^   في خطوة اعتبرها البعض مفاجئة، ورأى فيها البعض الآخر إشارات استفزازية، قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يوم الأربعاء الماضي بزيارة لجزيرة أبو موسى الإماراتية، التي احتلتها القوات الإيرانية في مطلع السبعينات من القرن الماضي عنوة، وتحت أعين الدوائر الدبلوماسية العالمية، ووسط ضجة إعلامية خليجية. في حقيقة الأمر تكتسب هذه الزيارة أهميتها، في هذه المرحلة بالذات، وعلى أكثر من صعيد، بفضل الظروف السياسية والدبلوماسية المحيطة بها، الأمر الذي يدعو إلى قراءتها على أنها رسالة موجهة إلى المجتمع الخارجي على الصعيدين الدولي والإقليمي من جهة، والداخلي الإيراني بقواه الموالية لحكومة نجاد والمعارضة لها، من جهة ثانية. في جوهرها تسعى هذه الخطوة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف القومية الإيرانية تتمحور حول النقاط التالية: 1. انتزاع اعتراف إقليمي وعالمي، ضمني أو معلن، بشرعية الاحتلال الإيراني للجزر. يتضح ذلك من الحملة الإعلامية التي رافقت الزيارة، فقد علقت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية على الزيارة بالقول بأن أحمدي نجاد “أكد في زيارته على الوثائق التاريخية التي تفيد بأن الخليج فارسي”. ومن جانبه قال أحمدي نجاد إن “الخليج الفارسي يستمد اسمه من الثقافة والحضارة والرأي السائد في المنطقة”. هذا يعني – حسب الرواية الإيرانية - أن الخليج برمته وليس الجزر فحسب، هو في الأصل فارسي. 2. تعزيز الجبهة الإيرانية الداخلية، بتوحيدها لمواجهة تهديدات خارجية تتمحور حول الملف النووي الإيراني، الذي يحتاج إلى تماسك داخلي عند مناقشته على طاولة اللقاء الإيراني مع “مجموعة خمسة + 1” في إسطنبول، وإلى تجميد الخلافات السياسية والعقائدية الداخلية التي يتطلبها ملف سياسي وعر آخر هو ملف الجزر الإماراتية المغتصبة. يخطف نجاد بهاتين الخطوتين: المحادثات والزيارة، أقوى الأوراق التي بحوزة القوى المعارضة الداخلية، ويضعها أمام خيار واحد لا غير هو تجميد خلافاتها الثانوية الداخلية معه، لصالح المعارك القومية الخارجية. 3. الانتقال من سياسة الدفاع إلى مخطط الهجوم في الدبلوماسية الإيرانية تجاه منطقة الشرق الأوسط، مستفيدة طهران في هذا التحول، من حالة الوهن التي تعاني منها الأنظمة العربية الكبيرة، مثل مصر وسوريا، الغارقتين في مشاكلهما الداخلية، وغير القادرتين على الالتفات إلى أي مشروع خارج إطار حدودهما، جراء تلك الصراعات التي تطحن قواهما الداخلية، سياسية كانت، كما هي الحال في مصر، أم عسكرية كتلك التي تعيشها سوريا. ولابد من التوقف عند هذه الأخيرة (سوريا ) التي تستنزف أحداثها الداخلية، جهود مؤسسات ودول عربية أخرى، لها ثقلها في موازين القوى الشرق أوسطية، مثل الجامعة العربية والسعودية، على التوالي. الهدف ذاته تحققه الخطوة الإيرانية على الصعيد الدولي، حيث أقدمت طهران على خطوة استباقية هجومية أخرى، عندما أوقفت قبل أيام صادراتها النفطية عن اليونان وإسبانيا، وصرح رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد بنبرة تحذيرية مشوبة بنكهة استفزازية مخاطباً واشنطن والعواصم الغربية الأخرى، بأن “الحظر النفطي الجديد الذي أقرته الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الاتحاد الأوروبي لن يأتي بنتيجة، وأن لدى إيران احتياطات من العملات الأجنبية تمكنها من إدارة شؤونها حتى لو لم نتمكن من بيع برميل واحد من النفط طوال سنتين أو ثلاث”. 4. تجيير بعض المكاسب الإيرانية الأخيرة ذات العلاقات بفك الحصار الاقتصادي الذي تحاول أن تفرضه الدول الغربية لتليين الموقف الإيراني إزاء “الملف النووي الإيراني”، حيث تحدثت الأنباء عن قفز “الهند إلى رأس قائمة مشتري النفط الإيراني متفوقة على الصين، بعد ارتفاع مشترياتها في الربع الأول للعام، قبل بدء تطبيق عقوبات مشددة على طهران هذا الصيف.... وأن الواردات المباشرة إلى الهند من إيران، بلغت 433 ألف برميل يومياً في الربع الأول، مقارنة مع 256 ألف برميل يومياً إلى الصين ... وبهذا ارتفعت واردات الهند نحو 23% من 351 ألف برميل يومياً استوردتها في نفس الفترة من عام 2011، وقفزت عن متوسطها في عام 2011 البالغ 326 ألف برميل يومياً”. يترافق ذلك مع تصريحات وزير الطاقة التركي تانر يلدز لوسائل إعلام محلية يوم الجمعة الماضي “أن تركيا ستواصل شراء النفط والغاز من إيران وأضاف أنه غير قلق من إدراج بلاده أو عدم إدراجها في قائمة أمريكية تستثني دولاً تشتري النفط الإيراني من العقوبات الأمريكية”. وتنبع أهمية تركيا من كونها واحدة من بين أكبر عشرة زبائن للنفط الإيراني. 5. الاستفادة من العوامل التي طرأت على “الملف النووي العالمي”، وعلى وجه التحديد إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ طويل المدى، الذي اعتبرته الدوائر الغربية خطراً يهدد النادي النووي العالمي، وتداعت لاتخاذ خطوات ردع تجاه بيونغ يونغ. من المنطقي أن ترى طهران في الالتفات العالمي نحو كوريا الشمالية، الفرصة المواتية للتحول إلى سياسة الهجوم، معززة ذلك بخطوات أخرى مثل زيارة الرئيس الإيراني للجزر الإماراتية المحتلة. 6. تأكيد أهمية الرقم الإيراني في أي مشروع خليجي قادم، بتذكير العواصم الخليجية أن إيران، مثلما أقدمت على خطوتها، واحتلت أراضي عربية، لن تتردد في اتخاذ خطوة، وربما خطوات أخرى مشابهة، فيما لو حاول البعض إلغاء الرقم الإيراني من معادلة موازين القوى في هذه المنطقة الغاية في الحساسية في منظومة العلاقات الدولية، بفضل حجم الثروة النفطية وكميات الغاز الطبيعي التي تختزنهما أراضيها، وحصتها التصديرية العالية في أسواق الطاقة العالمية. كل ذلك دون إهمال أهميتها في حسم صراعات إقليمية مجاورة مثل تلك القائمة في جمهوريات آسيا الوسطى، خاصة عندما يدخل العراق في إطار صورة موازين القوى الخليجي. 7. استعراض العضلات الإيرانية في الطريق إلى إسطنبول للمشاركة في اللقاء الإيراني مع “ مجموعة خمسة + واحد” المنعقدة في العاصمة التركية لمناقشة المرحلة التي وصل لها مشروع التخصيب النووي، والتي بدأته إيران بلقاءين منفردة مع المندوبين الصيني والروسي، قبل انطلاق أعمال اللقاء، تمهيداً لتعزيز حجم الحضور الإيراني في تلك المحادثات. وقدم أحمدي نجاد لهذا الاستعراض عند مخاطبته الدول الغربية المشاركة في تلك المحادثات قائلاً “يجب أن تعلموا أن الأمة الإيرانية تصر على حقوقها الأساسية، وحتى تحت أقوى ضغط لن تتراجع قيد أنملة عن حقوقها”.