عندما قام إيكر كاسياس في أغسطس 2011 بالاتصال بتشافي هيرنانديز لإحلال السلام عقب معركة جديدة بين ريال مدريد وبرشلونة، كان قائد المنتخب الأسباني لكرة القدم يعمل في صالح فريق يمكنه صنع تاريخ معادل لذلك الذي يملكه ناديه العريق، وربما أكبر. تلك البادرة لم ترق قط للمدير الفني لريال مدريد جوزيه مورينيو، لكنها لاقت استحسان المدير الفني للمنتخب فيسنتي دل بوسكي، الذي يسعى لاعبوه في بطولة الأمم الأوروبية 2012 في بولندا وأوكرانيا إلى منزلة فريدة في عالم الكرة. وإذا تمكنت إسبانيا من رفع الكأس يــــــــــــــوم 1 يوليو المقبل في كييف، ستكون أول منتخب يتمكن من الحصول على ثلاثة ألقاب كبيرة متتالية، وستتفوق في الجدل الذي يدور بين وقت آخر حول أي المنتخبات هو الأفضل في تاريخ كرة القدم. ومنذ أن تخلص في فيينا عام 2008 من اللعنة التي طاردته دوماً، سيطرت إسبانيا على الكرة العالمية، ليس فقط عبر الألقاب وإنما في المقام الأول من خلال نموذج لعب يضرب بجذوره في العقود السابقة. وعبر الاعتماد على جيل من اللاعبين الذين يملكون مهارات خاصة، قرر الفريق الذي كان يدربه في ذلك الحين لويس أراجونيس الاقتراب دوما من الكرة وتجنب الالتحامات الجسدية والدفاع عبر الاستحواذ. وآتى الأمر ثماره. وبعد التفوق في ضربات الترجيح على الحاجز التاريخي المتمثل في دور الثمانية أمام إيطاليا –نفس المنافس الذي يستهل الفريق أمامه مشواره في دانسك في العاشر من يونيو المقبل، قدمت أسبانيا لمحات من الكرة الجذابة. ولد أسلوب «التيكي- تاكا». وحاول دل بوسكي عدم القيام بتغييرات قدر المستطاع، وحصد الفريق بعدها بعامين بطولة كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه. وانضم كاسياس وراموس وبويول وتشافي وإنييستا وألونسو وبوسيكيتس وفابريجاس وفيا وحتى المتراجع توريس، صاحب هدف التتويج في فيينا، إلى كتاب الأبطال التاريخيين الوطنيين. والآن بات التحدي مختلفاً، وهو ما يتحدث عنه دل بوسكي بقوله «الأمر الأصعب هو الفوز بعد الفوز»، مضيفاً «لكن الآن هدفنا هو الفوز بعد الفوز والفوز». لم يتمكن أحد من تحقيق ذلك من قبل. ألمانيا بقيادة فرانز بيكنباور اقتربت منه ، لكن بعد لقبي أوروبا والمونديال خسرت في نهائي بطولة الأمم عام 1976 على يد تشيكوسلوفاكيا. وحتى فرنسا مع زين الدين زيدان، والتي حققت اللقبين ولكن بترتيب عكسي ، فشلت تماماً في مونديال 2002 حيث لم تعبر حتى دور المجموعات. رغم ذلك، لم يتمكن أي من هذين الفريقين من تقديم كرة جميلة في عصره الذهبي كتلك التي تميز أداء الإسبان. فالعثور على أوجه شبه يحتاج إلى إيغال أكبر في الزمن. ويؤكد بيليه النجم الأكبر لمنتخب برازيلي أسطوري كان بطلاً للعالم وضم إلى جواره نجوماً مثل جيرسون وتوستاو وريفيلينو وكارلوس ألبرتو وجيرزينيو «منتخب البرازيل في السبعينيات كان يملك نفس الأداء»، ويوضح «لمسات الكرة، المهارة، كل شيء كان يملكه ذلك الفريق. إسبانيا تملك شيئاً من ذلك». أما منتخب البرازيل في مونديال 1982 بقيادة زيكو وسقراط وهولندا في مونديال 1974 بقيادة كرويف، فلن ينسى أحد كرتهما الجميلة، لكن لم يتمكن أي منهما من مزج الأداء بالانتصارات. وستلعب إسبانيا كل مبارياتها في الدور الأول من بطولة أوروبا بمدينة دانسك الواقعة شمالي بولندا. وسيكون معسكر استعداداتها على مسافة 60 كيلومتراً من المدينة، في فندق رياضي يقع ببلدة نائية تدعى جنيفينو. مكان شبيه بنيوستيفت في النمسا أو بوتشيفستروم في جنوب أفريقيا. إذن الظروف مهيأة ، لكن الخوف الأكبر لدى دل بوسكي ربما لا يأتي من ألمانيا أو هولندا أو البرتغال ، وإنما من الداخل. فخلال العامين الماضيين اشتد صراع العمالقة بين برشلونة وريال مدريد، الفريقان الأكثر أهمية بالنسبة للمنتخب، ليترك جراحاً في العلاقات الشخصية. وسيكون للحفاظ على وحدة وحافز الفريق عقب موسم آخر طويل ومنهك تأثيره في عمل المدرب وخطط الفريق، وهو ما يعني أن المنزلة الفريدة ستكون على المحك.