عواصم - (وكالات): قدم المبعوث الدولي كوفي عنان أمس استقالته من منصبه كموفد دولي وعربي في سوريا بعدما فشلت الجهود الحثيثة التي بذلها على مدى 3 أشهر في وقف القتال الذي “زاد عسكرة” في البلد، وندد بانعدام الإجماع في مجلس الأمن الدولي، فيما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 100 مدني قتلوا برصاص قوات الأمن السورية في دمشق وريفها وحمص ودرعا، بينما تسارعت وتيرة التطورات العسكرية في حلب حيث قصفت المعارضة المسلحة مطاراً عسكرياً قرب المدينة.
وقال كوفي عنان في مؤتمر صحافي في جنيف “بذلت ما في وسعي”. وأضاف أن “الكلفة الإنسانية الباهظة للنزاع والأخطار الاستثنائية لهذه الأزمة على السلام والأمن الدوليين بررت المحاولات للتوصل إلى انتقال سلمي نحو تسوية سياسية”.
لكنه تدارك إن “العسكرة المتزايدة للنزاع على الأرض والانعدام الأكيد للوحدة في مجلس الأمن، غيرا بشكل جذري الظروف لأمارس دوري بشكل فعلي”.
كذلك، أعرب عنان عن أسفه لعدم “تلقي كل الدعم الذي تتطلبه المهمة”، لافتاً إلى “انقسامات داخل المجتمع الدولي”، وخصوصاً مجلس الأمن. وأكد أن “كل ذلك أدى إلى تعقيد واجباتي”.
وانتقد عنان في هذا السياق عدم “أخذ” مجلس الأمن بخلاصات اجتماع جنيف في 30 يونيو الماضي والذي توافقت فيه الدول الأعضاء في مجموعة العمل حول سوريا على مبادئ عملية انتقال سياسي يقودها السوريون. وشدد على أن “انتقالاً سياسياً يعني أنه على الرئيس بشار الأسد التنحي عاجلاً أم آجلاً”.
وقبل دقائق من المؤتمر الصحافي لعنان، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في بيان “استقالة” عنان من منصبه.
وعين عنان في 23 فبراير الماضي في منصبه هذا لكن خطته من 6 نقاط لإرساء السلام في سوريا والتي لحظت وقف المعارك بين قوات النظام والمعارضة المسلحة وانتقالاً سياسياً لم تأخذ طريقها إلى التطبيق. وأعرب بان كي مون عن “امتنانه العميق للجهود الشجاعة” التي بذلها عنان و«لتصميمه”، مبدياً “أسفه العميق” لإنهاء مهمته. وأوضح أنه باشر مشاورات مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي لـ “الإسراع في تعيين خلف لعنان يستطيع مواصلة جهود السلام الأساسية”.
وتابع أن “دوامة العنف تتواصل في سوريا في شكل مأسوي”، لافتاً إلى أن “الحكومة وقوات المعارضة لايزالان يبديان تصميمهما على تصعيد العنف”.
وأضاف أن خطة عنان “تبقى أفضل أمل للشعب السوري”، غير أنه لم يخف أيضاً خشيته من أن “تؤدي الانقسامات المستمرة في مجلس الأمن إلى جعل عمل أي وسيط أكثر صعوبة بكثير”.
من جهتها، أكدت واشنطن أن استقالة عنان تعود إلى رفض روسيا والصين دعم القرارات التي تستهدف الرئيس السوري. ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقالة عنان بأنها “خسارة كبرى” يجب ألَّا تعيق جهود التوصل إلى حل دبلوماسي للنزاع في البلد.
من ناحيتها نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” عن وزارة الخارجية السورية قولها إن “سوريا تعرب عن أسفها لنبأ استقالة المبعوث الأممي وطلبه عدم التمديد له في مهمته”، مشيرة إلى أن سوريا “لطالما أعلنت وبرهنت عن التزامها التام بخطة عنان لكن الدول الساعية لزعزعة استقرار سوريا هي التي عرقلت وما زالت تعرقل تنفيذ المهمة”.
من جهته اعتبر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن “استقالة كوفي عنان، تظهر المأزق المأسوي للنزاع السوري”. وفي لندن لم يستطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إخفاء خلافاتهما بشأن الأزمة في سوريا.
ميدانياً، تسارعت وتيرة التطورات العسكرية ولا سيما في حلب، حيث قصفت المعارضة المسلحة مطاراً عسكرياً قرب المدينة. وذكرت مصادر متطابقة أن مطار منغ العسكري قرب حلب، الذي تقلع منه المروحيات والطائرات التي تشن هجمات على المدينة تعرض لقصف صباح أمس. وفي دمشق تجددت الاشتباكات في حي التضامن جنوب العاصمة بين مقاتلين معارضين والقوات النظامية. وللمرة الأولى، نفذت القوات النظامية، بحسب المرصد، “حملة مداهمات واعتقالات في حي المهاجرين الذي يعتبر من أرقى أحياء دمشق ويقع فيه القصر الجمهوري أسفرت عن اعتقال نحو 20 شاباً في حصيلة أولية”. سياسياً، وفي ما يبدو أنه تطور كبير في الموقف الأمريكي وقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما وثيقة سرية تسمح بتقديم المساعدة للمقاتلين المعارضين السوريين، فيما يشكل خطوة في اتجاه التخلي عن “الحذر” في التعامل مع الساعين للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.
وأعلن البيت الأبيض أن أوباما صادق على تقديم مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 12 مليون دولار للسوريين للمساعدة في التخفيف من وطأة “الفظائع الرهيبة” التي قال إن الرئيس السوري بشار الأسد يرتكبها. وأدى النزاع السوري إلى أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة، فقد أقفل ثلث الشركات الصغيرة والمتوسطة في سوريا منذ بدء الاضطرابات في البلاد قبل أكثر من 16 شهراً، بحسب ما نقلت صحيفة “الوطن” السورية عن عضو غرفة تجارة دمشق صونيا خانجي. وقالت خانجي إن “سوريا تمر بحالة حرب، أصبح لدينا بطالة و30% من المنشآت الصغيرة والمتوسطة أغلقت”.
بدورها، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” أن 3 ملايين سوري بحاجة إلى الغذاء والمساعدة في مجالات المحاصيل الزراعية والمواشي، مستندة في تقديراتها إلى إحصاء للأمم المتحدة والحكومة السورية. وفي أربيل، اتفق وزير الخارجية التركي أحمد داود واغلو ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارازني على مواجهة أي محاولة لاستغلال الفراغ في السلطة في سوريا من قبل “جماعات متشددة”. وقام الجيش التركي بمناورات عسكرية شاركت فيها دبابات قرب الحدود مع سوريا، هي الثانية في 24 ساعة، فيما اتهمت أنقرة النظام السوري بتسهيل تمركز متمردي حزب العمال الكردستاني شمال سوريا.
وفي عمان بحث وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا مع العاهل الأردني عبد الله الثاني الانتقال السياسي في سوريا “ما بعد الرئيس بشار الأسد”.
واليوم تصوِّت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار عربي يدعو الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي، مع استمرار القتال الدامي في بلاده بلا هوادة.