كتب - طارق مصباح:
قال الموجه بقسم مراكز القرآن الكريم بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ بلال يوسف إنه “يفضل أن يختم القرآن من مصحف في حاشيته تفسير معاني الكلمات على الأقل، ليجمع مع القراءة فهم معاني المفردات التي يستشكلها”، وذكر أن التفرغ في هذا الشهر للقرآن ومدارسته والإكثار من تلاوته هو السبيل إلى أن يقوي المؤمن علاقته بالقرآن. لذلك تنافس السلف الصالح بقراءة القرآن وختمه في رمضان، بعد أن تركوا ما سواه من دروس العلم. جاء ذلك في لقاء أجرته معه “الوطن” حول العلاقة بين القرآن وشهر رمضان الكريم.
في ليلة القدر..
^ ما هي الميزات التي جعلت من رمضان شهراً للقرآن؟
- العلاقة بين شهر رمضان والقرآن الكريم علاقة وثيقة، فالارتباط بينهما يتمثل في جوانب متعددة:
أولاً: نزول القرآن الكريم كان في شهر رمضان كما قال تعالى “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن”، فقد أنزل الله القرآن في ليلة القدر من شهر رمضان “إنا أنزلناه في ليلة القدر”، والمقصود من ذلك هو ابتداء نزول القرآن في ليلة القدر من رمضان، أو نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجماً مفرقاً بحسب الوقائع والأحداث.
فشهر رمضان هو الشهر الذي حصل فيه اللقاء الأول بين الرسول الملائكي جبريل عليه السلام والرسول البشري محمد صلى الله عليه وسلم ليجتمعا على كتاب الله جلّ وعلا، وقد استمر هذا اللقاء وتكرر في كل عام في رمضان كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس إذ قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة”.
وفي حديث فاطمة رضي الله عنها أن أباها صلى الله عليه وسلم أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة وأنه عارضه في عام وفاته مرتـين. متفق عليه.
ثانياً: جانب آخر من جوانب ارتباط رمضان بالقرآن، وهو من خلال عبادتين جليلتين وهما الصيام وقراءة القرآن. فقد جمعهما النبي صلى الله عليه وسلم بقوله “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان” فرمضان والقرآن اجتمعا على الشفاعة لصاحبهما يوم القيامة في وقت أحوج ما يكون فيه للشفاعة.
ثالثاً: ومن صور اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم صلاة التراويح وقيام الليل، فهذه الصلاة أكثر ما فيها قراءة القرآن، وكأنها شرعت ليسمع الناس كتاب الله مجوداً مرتلاً.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة قال “أتيت النبي صلى اللهم عليه وسلم في ليلة من رمضان فقام يصلي فلما كبر قال الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف عندها ثم ركع يقول سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائماً ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد مثل ما كان قائماً ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائماً ثم رفع رأسه فقال رب أغفر لي مثل ما كان قائماً ثم سجد يقول سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائماً ثم رفع رأسه فقام فما صلى إلا ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة”.
تنافس في التفرغ للقرآن
^ كيف السبيل ليقوي المؤمن علاقته بالقرآن في رمضان؟
- لقد مرّ فيما سبق شيء من الإجابة عن هذا السؤال، وذلك بالنظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في رمضان فقد كان جبريل يعارضه القرآن في رمضان.
إذن معارضة القرآن ومدارسته والإكثار من تلاوته هو السبيل إلى أن يقوي المؤمن علاقته بالقرآن. لذلك تنافس السلف الصالح بقراءة القرآن وختمه في رمضان، بعد أن تركوا ما سواه من دروس العلم.
وهذا الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان يقول: “إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام، وذاك الأسود يختم القرآن في رمضان كل ليلتين، وكان قتادة إذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة”. وقال ربيع بن سليمان: “كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة”.
قال النووي: “وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير رضي الله عنهم. قال القاسم عن أبيه الحافظ ابن عساكر: كان مواظباً على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة ويختم في رمضان كل يوم”.
الأفضل القراءة مع التدبر
^ ولكن ما هو الأفضل؟ أن يكثر الإنسان التلاوة أم يقللها مع التدبر والتفكر؟
- قال النووي رحمه الله: والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني، ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل، ولا يقرؤه هذرمة.
و أما حديث أبن عمرو قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث”. رواه أبوداود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، فقد أجاب عنه الأئمة رضي الله عنهم.
قال ابن رجب: “إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان، خصوصاً في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره.
وقال ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث: “وثبت عن كثير من السلف أنهم قرؤوا القرآن في دون ذلك.. وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم”. وقال النووي: “أكثر العلماء أنه لا تقدير في ذلك وإنما هو بحسب النشاط والقوة فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص”. والله أعلم. ويفضل أن يختم القرآن من مصحف في حاشيته تفسير معاني الكلمات على الأقل، ليجمع مع القراءة فهم معاني المفردات التي يستشكلها.
القرآن.. نور الدروب
^ بماذا توجهون من يقبل على القرآن فقط في رمضان؟
- القرآن الكريم هو حبل الله المتين الذي من تمسك به نجا في الدنيا والآخرة، وهو الروح الذي تحيا به القلوب والنور الذي ينير لنا الدروب، قال الله تعالى “وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا”، فالقرآن هو منهج حياة ينبغي أن يسير عليه المسلم في حياته إلى أن يلقى ربه جل وعلا. فيحتاج المسلم إلى أن ينهل من هذا المعين في كل حين، لا أن يقتصر ذلك على شهر رمضان، فالقرآن فيه الموعظة وفيه الشفاء وفيه الثبات وهو الذكر الذي تطمئن به القلوب، قال تعالى “الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.