الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد.. إن الواحد منا ليعجب كل العجب ممن صام في نهار رمضان ولم يصم في ليله، وقد يسأل سائل: هل يصوم الواحد منا بالنهار وبالليل فماذا يتبقى من اليوم لكي يفطر؟!
وفي الحقيقة نقول: إن ما نتحدث عنه ونتعجب منه حول صائمي النهار ومفطري الليل صحيح لأنك ترى الواحد يصوم في النهار عن المعاصي فيمر نهار الصائم بين صلاة وصيام وقراءة للقرآن وطلبٍ للرزق ثم يحل الليل فترى أنواعاً من المفطرين:
- فمنهم من يفطر على (سيجارة) بدلاً من اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالإفطار على التمر والماء، وهي أيضاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لكل من استوت عنده الفطرة واستقامت.
- ونوعٌ آخر: هو ممن أفطروا على المسلسلات والأغاني وما شابه ذلك من رقصٍ ولهوٍ ومجونٍ مما تم شحنه في أجهزة التلفاز اعتقاداً من فاعلي ذلك أنهم يحتفون بشهر رمضان.
- ونوعٌ ثالثٌ من المفطرين في رمضان يستغرق وقته بعد الإفطار في أحاديث السمر التي تصل لقرابة السحور، وقد تتضمن هذه الأحاديث ذكر الآخرين بسوء، وقد يتخللها الغيبة والنميمة والعجب والتفاخر، مما قد يضيع الكثير من أجر الصيام إن لم يكن قد ضيعه كله، وكأن هؤلاء اعتقدوا أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))، رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، وكأنهم اعتقدوا أن هذا الحديث ينتهي العمل به مع أذان المغرب وحلول موعد الإفطار.
- ونوع رابع من المفطرين والمفطرات في رمضان ينفقون معظم ليلهم بعد الإفطار في التجوال في الأسواق حيث يختلط الرجال بالنساء، وتكثر الفتن في مكان ينصب فيه الشيطان راياته..ولذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم المكث فيه إلا قليلاً وبقدر الحاجة، عن سلمان الفارسي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
- وهناك نوع خامس من المفطرين يقتل الوقت بعد الإفطار قتلاً في التجوال هنا وهناك والتسكع في الطرقات والتنزه بالسيارات في أماكن الازدحام عسى أن تقع عينه على ما حرمه الله عز وجل من مفاتن محرمة تاركاً العنان لشهوة البصر دون غض مخالفاً قول الله عز وجل:{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها…) الآية [سورة النور: 30-31].
- ونوع سادس من المفطرات يتمثل في النساء اللاتي تخصصن في إضاعة أجر الصيام بسبب ما يفعلنه من تبرج وزينة عامدات أو غير عامدات فيفتنَّ عباد الله بتبرجهنَّ فيحملن أوزارهن وأوزار الذين تسبَّبن في فتنتهم أيضاً، وكأن أوامر الله لهنَّ في قوله تعالى:{ولا يبدين زينتهن} قد توقف مفعولها مع حلول موعد الإفطار.
إننا، بدون شك، محتاجون لنوع آخر من الصيام بالليل بعد الإفطار ألا وهو صيام الجوارح عن المعاصي، أليس كذلك؟!