كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري: بعد الإفطار يجلسن حول سفرة تزينت بأكلات رمضان. وأكلات هذا الشهر الفضيل، دائماً ما تكون مليئة بالخير. فمن صفات رمضان أنك لا تميّز بين سفرة الفقير والغني، الجميع يأكلون الوجبات التي اعتدنا أنْ توفرها السفرة الرمضانية، قبل أنْ يعلن مدفع الإفطار عن نهاية اليوم. دق الحب تقول أم عيسى بشأن الاستعدادات لشهر رمضان: “ كنه في ذيك الأيام بعدنه شباب وما أحلى ذيك الأوقات. كنه ننتظر رمضان فقبل دخوله بعشرة أيام نحتفل بدق الحب فتتجمع نسوان الفريج، ويقمن بنسف الحب وتنقيته ثم دقه وطحنه، مستخدمات المنسف والرحى، وخلال ذلك يغنين:« يابوهم يابوهم ومن محرق يابوهم وما يخافون من الله، ما يخافون من الله، ترانا عبيد الله. ياالله اخذي حبوبج يا منور، جري الرحا يا منور، رمضان وصل يا منور”. ويجهزن خبز الرقاق الذي يعد من أشهر ما يميّز رمضان، وكذلك يطحن البزار ويتم خلطه كلاً حسب طريقته، والقهوة، والطحين، والبلاليط، والنشا والعصيد، فكان الاستعداد في المنازل، وكان في كل فريج قصاب يشتري الآباء منه اللحم بعد صلاة التراويح، ويأتون بالسمك الطازج من البحر، أما الدجاج فموجود في المنازل وتتم تربيته في كل بيت، وكذلك البط وحليب الماعز والبقر لأن بيوت لوّل كانت تربي حيواناتها وتستفيد من بيض الدجاج وحليب الغنم. ضرب الهريس وتضيف أم ناصر: “كانت أمنا تعد الهريس من الصباح وتغطيه بالخيش حتى المساء تضربه، ثم تضعه في الصحون المطرزة بالنمر والنعام، وكنا نشتريهم من “زاري عتيج” قبل رمضان ونوزع الأكل على البيوت قبل الأذان ونعود لنجهزهم للسفرة، وكانت كل عائلة تصبغ صحنها بلون حتى لا يختلط مع صحن الجيران. ونقوم بتوزيع الهريس واللقيمات والكباب والخنفروش وقرص البيض بالتناوب مع أخواتنا، وكل واحدة تروح في سكة وتوزع في طريجها على البيوت اللي في دربها، على أن نكون في البيت قبل المدفع بفتره لكي نجهز السفرة، والشربت من برتقال وليمون وماء مبخر”. الفقر لا يعيق أما عن السحور فتقول أم يوسف: “وقت السحور نتبع المسحر وهو يغني حياك الله يارمضان يا أبا القرع والبيديان “ وفي الليل يطوف المسحر على بيوت الفريج يضرب بعصاته الباب، ليتأكد بأنَّ أهله قد صحو من نومهم وكان ينادي أهل الفريج بأسمائهم كأن يقول:«لا إله إلا الله سحور ياعباد الله يا محمد قوم تسحر”، فيجيبه صاحب البيت “هي والله “ وهكذا في كل بيت إلى أن يطمئن على أن أهل الفريج كلهم قد صحو من نومهم”. وتضيف:«كان الماضي جميلاً رغم بعض مراراته والفقر كان موجوداً وكذلك المودة والمحبة، واليوم والحمد لله رغم أن الحال أفضل، لكن لم تعد القلوب كما كانت قديماً كان الترابط أكثر فالأهل متقاربون والبيوت متلاصقة والجيران يتبادلون أطباق الطعام. أما الآن فإنَّ الجميع مشغولون ولا يجدون الوقت للزيارة أو شرب القهوة مع الأسرة والأقارب. فالكل منهمك بمشاغله وحتى داخل الأسرة نفسها تغيّرت الأمور والأحوال، ولم تعد موجودة تلك الأسر الكبيرة التي تسكن منزلاً واحداً، وأصبح لكل شخص سكنه الخاص وتباعد الأبناء عن آبائهم واقتصرت زياراتهم في المناسبات أو من خلال الهواتف والمسجات. الدروس الدينية وتحرك أم راشد يديها وتقول:«ما يميّز الشهر الفضيل في الماضي تلك العادات والتقاليد الاجتماعية الطيبة والتي نجدها في أيام وليالي رمضان، من حيث التجمع في مكان واحد وأسرة واحدة مع السمر والسوالف والاستذكار للدروس الدينية، وهي ما يميّز هذا الشهر المبارك وأيامه الجميلة. أما اليوم فيخرج الشباب بعد الإفطار للنزهة في المجمعات “المراكز التجارية” والمقاهي يتناولون العصائر ويأكلون الحلويات الغريبة التي لم يكن لها وجود في أيامنا. ولأن رمضان يأتينا هذه السنة ونحن في بداية فصل الصيف وشدة الحر ما يخلق مناسبة جيدة للشباب من جيل اليوم ليستذكر شهر الصوم في العقود الماضية ومعاناة الآباء والأجداد، عندما كان يحل رمضان في أيام الصيف الحارة في ظلِّ إمكانات بسيطة كان فيها البوادغير هو المكيف للمقتدرين فيما كان الفقير يقاوم الحر عن طريق “ المهفة “. معاناة الآباء من جانبها تقول أم علي:«أتذكر أيام لوّل وشلون كنه نقعد نطبخ في التنور والعرق يتصبب منه ولا نقدر نقول شي، وهذه المعاناة تزيد إذا عرفنا أنَّ الآباء والأجداد كانوا إما يشتغلون في البحر أو الزراعة، وبسبب الجوع والعطش تحت حرارة الشمس، لدرجة أنَّ البعض منهم يضطر لرش ثيابه بالماء البارد أو يضع قربة الماء فوق جسمه إذا بقا ينام له شوية يدوّر الظل للراحة لعدم وجود أجهزة تبريد”. ألعاب رمضان وتتذكر أم عبدالرحمن أيام زمان وتقول:«كانت طفولتي من أحلى وأجمل سنوات عمري فيها من المحبة والبراءة، نلعب أولاداً وبناتاً مع بعض، أمام أهلنا تحت العريش، وتحت الشجر، وفي الضحى، وأي مكان فيه ظل، ونذهب إلى البحر، نلتقط العظام من عظام طيور”اللوه” أو الدجاج لنصنع منها “المدود”، وهي عبارة عن عرايس نفصِّل لها الملابس من “الخلاقين” القماش الزائد من الثياب التي تخيطها الأمهات، فنكون منها عائلة من المدود ثم بعد ذلك نقوم بوضعهم في كارتون صغير كبيت لهم. كنا نلعب الكثير من ألعابنا الشعبية المشهورة مثل :«الخبصة والسكينه والصبة وبوسبيت حي ولا ميت واللقفة والظلالوه والخشيشه والقيس ونطة الحبل” على سيف البحر، وألعاب أخرى كثيرة نصنعها بأنفسنا لنتسلى بها ونفرح ونوسع صدورنا ونقتل بها الوقت ونلتزم بصلواتنا وطاعتنا لأمهاتنا ومساعدتهن في أمور المطبخ وتنظيف البيت. وكنا إذا خرجنا من المنزل نلتزم بملابسنا الشعبية القديمة التي أصبحت اليوم جزءاً من التراث القديم كـ«البخنق والدراعة”.