يستخدم مفهوم “النظام الدولي” بشكل كبير عندما يتم الحديث عن العلاقات الدولية، فما هو هذا النظام؟.

النظام الدولي يعد إطاراً نظرياً ابتكره علماء السياسة حتى يساعد المحللين والدول على فهم نظام القوة السياسية في العلاقات الدولية، وشكل القوة بين الدول حتى يمكن تصنيفها. ولذلك فإن النظام الدولي ليس نظاماً مكتوباً أو نظاماً رسمياً أو قانوناً ينظم العلاقات بين الدول، بل هو إطار يساعد على تحليل شكل العلاقات بين الدول، ومعرفة الأطراف الأكثر قوة والأكثر نفوذاً مقارنة بغيرها.

وبالتالي، يمكن القول إن النظام الدولي هو نمط التفاعل بين الفاعلين الدوليين في مختلف المجالات. والتفاعل المقصود هنا هو طبيعة العلاقات بين الدول، أما الفاعلون الدوليون فهم مجموعة من الأطراف، وهي: الدول، والمنظمات الدولية، والشركات متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يلعبون أدواراً دولية، كما هو الحال بالنسبة لقادة المنظمات الإرهابية أو تجار السلاح أو بعض الأشخاص الذين يملكون نفوذاً عالمياً بحكم طبيعة نشاطهم.

نخرج من هذا التعريف المبسط للنظام الدولي بأنه هو الأداة التي تساعدنا على فهم علاقات القوة بين دول العالم، وتوزيع هذه القوة فيما بينها. وتكمن أهمية النظام الدولي في أنه يعد البيئة التي تتم فيها العلاقات الدولية، وهي مهمة للغاية عندما يتم وضع السياسة الخارجية، إذ لا يمكن وضع هذه السياسة دون فهم البيئة الدولية المحيطة بالدولة والتي يمثلها النظام الدولي.

في ضوء هذا التعريف يمكن تصنيف القوة السياسية في النظام الدولي إلى ثلاثة أنواع:

أولاً: النظام متعدد القطبية:

يقوم هذا النظام على توازن القوى (الأقطاب)، حيث لا توجد فيه قوة سياسية واحدة تقوم بوظيفة القيادة داخل النظام الدولي. وتتم العلاقات بين القوى على أنها علاقات صراع وتنافس في الغالب بسبب غياب القوة القائدة.

ثانياً: النظام ثنائي القطبية:

يقوم هذا النظام على وجود قوتين سياسيتين تلعبان دور القيادة في النظام الدولي لأنهما تمثلان القوة الأعظم في النظام نفسه. واللافت في هذا النوع من النظام الدولي أن القوى السياسية المختلفة تتمحور حول القوتين العظميين اللتين تحاولان استقطاب كافة القوى السياسية في العالم.

ثالثاً: النظام أحادي القطبية:

يقوم هذا النظام على سيطرة قوة سياسية واحدة فقط على كافة تفاعلات النظام الدولي، بمعنى احتكار طرف واحد للقوة السياسية في العالم. ويملك هذا الطرف نفوذاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً هائلاً بحيث يجعل من الصعوبة بمكان منافسته من قبل الأطراف الأخرى لفترة من الزمن.

ودائماً ما يتم تصنيف الدول في النظام الدولي إلى دول من ثلاثة أصناف: دول عظمى، ودول كبرى، ودول تابعة. والدولة العظمى هي الدولة التي تملك القوة السياسية وتستفرد بالنفوذ على النظام الدولي بأكمله. أما الدولة الكبرى فهي الدولة التي تملك نفوذاً كبيراً، ولكن ليست لديها القدرة على تبوء القوة الأولى على مستوى العالم، ورغم ذلك فإنها مرشحة لأن تكون قوة عظمى مستقبلاً. والدول التابعة هي مجموعة الدول التي لا تملك القوة السياسية لأن تكون دولاً كبرى، وعادة ما تتوزع هذه الدول في تبعيتها بين الدول العظمى والدول الكبرى.

بعد هذه المقدمة البسيطة فإنه من المهم فهم تطور النظام الدولي المعاصر الذي يؤرخه علماء السياسة والعلاقات الدولية بأنه بدأ في العام 1648 عندما تم توقيع معاهدة ويستفاليا التي أنهت الحروب الدينية التي كانت دائرة في القارة الأوروبية، وساهمت في تكوين الدول القومية في أوروبا بالشكل الذي صارت عليه الآن.

خلال الفترة الممتدة من معاهدة ويستفاليا وحتى الحرب العالمية الثانية اتسم النظام الدولي بالتعددية القطبية حيث كانت هناك مجموعة من القوى السياسية التي تتنافس وتتصارع فيما بينها للسيطرة على القوة السياسية في العالم، مثل الدولة العثمانية، وإمبراطوريتي النمسا والمجر، وغيرها من القوى الأوروبية.

ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945 تغيّر النظام الدولي وتحوّل إلى نظام الثنائية القطبية عندما دار الصراع في السيطرة على القوة بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية وهو الصراع الذي يطلق عليه الحرب الباردة. واتسم الصراع نفسه باستقطاب القوتين الأعظم (موسكو، وواشنطن) لكافة دول العالم التي صارت تابعة لأحد القطبين الرئيسين.

وفي العام 1991 شهد العالم تحولاً مهماً عندما سقط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، وعلى الفور تغيّر النظام الدولي من نظام الثنائية القطبية إلى النظام أحادي القطبية الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، وهي الحالة التي لاتزال سائدة في النظام الدولي حتى اليوم. إذ لا يوجد طرف دولي ينافس الولايات المتحدة، ولذلك يطلق عليها لدى خبراء العلاقات الدولية وعلماء السياسة بأنها القوة الأعظم في العالم.

ولايزال الجدل دائراً بين الباحثين بشأن مستقبل النظام الدولي، ومدى إمكانية استمرار حالة الأحادية القطبية مستقبلاً مع ظهور العديد من التوقعات بتحول النظام الدولي إلى نظام متعدد الأقطاب من جديد خلال العقود المقبلة وسط وجود مجموعة من المؤشرات التي تشير إلى احتمال تراجع نفوذ القوة الأعظم، وظهور قوى سياسية جديدة في عدد من القارات.