^  هذا ما يقوله البعض الذي من الواضح أنه أتاح فرصة أكبر لأحلامه كي تسيطر على تفكيره وسلوكه، فهذا البعض يعتقد أن التهدئة تمهيد للحوار ومن ثم الدخول فيه والولوج بعد ذلك إلى مرحلة المصالحة الوطنية ينبغي أن تكون خطاً أحمر، هذا البعض يرى أن الحوار والمصالحة ما هما إلا شكل من أشكال الهزيمة بل الهزيمة نفسها وبالتالي فإنه يقول باختصار إما أن أربح كل شيء وإما أن أخسر والجميع كل شيء. مقابل هذا البعض الذي يبدو بوضوح أنه لا يفكر بعقله يقف بعض آخر تتسم مواقفه وأقواله بالعقل والحكمة، لكن هذا البعض الآخر الناظر إلى المسائل من منطلق المنطق والواقع مرفوض من ذلك البعض الحالم الذي تزينت له أمور فظن أنه بالغها إن عاجلاً أو آجلاً. هذا البعض الحالم لم يلتفت بالطبع إلى البيان الذي صدر الأسبوع الماضي عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والذي أكد فيه على أن الدين الإسلامي يحث على التآخي ويدعو إلى المحبة وأن البحرين عاشت في تاريخها أروع صور التلاحم والترابط والتآخي بين طوائفها وأبنائها وأنها قادرة بهذا الموروث أن تواصل هذه المسيرة. كما لم يسمع كل النداءات التي جاءت من علماء الدين وخطباء الجمعة والتي تدعو إلى تغليب العقل والنظر إلى الواقع كي نخرج من هذا الذي صرنا فيه جميعاً منتصرين. الشيخ ناصر آل عصفور تناول في خطبة الجمعة الماضية في جامع عالي أهمية العقل وأهمية الأخذ بما يمليه على الإنسان واهتم بالتأكيد على أن البحرين وطن يستوعب الجميع وأن للمواطنة أسساً وحقوقاً وواجبات وأنه مهما بلغت الخلافات واختلفت وجهات النظر فإن علينا أن يستوعب كل منا الآخر ويعلم أنه لا يمكنه أن ينحيه أو يتجاوزه. هذا كلام عقل لا يصدر إلا عن عاقل، لكن الذين استمعوا إليه كانوا قليلين وكان أغلبهم من كبار السن الذين يرفضون -على الأقل في دواخلهم- ما يحدث في البلاد من مشاغبات تعطل الحياة، فالشباب الذين تم توجيه الخطاب إليهم كان حينها متواجداً في شارع البديع للمشاركة في المسيرة التي تغلفت برداءين أحدهما حق وواقعي. التصريح الذي تناولته الصحف في أعدادها يوم الجمعة نفسه والذي ذكر فيه مستشار الملك للشؤون الإعلامية نبيل الحمر أن الأمور متجهة إلى الحوار وأن الكل لديه الرغبة في إنهاء هذه الأزمة وجد صدى طيباً في نفوس الجميع إلا ذلك البعض الذي يرفض التهدئة ويرفض المصالحة، حيث يبدو أن في الحوار مقتله. ولعل هذا ما حدا بالنائب الوفاقي المستقيل جميل كاظم إلى نفي التصريح المنسوب إليه في الخبر نفسه وملخصه أن المعارضة بقيادة الوفاق مستعدة للتنازل عن بعض المطالب ودخول الحوار من دون شروط مسبقة. لست من يجزم بأن التصريح المذكور كان صادراً عن كاظم أو أنه غير صحيح ولكن كان بإمكان كاظم أو الوفاق أن يتعاملوا مع الخبر بشكل مختلف يخلطون فيه النفي بالقبول وبما يخدم التوجه الذي يفترض أنه لا اختلاف عليه، بمعنى أنه لا بأس أن يتم نفي الخبر ولكن كان يمكن أن يكمل بالتأكيد على مطالب المعارضة التي وردت في الخبر نفسه والمنقول عن موقع السي إن إن خاصة وأن الوفاق تردد دائماً أنها مع التهدئة ومع الحوار والمصالحة الوطنية. الكل يريد التهدئة والكل يريد الحوار والكل يريد المصالحة، لذا ينبغي أن يتم الفرز سريعاً لبيان الفئة التي لا تريد ذلك ليتم التعامل معها من منطلق أن الغالبية تريد كل ذلك وتسعى إليه ومن ثم تهميشها.. أو مخاطبتها بما يستوجبه العقل والمنطق، وإن كانت تقف منهما موقفاً رافضاً بعدما طار منها العقل والمنطق!