سؤال يجب أن يسأله المسلم نفسه، وحتى لا يتحول هذا الشهر من عبادة لها أهداف ومقاصد عظيمة إلى عادة ثقيلة، كان لابد من الإجابة عن هذا السؤال، فكثير من الناس يصومون، ولكن قليل أولئك الذين يعرفون لماذا يصومون.. هذا هو الفرق بين العادة والعبادة.

لماذا نصوم؟ يحدد لك الهدف والغاية التي من أجلها فرض صوم رمضان. ووضوح الهدف في أي عمل تقوم به يسهل عليك ذلك العمل، ويدفعك للاجتهاد والمجاهدة للوصول إلى هدفك.

لماذا تمسك عن الطعام والشراب والجماع أكثر من نصف يوم؟ تجوع وتعطش.. لماذا؟ تسهر وتتعب.. لماذا؟ أصناف الطعام بين يديك والماء البارد بين عينيك فلا تمد يدك إليه.. لماذا؟ ماذا تريد من كل هذا؟ ما هو الهدف؟ إلى أي شئ تريد أن تصل؟ ربما حدثتك نفسك فقالت: لماذا أمرنا الله بالصيام؟ ولماذا فرض علينا شهر رمضان؟

حاشا لله عز وجل أن يكون المراد تجويعنا وتعطيشنا وإتعابنا وهو أرحم الراحمين، وهو أرحم من الأم بولدها، بل إن الله قال في آخر آيات الصيام: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر) البقرة: 158.

وربما تقول أيها الحبيب: إننا نصوم رمضان؛ لأن الله أمرنا بصيامه، فتجب الطاعة والاستجابة لله بما أمر؛ فنقول؛ نعم إن الاستجابة لله ورسوله أمر واجب على كل مسلم ومسلمة، ولو لم تتبين لنا الثمرة والحكمة من هذا الأمر، فنحن أسلمنا واستسلمنا لله؛ فيجب علينا طاعة الله، فإن الخير كل الخير فيما أمر الله ورسوله به.

الهدف من الصوم: لكن هناك ثمرة وغاية عظيمة بينها الله عز وجل من شهر الصيام بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].

إذا فالهدف الأسمى من صيام رمضان هو إعداد القلوب للتقوى ومراقبة الله...إعدادها لخشية الله.

فالصوم يجعل القلوب لينة رقيقة، يجعلها ذات شفافية وحساسية، يجعلها وجلة حية.. يوقظ القلوب، فإذا فسد الناس في زمن من الأزمان فإن صلاحه لا يكون بالتشدد والتنطع، فليبدأ الصلاح بإعداد القلوب وبث حرارة الإيمان فيها، وخوف الله ومراقبته، فالإسلام لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات، إنما يقودهم بالتقوى ومراقبة الله والخوف منه.

ولقد جهل أقوام حقيقة الصيام حين قصروه على الإمساك عن الطعام والشراب، فترى بعضهم لا يمنعه صومه من إطلاق اللسان، والوقوع في الغيبة والنميمة، والكذب والبهتان، ويطلقون للآذان والأعين الحبل والعنان، لتقع في الذنوب والعصيان، وقد أخرج البخاري في صحيحه أنه قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري برقم 5710، وابن ماجه برقم 1689.

قال الحافظ في الفتح ج 10: قال ابن التين: ظاهر الحديث أن من اغتاب في صومه فهو مفطر، وإليه ذهب بعض السلف، وذهب الجمهور إلى خلافه، لكن معنى الحديث أن الغيبة من الكبائر وأن إثمها لا يفي له بأجر صومه فكأنه في حكم المفطر.

المراد من قوله: “فليس لله حاجة” أي إرادة بيان عظم ارتكاب ما ذكر، وأن صيامه كلا صيام، ولا معنى لاعتبار المفهوم هنا، فإن الله لا يحتاج إلى أحد، وهو الغني سبحانه، ذكره ابن بطال، وقيل: هو كناية عن عدم القبول، كما يقول المغضب لمن ردّ شيئاً عليه: لا حاجة لي في كذا، وقيل: إن معناه أن ثواب الصيام لا يقاوم في حكم الموازنة ما يستحق من العقاب لما ذكر.

هذا وقد ورد في الحديث الآخر “فإن شاتمه أحد أو سابه فليقل: إني صائم” فلا تشتم مبتدئاً ولا مجاوباً.