كتب - هشام الشيخ:

دعا عضو مجلس النواب عدنان المالكي إلى إجراء دراسة شاملة لظاهرة تزايد العمالة السائبة في البحرين، بغية الوصول إلى إحصاءات دقيقة وإجراءات فاعلة للتصدي لها، وإحداث مركز إيواء وجهاز أمني خاص بالعمالة غير النظامية، فيما أكد وكيل وزارة العمل صباح الدوسري أن اللجنة التي أمر سمو رئيس الوزراء بتشكيلها للقضاء على العمالة السائبة تعمل بالتنسيق بين الوزارة وهيئة تنظيم سوق العمل ووزارتي الداخلية والبلديات.

وتشير التقديرات إلى أن عدد العمال غير النظاميين يزيد عن 50 ألف عامل، أي ما يقارب 10% من نسبة العمالة الأجنبية في البحرين، في ظل غياب الإحصاءات الدقيقة عن أعدادها الحقيقية.

وتتشارك عدة جهات مسؤولية ملف العمالة السائبة، ويقول النائب المالكي إن المسؤولية مشتركة ويجب أن يتحمل كل طرف نصيبه منها، ولا يلقي بها على سواه من الجهات الأخرى، موضحاً أن الظاهرة في تزايد وأنه لا يليق أن يستغل الكفيل السجل التجاري في جلب عمال ثم يبلغ بهروبهم.

وأضاف أن هناك مشكلة في تسهيل المعاملات المستقبلية لمثل هذا الكفيل، باستخراج رخص عمل أخرى رغم ممارسته المرفوضة، مؤكداً أن القوانين الحالية كافية لمعالجة الظاهرة إلا أن المشكلة تكمن في التنفيذ.

وأبدى المالكي استعداد النواب للتجاوب الإيجابي مع أية متطلبات بتعديل القوانين إذا دعت الحاجة.

ورغم استمرار الجولات التفتيشية من قبل هيئة سوق العمل على مخالفات العمالة الأجنبية، إلا أن نطاق عملها ينحصر في التفتيش على مواقع العمل، ويتطلب توسيع نطاق التفتيش تنظيم حملات بالاشتراك مع جهات متعددة.

ولا تتناسب أعداد العمال غير النظاميين ممن قُبض عليهم مع ضخامة الأعداد الموجودة فعلاً، حيث يُقبض على العشرات في كل حملة، وآخرها القبض على نحو 80 مخالفاً لأنظمة وقوانين الإقامة والعمل، بينهم 38 خادماً وخادمة و41 عاملاً هارباً أو منتهية صلاحية إقامته، فيما بلغ إجمالي من تم ترحيلهم خلال عامي 2011 و2010 نحو 14 ألفاً.

وقال المالكي “ أنا شخصياً مهتم بالموضوع وسبق أن زرت هيئة سوق العمل وتوصلت إلى أن الهيئة تحتاج إلى أمرين، الأول مركز للإيواء يستوعب أعداد العمالة المخالفة المقبوض عليها، وجهاز أمني خاص بالهيئة”، لافتاً إلى أن هذين الأمرين كفيلان بمعالجة الظاهرة لحد كبير.

وتعمل هيئة تنظيم سوق العمل على زيادة عدد مفتشيها من 36 إلى 52 مفتشاً مع وجود خطة للوصول إلى 76 مفتشاً في حال موافقة ديوان الخدمة المدنية.

من جانب آخر قال المالكي إن مخاوف الأهالي في تزايد، بسبب ارتفاع حالات السرقة والاعتداء على الأطفال، وزيادة حالات هروب الخادمات، مشيراً إلى أن الأعداد الكبيرة من العمال غير النظاميين تتناقض مع عادات أهل البحرين وتقاليدهم، خاصة أنهم يزدحمون في مناطق تقطنها العائلات.

ودعا إلى ضرورة التنسيق والترتيب مع سفارات العمال والخدم، موضحاً أن بعض السفارات تحث العمال على الهرب، ما يضر بصاحب العمل ويزيد من تفاقم المشكلة وضررها على المجتمع كله.

وأضاف أن من أكبر أضرار العمالة السائبة مزاحمتهم للمواطنين في عملهم كالباعة الجوالين، ما يؤثر على موارد رزق المواطن، فضلاً عن امتهانهم التسول في كثير من المناطق.

محاذيــــر العمالـــة غيــــــر النظــــــاميــــــة

من جهته قال الدوسري إن مسؤولية مفتشي الوزارة تنحصر في متابعة الحقوق العمالية والصحة والسلامة المهنية، مضيفاً أن الجهة التي تتولى التفتيش على العمالة السائبة هي هيئة تنظيم سوق العمل.

وأقر الدوسري أن ظاهرة العمالة السائبة متفاقمة، وملحوظة بشكل كبير في تجمعات للعمالة الآسيوية من غير الواضح إن كانوا نظاميين أم لا، مؤكداً وجود تنسيق كبير بين الوزارة وهيئة سوق العمل في الشؤون المشتركة.

ويشكل قطاع المقاولات أحد أكثر القطاعات المساهمة في زيادة أعداد العمالة غير النظامية، وقال رئيس لجنة المقاولات في غرفة تجارة وصناعة البحرين إن قطاع المقاولات ليس الجهة الوحيدة التي تعتبر مدخلاً للعمالة السائبة، حيث تتشارك المسؤولية العديد من الجهات.

وأضاف أن هناك نحو 320 شركة لديها أكثر من 50 عاملاً ومسجلة في المجلس النوعي للتدريب المهني بقطاع المقاولات وملزمة بدفع اشتراكات تدريب البحرنة، وأن باقي الشركات تقارب 4 أضعاف هذا العدد، أي أن إجمالي الشركات النشطة تقارب 1500 من بين حوالي 10 آلاف شركة لها سجلات تجارية في وزارة التجارة والصناعة.

وأضاف أن وجود شركات بهذا النوع هو أحد أسباب انتشار العمالة السائبة، لافتاً إلى أن هناك أكثر من محور متشعب ومعقد يتعلق بالظاهرة يجري بحثها مع الجهات ذات العلاقة لإيجاد حلولها في القريب العاجل.

ومن الجدير بالذكر أن نحو ربع العمالة السائبة هم من الهاربين، بينما العدد الأكبر يعود لعمال مدرجين على سجلات تجارية غير نشطة، وإقاماتهم لا تزال سارية المفعول.

وتتكرر الشكوى من استغلال بعض أصحاب الأعمال لتسهيلات توفرها الدولة لتشجيع العمل التجاري والاستثماري في البحرين، في وقت يخشى فيه من التضييق على التجار والمستثمرين الذين يوصفون بأنهم جادون، جراء أية إجراءات تتخذ للتصدي لتزايد أعداد العمالة غير النظامية، رغم الضرر الذي يلحق بالاقتصاد والأمن الاجتماعي والأسر جراء العمالة السائبة.

وبلغت نسبة العمالة الأجنبية في القطاع الخاص في الربع الأول من العام الحالي 78% بينما تصل العمالة الوطنية إلى 22% فقط، وترجع هيئة سوق العمل زيادة العمالة الأجنبية إلى انتعاش السوق في أعقاب ركود نجم عن أحداث العام الماضي، وتؤكد أن أية زيادة هي مجرد عودة إلى المعدلات الطبيعية للسوق، خاصة في قطاع الإنشاءات الذي لا تزيد نسبة البحرنة فيها عن 8% وهي أقل نسبة بين القطاعات كافة.

وتشكل العمالة السائبة المورد الأكبر للحوادث التي يذهب ضحيتها العديد من الأرواح سنوياً في ظاهرة باتت مألوفة في البحرين، وبحسب إحصاءات وزارة العمل فإن 70% من الحوادث التي يذهب ضحيتها عمال تخص العمالة السائبة، حيث تمارس أعمالاً مخالفة للقانون ولا تقع تحت طائلته، ولا تشملها أعمال التفتيش الخاصة بالصحة والسلامة المهنية أو سلامة المساكن.

وفي واحدة من أحدث الحوادث وأكثرها مأساوية لقي 10 من العمال غير النظاميين حتفهم مايو الماضي جراء حريق شب في محل إقامتهم الذي يخلو من الحد الأدنى لمتطلبات الأمن والسلامة، ويصنف على أنه مسكن خاص ولا يخضع لتفتيش أية جهة رقابية.

وتطالب فعاليات نيابية وأهلية بسن تشريعات تحد من مساكن العمال العشوائية التي تكثر بين أحياء تقطنها عوائل وتسكن الغالبية العظمى منها عمال “الفري فيزا” أو الهاربون، بسبب العديد من الشكاوى المتعلقة بالصحة والسلامة والعادات والتقاليد والثقافة والهوية، وزيادة شكاوى الاعتداءات والجرائم الأخلاقية.

الجهــل بالقوانيــن فاقــــــــم المشكلــــــــــة

من جانبهم، يبرر العمال غير النظامين استمرار إقامتهم وعملهم المخالف للقانون، بأنهم كانوا يجهلون أنظمة وقوانين العمل في البحرين، إضافة إلى أوضاعهم المعيشية السيئة.

وقال العامل الهندي أ.م. 40 عاماً الذي رفض ذكر اسمه، إنه يعمل في البحرين منذ 10 سنوات بنظام “فري فيزا”، حيث دفع 1200 دينار في المرة الأولى، ثم أصبح يدفع 600 دينار عن كل سنتين لتجديد الإقامة.

وأضاف أنه يقيم بدون إقامة صالحة حالياً نظراً لقلة العمل المتوفر خلال العامين الأخيرين، مشيراً إلى أنه كان يحصل على 300-400 دينار في السنوات الأولى لعمله في عدد من المهن، في حين لا يتجاوز ما يكسبه حالياً 150 ديناراً شهرياً.

ويقيم العامل البنغالي مرتضى أحمد 33 عاماً بدون إقامة صالحة، ودخل المملكة بتأشيرة “فري فيزا” دفع مقابلها ألف و350 ديناراً، قبل أن يهرب من كفيله ويعمل في غسل السيارات وتنظيف المنازل. ويجهل مرتضى أن هناك شيئاً يسمى هيئة تنظيم سوق العمل، فهو غير متعلم وجاء البحرين بمشورة أحد جيرانه الذي أقنعه بالمجيء، فباع ذهب زوجته ورهن بيته على قرض ليتمكن من دفع قيمة تأشيرة “الفري فيزا”. وانتقد العمال سفارات بلادهم لعدم قيامها بأية إجراءات للإشراف على جلبهم من بلدانهم، وتوعيتهم بأنظمتها وقوانينها وحمايتهم من الاستغلال.