هو مدرسة بحق، مدرسة في الصبر، ومدرسة في النصر، ومدرسة في العمل؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجاهد في رمضان، في بدر، وفي حنين، وفي غيرهما، فيأتي النصر مع الصبر والإيمان وذلك كله من ثمار رمضان. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين لسبع عشرة أو ثمان عشرة ومضت من رمضان، فصام صائمون وأفطر آخرون، ولم يعب هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء) رواه أحمد.

فالجهاد -وهو ذروة سنام الإسلام- يحتاج إلى قوة وبأس، كما يحتاج إلى إيمان ويقين وتلك معادلة حققها الصحابة، فمنهم من وجد من إيمانه قوة تغنيه عن الطعام والشراب فصام في الجهاد، ومنهم من آثر الأخذ بالرخصة -التي يحب الله الأخذ بها- إبقاءً لقوته البدنية ونكاية في أعداء الله تعالى.

ومع ذلك الاختلاف الظاهري، فإن أيَّاً من الفريقين لم يجد نفسه أفضل من غيره ولم يدع مجالاً للشيطان ليفسد ذات بينه وبين إخوانه، إنها إحدى دروس تلك المدرسة -مدرسة الصيام- والتي يمنحها ذلك الفريق المميز من المعلمين الأوائل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. درس آخر في إكبار الأمة في لهذا الشهر: فقد كان الصبيان يصومونه، كما كان الكبار يعظمونه، ومن ذلك ما نقله البخاري في صحيحه عن عمر رضي الله عنه أنه قال لنشوان -أي: سكران- (في رمضان ويلك وصبياننا صيام، فضربه) أي وبخه على فعلته الشنعاء مع أن الصبيان صائمون، وهو يفطر في رمضان ويشرب الخمر، وأقام عليه الحد ثمانين جلدة ونفاه إلى الشام. تُرى كم عدد من يتهاون من الكبار بيننا -فضلاً عن الصغار- فينشغلون عن الصيام وعن تعظيم حرمات الله تعالى، فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير فيجلسون لمشاهدة التلفاز الساعات الطوال ويقتلون الأوقات قتلاً، بدلاً عن قراءة كتاب الله وتدبره، فيا حسرة على العباد.