جمعها - بديع المدني:

يُعد التابعي الذي نتناول سيرته اليوم من أبرز أئمة السلف فقد قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: لا أدري قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز. وثبت من غير وجه كما حكى ابن كثير أنَّ أنس بن مالك قال: ما صليت وراء إمام أشبه بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى- يعني عمر بن عبد العزيز- حين كان على المدينة، وقال مجاهد: أتينا عمر نُعلمه فما برحنا حتى تعلمنا منه، وقال عبدالله بن كثير: قلت له يا أبا حفص: ما كان بدء إنابتك؟ قال: أردت ضرب غلام لي فقال لي: أذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة إنه عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الإمام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد، أمير المؤمنين أبو حفص “حسن الأخلاق والخَلْق، كامل العقل، حسن السمت، وافر العلم، أوّاهاً مُنيباً قانتاً لله حنيفاً، ناطقاً بالحق مع قِلَّة المعين، ولد عام61هـ، وهو قول أكثر المؤرخين بالمدينة نشأ أمير المؤمنين بالمدينة وتخلَّق بأخلاق أهلها وتأثَّر بعلمائها، وأكبَّ على أخذ العلم من شيوخها، فلما مات أبوه أخذه عمه أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان فخلطه بولده، وقدَّمه على كثير منهم، وزَوَّجَه ابنته فاطمة بنت عبدالملك، وهي امرأة صالحة آثَرَت ما عند الله على متاع الدنيا.

اتفقت كلمة المترجمين على أنه من أئمة زمانه، قال الإمام أحمد: إذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبد العزيز، ويذكر محاسنه وينشرها، فاعلم أن من وراء ذلك خيراً إن شاء الله، وقال الحسن البصري: ما ورد علينا قط كتاب لعمر بن عبدالعزيز إلا بإحياء سنة، أو إماتة بدعة، أو رد مظلمة.

وكانت ولايته سنة 99هـ، وبنى في مدة ولايته هذه مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ووسعه، وراح ينشر بين الناس العدل، ويرد المظالم، ويبسط الأمن، وكان يقول: (أيها الناس أصلحوا أسراركم تصلح علانيتكم واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم) وقال أيضاً:«من جعل دينه عرضة للخصومات، أكثر الشك أو قال يكثر التحول”، ومن دُرر كلماته أيضاً وهو ينصح عاملاً له: “عليك بتقوى الله واتباع سنة رسوله وترك ما أحدث المحدثون بعده ممن قد حارب سنته، ثم أعلم أنه لم تكن بدعة إلا وقد مضى قبلها ما هو دليل على بطلانها، فعليك لزوم السنة فإنه إنما سنَّها من قد علم ما في خلافها من الزيغ والزلل، والحمق والخطأ ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى، وعلى العمل الشديد أشد”.

توفي عمر بن عبدالعزيز في آخر رجب عام 101هـ وعمره تسع وثلاثون سنة وستة أشهر، وكانت وفاته بالسم، وكانت بنو أمية - كما يقول تاريخ الخلفاء - قد تبرموا به، لكونه شدد عليهم، وانتزع من أيديهم كثيراً مما غصبوه، وكان قد أهمل التحرز، أي لم يهتم بسلامته.

ولما احتضر عمر بن عبدالعزيز سمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان. ثم تلى: “ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ “، فدخلوا فوجدوه قد أسلم الروح. ويقول ابن الجوزي في سيرة عمر: مات عمر بن عبدالعزيز وترك أحد عشر ابناً، وبلغت تركته سبعة عشر ديناراً، كفن منها بخمسة دنانير، واشتري له موضع قبره بدينارين، وقسم الباقي على بنيه، وأصاب كل واحد من ولده تسعة عشر درهما، ويقارن عبدالرحمن بن القاسم فيقول: ولما مات هشام بن عبدالملك وخلف أحد عشر ابناً قسمت تركته وأصاب كل واحد من تركته ألف ألف أي مليون ورأيت رجلاً من ولد عمر بن عبدالعزيز قد تصدق بمائة فرس في سبيل الله عزوجل ورأيت رجلاً من ولد هشام يُتصدق عليه رحم الله أبا حفص عمر بن عبدالعزيز، وجزاه خير الجزاء على ما قدَّم للإسلام والمسلمين.