المجتمع الدولي
يعد مفهوم المجتمع الدولي من أكثر المفاهيم السياسية استخداماً حالياً، ويستخدم بشكل يومي في وسائل الإعلام العالمية عندما تظهر تصريحات المسؤولين في الدول ويدعون فيها “المجتمع الدولي لإتخاذ إجراءات صارمة لضمان الاستقرار” مثلاً، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة المجتمع الدولي الذي يتم الحديث عنه هنا؟ يقصد بالمجتمع الدولي كافة الدول والمنظمات الإقليمية والدولية التي تتفاعل مع بعضها بعضاً في العالم. أما من الرؤية القانونية يقصد به كافة الدول الأعضاء ضمن منظومة الأمم المتحدة. إلا أن التعريف الأكثر شمولاً والأبسط هو الأول. النظام الدولي هنا لا بد من توضيح مسألة مهمة، وهي الفرق بين النظام الدولي والمجتمع الدولي، فالنظام الدولي عبارة عن إطار نظري طوره العلماء من أجل فهم القوة السياسية بين الدول والمنظمات في العالم. في حين أن المجتمع الدولي يضم كافة المكونات التي يشملها النظام الدولي لأنها الأطراف التي تكون النظام نفسه. المجتمع الدولي المجتمع الدولي وصل حالياً إلى درجة عالية من التعقيد، بحيث باتت العلاقات الإقليمية والدولية تتداخل مع بعضها لتكون شبكة معقدة من العلاقات والمصالح بسبب تطور التجارب الإنسانية في بناء الدول، كذلك التكنولوجيا الحديثة التي ساعدت على إحداث تواصل وترابط ليس بين الدول فحسب، وإنما بين الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني أيضاً. ولكي نفهم المجتمع الدولي حالياً لا بد من فهم تطوره عبر التاريخ، لأن تطوره ارتبط بالحضارات التي كانت موجودة في العالم إلى أن وصلت إلى ما نحن عليه اليوم. الحضارة الإسلامية ففي عام 476 سقطت الإمبراطورية الرومانية الغربية، وظهرت الحضارة الإسلامية التي ساهمت في إدخال العديد من المبادئ والجوانب الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في العلاقات الدولية، وأهمها ترسيخ مبدأ السلام كمبدأ أساسي في العلاقات الدولية يقوم على احترام العهود والالتزام بها. المجتمع الأوروبي وفي مقابل تطور الحضارة الإسلامية والمجتمع الإسلامي في تلك الفترة، كان المجتمع الأوروبي بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية على يد القبائل الجرمانية قائماً على الصراعات، حيث انقسمت أوروبا إلى عدة ممالك وإمارات متصارعة حتى القرن الثامن الميلادي. نظرية السيادتين وفي عام 800 قام البابا بتطبيق نظرية السيادتين التي تجعل الفرد خاضعاً لعنصرين؛ الأول العنصر الروحي الذي تديره الكنيسة، والعنصر الثاني هو العنصر الزمني الذي تديره الدولة من خلال الإمبراطور، وبهذا صارت المجتمعات الأوروبية تحكمها سلطتان، الأولى دينية تتمثل في الكنيسة، والثانية سياسية تتمثل في الإمبراطور أو الحاكم. النظام الإقطاعي هذه الحالة ساهمت في زيادة الصراعات المتفاقمة بين السلطتين، وبالتالي تمزق الكيانات السياسية التي كانت موجودة في القارة الأوروبية. ومن العوامل التي ساعدت على ذلك ظهور النظام الإقطاعي الذي أتاح انفراد الأمراء والحكام في أوروبا بالانفراد بمظاهر السلطة داخل مناطق معينة، بحيث تعد هذه السلطة ملكية شخصية له. وبمرور الوقت انتشرت الحروب والصراعات في أوروبا باسم الدين تارة وباسم الحرية والديمقراطية تارة أخرى. الاكتشافات الجغرافية في القرن الخامس عشر انتهت فترة القرون الوسطى لأوروبا، وبدأت المراحل الأولى لتطوير العلاقات الدولية الحديثة وكذلك المجتمع الدولي بالشكل الذي وصل إليه اليوم. فخلال هذه الفترة ظهرت العديد من المحاولات لتنظيم المجتمع الدولي وضبط العلاقات بينه، ومن العوامل التي ساعدت على ذلك الاكتشافات الجغرافية الكبرى، وأهمها أمريكا الشمالية والجنوبية. كما إن الاكتشافات الكبرى دفعت الدول الأوروبية إلى التسابق والتنافس على السيطرة على المستعمرات في مختلف أرجاء العالم. الدول الحديثة وتطور المجتمع الدولي بشكل تدريجي حتى وصل إلى مرحلة ظهور الدول الحديثة عندما استطاعت الإمارات والدول الأوروبية التخلص من نفوذ وهيمنة البابا والإمبراطور في الخارج، وتم القضاء على الأنظمة الإقطاعية هناك. معاهدة ويستفاليا وتعد إنجلترا أول الدول الحديثة التي ظهرت في المجتمع الدولي الحديث، ومع ذلك استمرت حالة الصراع والحروب الدينية في القارة الأوروبية إلى أن اتفق حكام القارة على إبرام معاهدة ويستفاليا الشهيرة عام 1648 التي أنهت الصراعات والحروب الدينية التي استمرت 30 عاماً بين الدول الكاثوليكية ونظيرتها البروتستانتية. الدول الأوروبية وتحول وضع المجتمع الدولي بعد معاهدة ويستالفيا إلى وضع مستقر، ولكن الحاجة للسيطرة على المستعمرات دفعت المجتمع الدولي إلى البحث في كيفية تنظيم خارطة المستعمرات في العالم. ويلاحظ أن المجتمع الدولي في تلك الفترة كان المقصود به الدول الأوروبية فقط وتجاهل الدول والممالك الأخرى. الأمم المتحدة في عام 1945 تأسست هيئة الأمم المتحدة وبعدها تطور المجتمع الدولي بشكل لم يسبق له مثيل، حيث شهد العالم حركة تحرر الشعوب من الاستعمار، وظهور الشركات متعددة الجنسيات، كما تأسست مئات المنظمات الإقليمية والدولية. واستطاعت الأمم المتحدة القيام بدور إيجابي كبير في ظهور الدول الجديدة من خلال دعم استقلال الدول، وبذلك صار المجتمع الدولي مجتمعاً عالمياً ومجتمعاً أكثر تنظيماً من أي وقت مضى. وأخيراً فالمجتمع الدولي في القرن الحادي والعشرين لم يختلف عن نظيره في القرن الماضي، لكن هناك فرصاً لظهور العديد من المكونات لهذا المجتمع نتيجة للتحولات المهمة التي شهدتها مختلف المجتمعات.
معهد البحرين للتنمية السياسية [email protected]