عبدالحكيم الشامي

صليت وأبنائي أول جمعة من رمضان بجامع تعودنا الصلاة فيه معظم الجمع حال وجودنا بمدينة الرفاع، عندما وصلنا إلى الجامع لاحظنا شيئاً من ازدحام مواقف السيارات المحيطة به بشكل يفوق المعتاد، على الفور ترجم ولدي الأكبر هذا الزحام بإقبال المصلين في وقت مبكر بحكم أنه لا مأكل ولا مشرب ولا مشاغل في رمضان، بينما سارع الابن الأوسط بتفسير هذا الإقبال بأن من كانوا لا يصلون في غير رمضان حضروا إلى الجمعة، لأن رمضان حرك أعداداً بالأصل لم تكن ترتاد المسجد لا في الجمع ولا في غيرها وهذا هو سر الزحام.

واسترسل بسؤال: لماذا نجد طائفة من الناس تعبد الله “موسمياً”؟، فقد كان المسجد القريب من بيتنا خاوياً قبل رمضان بيوم واحد، وكانت قمة الإقبال من المصلين لا تحشد سوى صف أو صفين خلف الإمام، أما في أول أيام رمضان وجدنا المسجد “كامل العدد” في جميع الصلوات؟.

قلت له: مع أن الناس هم الناس والله خالق الجميع وربهم، وغاية وجودهم أن يعبدوه، إلا أنهم يتبعون في عبادته عدة طرق، منها على سبيل المثال:

- بعضهم يعبد الله على حرف: “‏‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ”. وحرف: يعنى شك وقلق وعدم يقين، بحسب المفسرين، فكأنه يعبد ربه عبادة “نفعية” ترتبط بما يعود عليه من فائدة مادية.

- البعض الآخر يعامل الله بمنطق الربح والخسارة، كما يتعامل التجار تماماً، فينهض وينطلق في مواسم يتوقع فيها الربح، ويكسل بالأوقات التي يتوقع فيها كساد السوق، وهذا لا يليق بالعبد مع ربه، فالأصل أن ينتظم الإنسان في عبادة ربه بغض النظر عن المواسم والأوقات، وإن كان الاجتهاد مطلوباً في أوقات مخصوصة، فهذا من باب الرغبة في تحصيل مزيد من الأجر والمثوبة، مصداقاً لقول رسول الله: “إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً”.

- أما بالنسبة لرمضان، فبعض الناس يستقبله بالكسل والبطالة والنوم والغفلة عن الطاعات، وبعضهم يستقبله بالتفرغ لمطالعة الشاشات، وآخرون يستقبلونه بالسهر ليلاً، وإهداء الأوقات في الزيارات والذهاب إلى الأسواق أما الموفقون الذين أراد الله بهم خيراً، وأنار بصائرهم لرؤية الحق، والتمييز بينه وبين الباطل؛ فيستقبلون رمضان بالفرح والسرور، لأنهم رأوا فيه فرصة للتزود من العبادة ومغفرة الذنوب.

وأمنيتي الأكيدة لي ولكم -يا أبنائي- أن تكون محبتكم لله وإدراككم لسر وجودكم في هذه الحياة هما الدافع الأساس لعبادته جل وعلا في كل وقت. قال بعض المحبين: “مساكينٌ أهلُ الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيبَ ما فيها، قالوا: وما أطيبَ ما فيها؟ قال: محبةُ الله والأنسُ به والشوقُ إلى لقائه والإقبالُ عليه والإعراضُ عما سواه”.