كتب - محرر الشؤون السياسية:
يتساءل الرأي العام البحريني عما جنته الجمعيات السياسية من المقاطعة المستمرة للحوار والرفض المتكرر للمبادرات الإصلاحية المتعددة التي شهدتها الساحة منذ اندلاع الأحداث في 2011 وإلى اليوم، ورغم تعدد هذه المبادرات بدءاً بمبادرة الحوار الشامل التي أطلقها ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وما تبعها من مبادرات أخرى، فإن جمعية الوفاق لم تستجب لأي منها وظلت تضع الشروط المسبقة للحوار، كما انسحبت بعد فترة وجيزة من مشاركتها في حوار التوافق الوطني.
ففي 19 فبراير 2011 أمر سمو ولي العهد بسحب قوات الأمن من الشارع وعودة وحدات الجيش في العاصمة إلى معسكراتها، وعاد المتظاهرون إلى دوار مجلس التعاون بعد انسحاب قوات الأمن، وأعلن ولي العهد عن مبادرة لحوار وطني شامل، وبيّن أن الدعوة تهدف لنزع فتيل التوتر وفتح باب الحوار، وتقوية اللحمة بين كافة فئات المجتمع البحريني الموحد كي تنتقل البلاد لوضع أفضل، وفي ذات اليوم أصدر جلالة الملك أمراً ملكياً بتكليف ولي العهد بمباشرة الحوار، وجاء ذلك على خلفية المظاهرات غير المرخصة التي بدأت في 14 فبراير وأعقبها اعتصام في الدوار أخذ منحى طائفياً.
ولاقت مبادرة ولي العهد لحوار وطني شامل وبدون سقف تأييد العديد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، حيث أيدتها دول مجلس التعاون الخليجي، مشددة على رفضها التدخل الخارجي في شؤون البحرين، كما عبرت عدد من الهيئات والدول عن دعمها للمبادرة، بينها منظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة ودول عربية وإسلامية وأعضاء دائمو العضوية بمجلس الأمن الدولي.
ورغم الدعوات الجادة لإطلاق الحوار الوطني ومحاولات الوقوف في وجه الانزلاق بالبلد نحو منعطف لا يعرف أحد له نهاية، إلا أن المظاهرات والممارسات المنافية لأرضية الحوار وأجواء المصالحة استمرت في الشارع خلال تلك الفترة وتزايدت وتيرتها، وأعلنت جمعية الوفاق في مؤتمر صحافي انسحابها نهائياً من المجلس النيابي، وتقدمت باستقالة رسمية من البرلمان احتجاجاً على عملية إخلاء الدوار.
وفي 3 مارس 2011 رفعت 62 جهة مرئياتها حول الحوار لولي العهد ومن ضمنها الوفاق، وكانت هي الوحيدة التي وضعت 5 شروط للحوار، تمثلت في البقاء في الدوار، وإطلاق سراح السجناء، والظهور بالتساوي مع الآخرين في التلفزيون ووقف ما أسموها “برامج التحريض على الطائفية”، إضافة إلى التحقيق حول وفاة محتجين، وإقالة الحكومة.
وحينها أجابهم ولي العهد أن 3 من هذه المطالب متحققة بالفعل، وبدأ التحضير للحضور إلى التلفزيون للمشاركة في برامج مباشرة في نفس الليلة الموالية امتنعوا عن الحضور، وفيما يخص استقالة الحكومة دعاهم ولي العهد إلى أنها ضمن محاور الحوار وليست شرطاً، لكن الوفاق زادت شروطاً أخرى من ضمنها ألا تجلس مع تجمع الوحدة الوطنية.
وفي 12 مارس أعلن ولي العهد مبادئ الحوار الـ7، ومن ضمنها أن يكون لمجلس النواب كامل الصلاحيات، وأن تعكس الحكومة إرادة الشعب في تقسيم عادل للدوائر الانتخابية، ومناقشة التجنيس، ومكافحة الفساد الحكومي والمالي، وحماية الثروات الوطنية، وعلاج التوتر الطائفي.
وهكذا كان موقف الوفاق في ذلك الوقت ولم تقبل في النهاية الجلوس إلى الحوار، لكنها في يونيو قدمت مسودة مطالب، بتعيين الملك للحكومة وموافقة النواب عليها، واستجواب الوزراء في جلسات عامة، وتشكيل لجنة وطنية للحوار برئاسة ولي العهد، والتساؤل هنا: ماذا جنت الوفاق من مواقفها وهل تراها ربحت على المستوى السياسي والاجتماعي الوطني، وحتى الإقليمي والدولي بعد رفضها لمبادرة الحوار دون شروط التي أطلقها ولي العهد 2011 ولاقت ترحيباً على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي أم أن الواقع يقول غير ذلك؟.
وكيف يحكم المراقبون على انسحاب الوفاق من حوار التوافق الوطني الذي شاركت فيه مختلف القوى الوطنية وخرج بالعديد من المرئيات في مجالات متعددة والذي حاز خمساً وعشرين مرئية في محوره السياسي؟، وأسفر حوار التوافق الوطني عن تعديلات دستورية عززت من سلطة مجلس النواب، ووضعت جميع السلطات الرقابية في يده ومنحته حق مساءلة الوزراء علنياً.. ويمكن القول إن التعديلات الدستورية جاءت متطورة أكثر مما كانت تطمح إليه الوفاق في السابق، كما إن متابعة تنفيذ مرئيات حوار التوافق على مختلف الصعد والإنجازات التي حصلت في العديد من المجالات التي انبثق عنها الحوار تؤكد أن المجتمع ربما بدأ يتجاوز النخب السياسية التي تتقاعس عن ركب التطور.