ها قد جئت يا رمضان، للمرة الثالثة تزورنا ونحن مكبّلون بأزماتنا، نجتر الشهور والأيام والساعات في انتظار الفرج، لا ندعو إلا الله ولا نبتغي فرجاً من سواه.. هذه هي السنة الثالثة من سنوات عجاف لا نزال نتجرع فيهن الخوف والجوع والمرض، فلنرفع جميعا أيدينا في هذا الشهر الكريم بالدعاء أن يكون رمضان نهاية الأحزان في بلادنا وبداية الخير والمغفرة والرضوان علينا.

يا أنت يا رمضان، هذه هي المرة الثالثة التي تأتينا ونحن نئن ونبكي ونصرخ من جور الفاسدين وقهر الظالمين وعبث تجار الحروب ونذالة قتلة الأبرياء، وسنصلي ونشكو ونتضرع فيك يا رمضان إلى الله عزوجل أن يتقبل دعاءنا، ويتولى أمرهم ويخلص البلاد والعباد من شرورهم، فقد زاد غيهم، وظنوا ألا قوي غيرهم، وأنت القوي الجبار يا الله .. تعلم يا شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار أنَّ مآسينا وأحزاننا هي من صناعة أيدينا، فأخوتنا الأعداء قد اجتمعوا على ظلمنا سنيناً طوالاً، ونحن نحابيهم ونداريهم، وحينما نزغ الشيطان بينهم اختلفوا، ولم يكن اختلافهم رحمة بل كان عذاباً لنا، وسفكاً لدمائنا، وكنا نحن في حال اجتماعهم واختلافهم ضحاياهم، ولا نزال مغلوبين على أمرنا مقهورين بخلافاتهم على كراسي التسلط علينا، لا يعلمون أننا سنظل مهمومين بخلافاتهم، لا يهمنا من يحكم منهم، لأننا منشغلين بفقرنا ومرضنا وجهلنا، مرعوبين من نتائج خلافاتهم، التي تقع على رؤوسنا ونحن في بيوتنا المتهالكة، فكنا ندعو الله أن يتفقوا حتى لا يدوسونا بأقدامهم عند تصارعهم، لأننا نعلم أن خلافهم يعني موتنا، وكان أملنا أن يتحاوروا في بدء الخلاف ليجنبونا مزيداً من ظلمهم وظلامهم، ولكنهم رفضوا الحوار في البدء واختاروا الحرب في الوسط وسالت دماؤنا نحن ولا تزال تسيل إلى اليوم، وهم ما بين شامت ومتجاهل.

يا ربنا لقد مسنا الضر من أخوتنا الذين يوهمونا بخلافاتهم، ويتفننون في تعذيبنا نحن، حتى خارت قوانا كلنا إلا هم يا ربنا فلا تزال لديهم قوة في الأرض، ولا يزال لديهم كبر في النفوس، ولا يزالون يساومون بعضهم على ما تبقى من الحياة فينا، فلا تمكنهم من الحياة على حسابنا.. يا ربنا ، إنهم يعلنون أنهم قادمون على حوار مفروض عليهم، فهل سيتحاورون من أجل حياتنا أم من أجل استمرار موتنا؟!! أنت الحكم بيننا وبينهم يا رب، إنا نشهدك عليهم في هذا الشهر الكريم.

يا الله يا من أغثتنا بشهرك الكريم لنستريح فيه من شياطين الإنس، فيسر لنا العمل الصالح، وأعدنا إلى طريقك القويم، فقد أضلونا بفسادهم، وساءت أعمالنا بظلمهم، وقست قلوبنا بقهرهم، وتفرقت غاياتنا بتضليلهم، وقد شعرنا بأنك سلطتهم علينا لأنك غاضب منا، وها نحن واقفون بباب رحمتك الواسعة في شهرك الكريم، فاعف عنا، ويسر لنا سبل توبة تسرك منا، وارزقنا أعمالاً ترضيك عنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، ولا تمكن شياطيننا من الفتك بأبنائنا وزيادة القتل فينا.

يا ربنا .. لقد تربع الفقر في بيوتنا، واستقر المرض في أجسادنا، وصار الجهل سبباً لتجنيد شبابنا في فرق الموت، ولم يتبق لنا إلا الحسرة على موتانا بالجملة، ونحن نستغيث بك يا الله يا رحيم يا حكيم يا جبار أن تجعل هذا الشهر الكريم وما بعده من شهورك برداً وسلاماً علينا، ناراً ودماراً على أعدائنا وعلى الظالمين منا، فقد مسّنا الضر منهم وأنت أحكم الحاكمين.

ياربنا .. لقد قدرت لنا ما نحن فيه، وقدرك الخير حتى وإن كان غائباً عنا إدراكه، لكنك أنت القائل، وقولك الحق «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها» وأنت تعلم أننا ضعفاء، فلا تكلفنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا وانصرنا على القوم الكافرين، إنهم قوم كفروا برحمتك، ولم يخشوا عذابك، وصاروا يبحثون عن الحياة بموتنا ويدعون أنهم أنصارك، وحاشاك أن ترضى أنصارا يقتلون الأبرياء ويستحلون قطع الطرقات وتدمير الخدمات، وينتهكون حرمات البيوت ويهجرون المسلمين من منازلهم، وينزعون الأمن والأمان من نفوس عبادك.

حاشاك -يا الله- أن تنصر قوماً يأكلون مما حرمت، ويقتاتون بدماء عبادك، ويضللون شبابنا، ويطفئون نور بيوتنا، ويسلبون أقواتنا ويعتقدون أنهم على حق، أي حق لديهم وهم ينكرون أنك أنت الحق الذي عصمت دماء كل من يشهد أنك الله وأن محمداً نبيك، وحرمت دماء المعاهدين وأهل الذمة، وحرمت قطع الطريق وهدم المعمور ومنع الخير عن الناس.

إنهم يدعون أنهم أنصارك، فكيف ينصرونك وهم يتنكرون لأحكامك ويعاهدون الشيطان على عصيانك، ويدمرون كل مظاهر الحياة في أرضك ؟ اللهم أنت تعلم شاردهم وواردهم، وظاهرهم وباطنهم، وكبيرهم وصغيرهم، ورئيسهم ومرؤوسهم فاقصم ظهورهم جميعاً، وانصرنا عليهم، وحصِّن شبابنا من غيهم وأموالهم، ولا تحقق لهم غاية، ولا ترفع لهم راية ما دامت الأرض، لأنهم عطلوا شريعتك، وقتلوا عبادك وجعلوا الأمهات ثكالى والبنات يتيمات والزوجات أرامل، وبهتوا الموحدين، وشوهوا سمعة الإسلام والمسلمين، وأنت تعلم ما يصنعون، ونحن نعلم أنك العزيز الجبار تمهل ولا تهمل، فعجِّل بزوالهم، وكف أذاهم عنا بقدرتك، وانصرنا عليهم بقوتك يا نصير المقهورين.

يا ربنا بحق هذا الشهر الكريم، إنا قد مسنا الضر، وأنت أعلم بحالنا، اهدنا جميعاً إلى ما تحبه وترضاه، وألِّف بين قلوبنا على طاعتك، وخلِّص نفوسنا من الأحقاد، واكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك، ولا تهنا في أرضك، ولا يوم لقاك، وأمنّا في ديارنا، واحرس غفلتنا، واحم أبناءنا في كل مكان من التضليل ومن القتل ومن شر الطريق والرفيق يا أرحم الراحمين، يا رب أنت قلت وقولك الحق:»وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين».

ونحن نؤمن بمشيئتك، ونطمع في عفوك ورحمتك، فاجعل مشيئتك نوراً ينير حياتنا ويهدي ضالنا، وينصرنا على أعدائنا، ويعيد الحياة لقلوبنا، وارفع الجور عن بلادنا، واكشف الغم عنا، وبدل ظنكنا بحال يسر ورخاء نأمن فيها على أنفسنا وعلى أطفالنا ونعبدك حق عبادتك، ندعوك في شهر كريم خاص بك، ونتضرع إليك فيه ونرجوك ألا ينجلي رمضان إلا وقد زال الكرب منا وانكشف الضر عنا، وتوحدت قلوبنا، وهدأت نفوسنا، وتطهرت بلادنا من رجس الفساد والإرهاب يا رب العالمين.

د. سعاد سالم السبع