حســن جناحــي
خصهم الرحمن بفضائل كريمة ومنزلة رفيعة، وبين الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عظيم قدرهم وسمو مقامهم، وأكرمهم الصحابة العدول، وعرف سلف الأمة فضلهم ومكانتهم في الإسلام. هم قوم نشؤوا في بيت النبوة، وعايشوا تنزيل الوحي، وكانوا أقرب الناس إلى المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه-، فاحفظ لأهل البيت عظيم حقهم وكن تابعاً لهم لعلك تنعم في ظلال بيت خير الأنام.
قال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)، هكذا كانت العلاقة بين أهل البيت والصحابة -رضوان الله عليهم-، “رحماء بينهم”، تجمعهم المودة والألفة، بينهم نسب ومصاهرة، تربوا على يد نبي الرحمة، تلا عليهم آياته، وزكاهم، وعلمهم الكتاب والحكمة، قلوبهم متصافية مجتمعة كاجتماع صلاتهم خلف قائدهم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم)، رفعوا السيوف واسبسلوا وسط لهيب المغازي نصرة لدين الله، أعزوا أمة الإسلام ودحروا ملة الكفر، فكانوا بحق الجيل الذهبي لأمة لا إله إلا الله، فهم السابقون الأولون، لله درهم من قوم رضي الله عنهم وعلم ما في قلوبهم، فكانوا خير أمة أخرجت للناس.
لا ريب في أن الدين والمعتقد واحد، حيث كان مصدر التلقي واحداً وهو الرسول (عليه الصلاة والسلام)، فأهل البيت والصحابة هم من تلقى العلم على يد النبي (عليه الصلاة والسلام)، وكانوا كالبنيان المرصوص في ميادين العلم والعمل، وهذا ما تبرهنه الأدلة النقلية والعقلية، وتأكد عليه علاقة النسب والمصاهرة بينهم، وتسمية الأبناء بأسماء رموزهم، ونشأتهم المترابطة وعملهم المشترك. أما اختلافاتهم اليسيرة لم تكن في عقيدة، بل اختلافات فطرية تقع بين جنس بني البشر، ومع ذلك كانوا مثالاً مضيئاً في التواد والتحاب، قال تعالى: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم).
هنا أتساءل، هل لأهل البيت سنة مستقلة تختلف عن سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أم هم أتباع لسنته (عليه الصلاة والسلام)؟ أهل السنة والجماعة ركزوا جهودهم في خدمة السنة النبوية واتباع الآثار الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن عقيدة وشريعة الإسلام واحدة، ومصدرها النبي عليه الصلاة والسلام، عن ربه، وأهل البيت والصحابة هم أفضل الأتباع لقربهم منه (عليه الصلاة والسلام)، فاتباعنا للنبي (عليه الصلاة والسلام) بالعمل بسنته الصحيحة هو الاقتداء الحقيقي بأهل البيت (عليهم السلام)،ونتيجة لاتحاد مصدر التلقي، نستطيع أن نقول أن عقيدة علي هي عقيدة أبي بكر، وعقيدة عمر هي عقيدة العباس، وعقيدة فاطمة هي عقيدة عائشة (رضوان الله عليهم جميعاً)، وهلم جرا.
وقد كان لعلماء السنة والسلف الصالح جهوداً جبارة في خدمة آثار آل البيت وتدوين سيرهم وبيان فضائلهم ومناقبهم، ولا ينازع في ذلك إلا مكابر أو جاهل! وقد ألف العلماء كتباً خاصة بفضائل ومناقب أهل البيت، وروايات أئمتهم وعلمائهم كالإمام علي زين العابدين والإمام محمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا وغيرهم رضوان الله عليهم مبثوثة في كتب السنة، وتزين مؤلفات السلف والخلف،ولا يفوتنا أيضا أن أزواج النبي أمهات المؤمنين -رضوان الله عليهن- وعلى رأسهم الصديقة عائشة من أهل البيت، فالادعاء أن أهل السنة غير متبعين لأهل البيت ادعاء باطل، والقول أن علماء السنة قصروا في نشر آثارهم وبيان مناقبهم قول مردود عليه، فأهل السنة يتولون أهل البيت، ويتقربون إلى الله بحبهم واتباعهم، ويعطونهم قدرهم، وينزلونهم منزلتهم الكريمة التي أنزلهم الله إياها، بلا غلو ولا جفاء، فهم لا يغالون في محبتهم وتعظيمهم، وفي المقابل يتبرؤون من كل من ينتقصهم أو يقدح فيهم.
حسبكم أبيات الشافعي: “يا أهل بيت رسول الله حبكم ... فرض من الله في القرآن أنزله، كفاكم من عظيم القدر أنكم من لم يصلي عليكم لا صلاة له”.