كتب – عبدالرحمن الدوسري :
شهر رمضان يعد من شهور السنة التي ننتظرها، لا نفكر في انه سيكون في الصيف أو في عز الشتاء وتحت تساقط الأمطار. لكن مما لا شك فيه أن قدومه في فصل الشتاء بالنسبة للصائم أفضل من فصل الصيف. في هذا العام سنصوم في واحد من أكثر شهور السنة حرارة، لكننا لن نعنى بالأكل بقدر ما ستكون السفرة الرمضانية مزدانة بأنواع العصائر واللبن، وهو ما سيركز عليه الصائمون، بعد أن يعلن مدفع الإفطار انتهاء فترة الصيام، لينطلق الصائمون في سباق مع كسر الجوع.
محمد أحمد بوعلى كانت له تجربة، عندما صام للسنة الأولى ولم يجاوز عمره العاشرة، يقول بوعلي: لا زلت أتذكر تلك الأمسية، عندما صمت يومي الأول في تجربة أعتز بها ولا يمكن نسيانها. لقد لازمت الوالدة، رحمها الله، وهي تجهز الهريسة والخبز الرقاق في التنور، وبعد أن تأكدت أن الهريسة “استوت” بحكم الخبرة، طلبت من شقيقتي الصغيرة التأكد من الملح، وبعد ذلك ربطت جدر الهريس بخيشة ليتخدر أكثر، ويحتفظ بالحرارة.
ويواصل علي: لقد طلبت مني الوالدة إحضار بعض السعف من “حوش” جارتنا أم محمد، وزجت بها في قلب التنور لتزيد من حرارته. وبعدها وضعتت “التاوة” على التنور، الذي يتكون من حصيات ثلاث، وعمقه بسيط جداً، لتبدأ بدهن التاوة لتكون جاهزة لعمل الخبز. لقد كنت أحرص على مساعدتها لأنني كنت أنتظر المكافأة في النهاية. وبعد أن فرغت من الخبز الأول والثاني وألحقتهم بآخر قرص خبز، نظرت إليّ وقالت: “هاه حمودي تبقى قرصك حنوه بالبيض وإلا بدونه “.
قلت: “ لا يمه البيض وآيد أحسن”. ثم قامت بصب البيض على القرص على شكل حنوه. قرص أصغر من ناحية الحجم.
وناولتني أياه لأخبئه عن إخوتي وهي تقول :« يا الا تبرّز علشان تودي صحن خالتك أم محمد”. وبعدها ناولتني “ كاب بو نمر” معمعم بالهريس والدهن “ العداني “، فانطلقت كالصاروخ، وعيوني معلقة في السماء بانتظار مدفع الإفطار، وإذا بي أسقط في واحدة من البواليع المفتوحة، لم تكن تبعد كثيراً عن بيتنا، ولحسن حظي أنها كانت دون ماء. لكن من شدة خوفي على كاب الهريس، ورغم شعوري وكأن عظام يدي الصغيرة تفتتت، لم أترك “الكاب” يسقط على الأرض .
ويتابع علي: لم تكن سوى لحظات، حتى تجمع أهل الفريج، منهم من يواسي ومنهم من يسخر من وقوعي “اشصادك يا الحمد عميت.. اعنبوك حفرة كبر بيتكم وما تشوفها”. وبعد أن عدت للبيت، اطمأنت الوالدة على “الكاب” وربطت يدي ووضعت على الكسر “شوية” سمنت وبعض المشموم، ثم وجلست أنتظر “الحنوة” و«الهريسة”، إلا أنني نظراً لشدة الألم والخوف، ذهبت في نوم عميقة، فخسرت يدي والحنوه، ولم أهنأ بإفطار أول أيامي.