^ حين تم الاتصال بي لمرافقة وفد المؤسسة الخيرية الملكية كصحافي من صحيفة «الوطن» لم أتردد أبداً في القبول. زيارة غزة لأي بحريني تعتبر شرفاً ووساماً، خاصة أن أهلنا في غزة يحبون أهل البحرين ويرفعون أياديهم بأن يحفظ الله البحرين وأهلها. ونحن في غزة كانت تتوارد إلينا أخبار البحرين، الانفجار الإرهابي، وأخبار أخرى كلها تصب في التصعيد الذي يقصد منه أن ندخل في حالة فوضى أمنية لتعطيل الحياة أولاً، ولتعطيل الحدث الذي تعيشه البحرين وهو الفورمولا1، والذي يعتبره أهل البحرين سباقهم الذي سينجحونه بكل ما أوتوا من عزيمة وحب لهذا الوطن. الأخبار كانت مزعجة، قلب كل فرد منا في البحرين، إلا أننا نعرف أن الأمن بإذن الله بأيدي رجال بمعنى الكلمة، وأن رجالنا في كل المواقع على قدر المسؤولية ويخدمون بلدهم بإخلاص. في لحظة، وأنا في قطاع غزة والأخبار تصلنا من البحرين، شعرت أن غزة أحسن حالاً من البحرين، الخطر في غزة خارجي من الصهاينة، والخطر في البحرين من الداخل ممن يحملون الجنسية. بقينا في غزة لثلاثة أيام، كانت مشاهد الناس والأطفال تشعرنا أن هؤلاء الناس لا يخشون شيئاً ويمارسون حياتهم بكل أمل وإصرار. من بعد صلاة الفجر تصبح غزة خليّة نحل، الحماس والروح والإصرار شيء ملاحظ على أهلنا هناك، نقول في أنفسنا والله نغبطكم على هذه الروح والإصرار برغم الخطر الداهم، ففي لحظة قد تقصف طائرة بدون طيار أي بيت وأي حي وأي جماعة، لكن ذلك لم يعد يهمهم ولا يكترثون له، يشعرونك أن كل طفل وكل شاب وشابة وكل أم وكل أب كلهم مشاريع شهادة لله وفي مواجهة الطغيان الصهيوني ودفاعاً عن الأرض والعرض والمقدسات، ولا يتراجعون للحظة. الرحلة كانت تستهدف افتتاح المشاريع التي نفذتها المؤسسة الخيرية الملكية بإشراف وتوجيه من سمو الشيخ ناصر بن حمد رئيس مجلس أمناء المؤسسة الخيرية الملكية الذي يتابع ما ينجز أولاً بأول، وهذه المشاريع هي مشاريع بُنِيَت بأموال أهل البحرين جميعاً الذين تبرعوا إلى إخواننا في غزة في الحملة التلفزيونية والتي بلغت 8 ملايين دولار. الوفد كان برئاسة الدكتور مصطفى السيد الأمين العام للمؤسسة الخيرية الملكية والذي يبذل جهوداً كبيرة من أجل إنجاز المشاريع في وقتها المحدد، وكان الدكتور مصطفى السيد دائماً ما يقول لإخوتنا في غزة، إن جلالة الملك هو المتابع والراصد والموجه إلى سرعة تنفيذ المشاريع لترى النور، والدكتور يتابع كل المشاريع في جدول عمل مزدحم، حتى إننا قلنا له إننا في «ماراثون في غزة» من فرط الزيارات في وقت قصير جداً. من أفضل اللحظات التي شعرنا بها هناك كانت لحظة افتتاح المركز الصحي المتطور في خان يونس -وأعود وأقول إنها بأموال أهل البحرين- فقد كان علم البحرين على المركز، وكان الأهالي يدعون بالخير وأن يحفظ الله البحرين وملكها من كل سوء ومكروه، فقد كان المركز في يومه الأول مزدحماً بأهل خان يونس، وقد ضم المركز كافة التخصصات بما فيها بعض تخصصات القلب. اليوم الأخير من الزيارة، كان هو يوم خروجنا من الفندق الجميل في غزة، كانت لدينا زيارة إلى الرئيس، وكانت في الصباح الباكر، فقد رتبت الزيارة في الساعة الثامنة والنصف وهذا يعني أن نصحو من النوم في الساعة السادسة والنصف لحساب وقت للمسافة. الرئيس أصر على أن يكون الإفطار على مائدته في بيته، وكان إفطاراً بسيطاً وجميلاً وحميمياً. خلال اللقاء أثنى الرئيس على جهود ومبادرات جلالة الملك وقال إنه كان سعيداً جداً بزيارة البحرين قبل فترة، وشعر بحرارة اللقاء مع شعب البحرين، وقال إن شعب البحرين شعب عظيم، وقال: «أنا أحب شعب البحرين». وشكر جهود سمو الشيخ ناصر بن حمد على ما تقوم به المؤسسة الخيرية الملكية من مشاريع حيوية يحتاجها أهل غزة، وتصب في الجانب التعليمي والصحي. ما يجب أن يقال هنا إن أهل البحرين هم الذين يرفعون الرأس حين «يفزعون» لأي مصاب جلل عند إخوانهم في الوطن العربي أو الإسلامي، وهذا أمر مشرِّف، فما تحقق من مشاريع إنما هي من أموال أهل البحرين وتجار أهل البحرين، فلهم الشكر، ولأهل البحرين الشكر على كل ما تبرعوا به، فبالرغم من أننا لسنا دولة ثرية، إلا أننا نساهم بما نستطيع إلى أهلنا في غزة والصومال وباكستان، وهذا أمر مشرِّف جداً. نقول لأهل البحرين إن مشاريعكم رأت النور في قطاع غزة، وإن أموالكم ذهبت إلى من يستحقها، فللبحرين مشاريع «مدرسة هي الأكبر في غزة، ومركز صحي متطور، وتبرعات إلى مراكز السمع والنطق، وهنا مشروع للأطراف الصناعية، ومكتبة متطورة» كلها بأموال أهل البحرين، وتبرعات من جلالة الملك حفظه الله. هذا بخلاف المشاريع الكبيرة لجمعية التربية الإسلامية وجمعية الإصلاح. زيارة غزة كانت متعبة جداً في الرحلة من القاهرة إلى معبر رفح، وإلى داخل القطاع، لكن هذا التعب يزول حين تشعر أنك في رحلة من أجل دعم أهل الصمود وشعب تحرر من الاحتلال، وشعب محاصر من الجو والبر والبحر، لكنه صامد، يكفي أنه مع كل حاجة الناس هناك، إلا أنك لا ترى أحداً يتسول عند إشارات المرور ويبيع العلكة أو المياه كغطاء للتسول. عزة النفس والكرامة هي شعار أهل غزة الكرام، وقد قال الرئيس هنية: «إننا صامدون وسنبقى صامدين، فبشائر النصر تلوح، ولن نتراجع يوماً، وسوف نبقى إلى أن تتحرر فلسطين ويعود اللاجئون.