كتب ـ عبدالرحمن محمد أمين:
«ما أجمل أن تجمعك طاولة إفطار واحدة مع عباقرة العالم في المجال النووي”، هكذا بدأ حمد عبدالكريم حديثه عن التحاقه بالبرامج الصيفية لمختبر المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية في جنيف، وأضاف “هناك يصبح الحلم واقعاً ويتحقق المستحيل، من أجل إدراك غاية إسعاد البشرية”.
وقال “كنت الوحيد من طلبة البحرين في المختبر، أحببت الدراسة وجهدت لتطوير قدراتي”، لافتاً إلى أن “الوالد تكفل بمصاريف دراستي وجاوزت آلاف الدنانير، وبعد عودتي التحقت بالعمل لدى شركة طيران الخليج، وإلى الآن اعتمد على نفسي لمواصلة تعليمي والحصـــــــــول علــــــــــــــى أعلـــــــــــــــى الشهـــــــــــــادات العلمية”.
صمّم حمد نظاماً متطوراً لرصد أداء 35 ألــــــــف وصلـــــــــة ضوئيــــــــة لـــدى التحاقه بالبرامج الصيفية للمختبر، كأول تجربة بحرينية في ميادين الأبحاث والدراسات النووية.
ويهدف التصميم المبتكر إلى ملاحظة مجال واسع لحركة الجزئيات الناشئة لعمليات الاصطدام خلال عملية “هاردون كوليدر”، ورصد بلايين المدخلات التي تتضاعف بصورة هائلة في ثوانٍ معدودة، ما يتيح للعلماء والباحثين التنبؤ بحركة أداء الوصلات الضوئية ذات المستويات الإشعاعية المتزايدة، الناتجة عن هذه التجربة العلمية الضخمة.
وضرب حمد ـ رغم صغر سنـــه 23 عامـــاً ـ مثالاً لطالب بحريني يمثّل بلاده في محافل العلم المرموقة على مستوى العالم، بما يؤكد قدرة أبناء الوطن على تشريف وطنهم بالخارج وتقديم أروع مثال للجد والاجتهاد والمثابرة في حب الوطن.
ويطمح حمد أنْ يتمكن من مواصلة دراسته لنيل درجات الماجستير والدكتوراه في تكنولوجيا المعلومات، ما يتيح له مجالاً أوسع وأعمق في مجال الأبحاث النووية.
كان حمد الأول على دفعته في جامعة نيويورك لتكنولوجيا المعلومات بحصوله على معدل 3.9 درجات من أصل 4، ويرجع الفضل في التحاقه بالمختبر لإحدى المعلمات، بعد أن نصحته بمتابعة دراسته هناك، وهو من الشباب البحريني الطامح الساعي بكل عزم وحزم لبناء مستقبله وتحقيق أمانيه.
ويقول حمد “أشعر بقدر هائل من المسؤولية الملقاة على عاتقي، ومثل هذه الفرص النادرة لا تسنح لكثير من الطلبة، ويشرفني تمثيل وطني في مؤسسة علمية رائدة كهذه، إنها فرصة عظيمة وحلم جميل تحقق فعلاً”.
شهران من العمل الدؤوب قضاهما حمد بالمختبر، ويشير إلى أن الكلمات تعجز عن وصف التجربة المثيرة والشاقة، ويؤكد “تلقيت قدراً هائلاً من المعلومات والخبرة والمعرفة خلال البرنامج التدريبي، وكل متدرب في البرنامج كان على درجة كبيرة من التعاون والاستعداد لتبادل الخبرات”. وأضاف أن شعوره وهو يعمل إلى جانب أفضل العقول العلمية على مستوى العالم لا يوصف، وقال “إنها بحق واحدة من أفضل تجارب حياتي”، معتبراً إياها بمثابة فرصة أسهمت في تغيير مسار حياته نحو الأفضل.
وأوضح حمد “كانت قفزة هائلة في مسار تحقيق الأهداف، من شأنها أن تفتح لي الأبواب في مجال تعليمي ومستقبلي”، ولا يقتصر هدف حمد على نفسه فقط، بل يتمنى أن تتاح فرص مماثلة لغيره من أبناء الوطن، والمشاركة في هذا البرنامج العالمي المرموق.
ولفت إلى أن “الفرصة تحققت بفضل من الله ثم بجهود الدكتورة مار دي فيز الباحثــــــة بالمختبــــــــر لـ 7 سنــــــــوات”، وتــــرى بدورها أن مشاركة حمد في البرنامج التدريبي بداية حقبة تقنية جديدة في البحرين يزدهر فيها عصر الباحثين والعلماء، وترتقي علوم الحاسوب الآلي، وتتاح الفرصة للمدرسين والتقنيين والمهندسين وخبراء الطب الفيزيائي للحصول على أفضل برامج التدريب وفق تقنيات العصر الحديث، وفقاً للمساعي الجادة في ترسيخ دعائم الرؤية الطموحة 2030. تعمــــــــل مـــــــــار حاليــــــــاً بنظـــام الوقت الكامل ضمن هيئة التدريس بجامعة نيويورك لتقنية المعلومات، وتتطلع لترسيخ العلاقة بين المختبر العالمي في جنيف والبحرين، والإسهام في استقطاب العقول العلمية من أبناء الوطن للمشاركة في هذا المسعى الدولي الرائد.
تعد المنظمة بمثابة أكبر مختبر فيزيائي في العالم ومقرها جنيف، وهي معروفة بإجراء أضخم تجربة علمية على سطح الأرض يطلق عليها اسم “هادرون كوليدر” في مجال فيزياء الجسيمات.
ليست مجرد مختبر علمي للأبحاث فحسب، فهي تتعامل مع تطورات تقنية شديدة التقدم على كوكب الأرض، وشبكة الإنترنت تعد من أهم ابتكارات المنظمة وأكثرها شيوعاً في العالم، وإرساؤها بغية تمكين علماء الفيزياء في العالم من التواصل بينهم عبر مسافات شاسعة وأميال هائلة.
لا يقتصر الغرض الجوهري للمنظمة على إجراء البحث العلمي بل يتجاوز ذلك، وتتمثل رسالتها في تقريب شعوب العالم حول أهداف وغايات علمية مشتركة وتبادل الإنجازات المحققة في خدمة البشرية، وإتاحة الفرص للآخرين من أجل الإسهام بدور حيوي في تنفيذ مشروعات طموحة.
المنظمة تضم اليوم زهاء 10 آلاف خبير علمي ينتمـــــون لأكثــــــــر مــــــن 113 دولــــــــة في العالم، يعملون بدأب جنباً إلى جنب داخل مؤسسة تسعى لتحويل الخيال العلمي إلى حقيقة ملموسة.