بقلم: سلمان دعيج بوسعيد
في خضم ملهيات الحياة الكثيرة، وما فيها من أمور تنسي الإنسان معاني عظيمة دعا إليها الإسلام، من بينها القرآن الكريم، قد ينسى الإنسان أموراً كثيرة وعظيمة كالتوكل على الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، وهذا ما يدعونا للتفكر في التوكل على الله واستذكار معاني فريدة، تساعدنا على إعادة إيماننا الجازم بأن الله سيوفقنا عندما نتوكل عليه حق التوكل.
فمن القصص التي تعيد لنا المفهوم الحقيقي للتوكل على الله هو ما فعله إبراهيم عليه السلام عندما ترك هاجر وابنه إسماعيل عليه السلام من غير طعام ولا شراب ولا معيل، فلما علمت هاجر أن الله تعالى أمر أبينا إبراهيم عليه السلام بالهجرة للدعوة إلى الله، قالت: “إذن لا يضيعنا الله”، لأنها مؤمنة بأن طاعة الله لن تضيع ولدها الصغير، وإن كانت لوحدها مع ابنها من غير عائل، لأنها مؤمنة بأن الله تبارك وتعالى معها، ولا ننسى ما جرى لها وابنها عندما خرج الماء من الأرض، والذي لازلنا حتى يومنا هذا نشرب منه وهو ماء زمزم.
وإن أردنا التمعن أكثر فلنتذكر قصة إبراهيم عليه السلام عندما رأى في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل عليه السلام، لكن ذلك كان امتحاناً من الله تعالى لإبراهيم عليه السلام، فنجح إبراهيم فيه وأطاع أمر ربه وسل سفيه لذبح ابنه، وكان إسماعيل عليه السلام مؤمناً بالله وبأمره فأطاع الله وسلم رقبته لأبيه: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}
ولما كان الأمر كذلك فإن الله الكريم المنان أمر إبراهيم بالتوقف عن ذبح ابنه إسماعيل عليهم السلام وفداه بذبح عظيم فقال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
هذه معاني عظيمة تدلنا على مدى صدق التوكل على الله، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعانا للصدق الحقيقي في التوكل على الله فقال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً، وتروح بطاناً) فالطير الذي خرج من عشه جائع لا يعلم إلى أين هو ذاهب، ثم عاد وبطنه مليء بالطعام، رزقه الله سبحانه من فضله بعد أن بذل الأسباب المؤدية لحصوله على الرزق.
وكذلك المؤمن عليه أن يتوكل على الله تبارك وتعالى مع بذل أسباب الحصول على الشيء الذي يريده، ولا محالة أن الله سيوفقه ويرزقه من حيث لا يحتسب. {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]