أحمد محمد عبدالله

الوقت هو أثمن الأشياء في حياة الإنسان؛ لأنه باختصار “الحياة”. ولإن كان الوقت ثروة من أغلى الثروات التي نملها فكثيراً ما قمنا بهدرها من دون مردود ولا فائدة، كما قال الشاعر: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه** وأراه أسهل ما عليك يضيع.

لقد عرض أحد الشعراء خطة وزع فيها عمر الإنسان والطريقة التي ينقضي بها من دون أن ننتبه لذلك؛ حيث إن جزءاً كبيراً من الوقت الثمين والمحدود في الوقت ذاته، يضيع في النوم الذي ربما زاد البعض فيه خلال هذا الشهر الفضيل الذي من الأَولى بالعاقل أن يجد فيه ويجتهد في العبادة، ويحرص فيه على إتقان عمله.

وأحسن ذاك الشاعر حين قال، مستذكراً قيمة العمر وسرعة ضياع الوقت وتعدد المشاغل والمسؤوليات:

إذا عاش الفتى ستين حولاً** فنصف العمر تمحقه الليالي

ونصف النصف يذهب ليس يدري** لغفلته يميناً من شمالي

وباقي النصف آمال وحرصٌ ** وشغلٌ بالمكاسب والعيال

وباقي العمر أسقام وشيب** وآفات تدل على انتقال.

هكذا يتفلت الوقت من بين يدي الإنسان ولا يدرك ذلك إلا متأخراً وبعد فوات الأوان، لكن يوماً واحداً من أيام رمضان يجعلك تشعر بقيمة الوقت والقدرة على استغلاله وإعماره بالإنجاز. فدوام العمل وتبادل الزيارات الأخوية وصلة الأرحام وصلاة التراويح وقراءة ما تيسر من القرآن، وحضور درس تربوي أو دورة علمية، إضافة إلى الذهاب في قضاء حاجات الناس والإنفاق في سبيل تفطير الصائمين إلى غير ذلك من أعمال البرّ، كلها أمور تجعل المرء يشعر كما لو كان إنساناً آخر أكثر حوية وأقوى عوداً وأشد اجتهاداً في الازدياد من الخير. وهو ما يتطلب الاستمرار في الطريق نفسه يوماً بعد يوم خلال الشهر الكريم، ومحاولة الثبات على الطريق بعد انتهاء شهر رمضان.

من ناحية أخرى فإن بعض الناس يقتصر صومه على الإمساك عن المفطرات من شراب وطعام ونحوهما، دون أن يتخلق بأخلاق الشهر الكريم من غض للبصر عن المحرمات وصون للسان والسمع عن الخنا، وهو ما جعل أحد الأقدمين يصف أصحاب هذا النوع من التصرفات بأنهم غير صيام؛ لكون صيامهم ناقص الأجر والمثوبة حيث يقول:

إذا لم يكن في السمع مني تصامم ** وفي بصري غض وفي منطقي صمت

فحسبي إذا من قوتي الجوع والظما** وإن قلت إني صمت يوماً فما صمت