lonely Planet وهو أحد المواقع المشهورة عالمياً في مجال السفر والسياحة، أما على الصعيد العالمي فتحتل السلطنة المرتبة 61 عالمياً من بين 139 دولة وذلك حسب ما جاء في تقرير التنافسية في مجال السفر والسياحة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
تمكين المرأة العمانية
أشادت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بجهود السلطنة في مجالات تمكين المرأة العمانية وبالدعم المتواصل من لدن السلطان قابوس بن سعيد وسعيه لتمكين المرأة العمانية في مختلف المجالات، وعبرت نائبة رئيس المجلس التنفيذي لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في رسالة وجهتها للمندوبة الدائمة للسلطنة في الأمم المتحدة عن تقديرها لدور السلطنة البارز في دعم المساعي لتمكين المرأة العمانية في مختلف المجالات، وأكدت المسؤولة الدولية على دعم سلطان عمان المستمر لتمكين المرأة وجعل السلطنة في موضع مرموق في المنطقة في هذا الجانب، حيث تولى عدد من النساء العمانيات القديرات مناصب وزارية، مشيرة إلى أن نساء السلطنة حققن المساواة مع الرجل في التعليم والذي يعدُ الركيزة الأساسية في تعزيز وتمكين المرأة من المشاركة السياسية والاقتصادية، وقالت في هذا الاتجاه إن هيئة الأمم المتحدة للمرأة تثمّن الجهود النبيلة للسلطان قابوس ودعمه اللامحدود لمجالات تنمية قدرات المرأة وتمكينها وتعزيز مشاركتها في مختلف الأصعدة والميادين منوهة بالخبرة العمانية في هذا المجال، مبينة أن الهيئة أخذت زمام المبادرة في التعاون مع السلطنة من خلال تقديم الدعم الفني والبرامجي للحكومة في مجال القيادة والمشاركة السياسية في المجالس البرلمانية تعزيزاً لمشاركة المرأة في مراكز صنع القرار.
إن ما تحقق على امتداد 42 عاماً في كافة أنحاء سلطنة عمان هو ثمرة جهد متواصل لمسيرة نهضة عمان المباركة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان بحنكته وحكمته في القيادة والتي جعلت من عمان واحة غناء ترفل دوماً بثوب العز والسؤدد والازدهار.