أ.د. موفق عبد الرزاق

في شهر رمضان المبارك في السنة الثانية من هجرته - صلى الله عليه وسلم- حصلت غزوة بدر، تلك الغزوة التي أعز الله بها الإسلام، ففرق بها بين الحق والباطل فسميت (يوم الفرقان).
وسبب هذه الغزوة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سمع بقافلة لقريش توجهت من مكة إلى الشام، فدعا أصحابه للخروج إليها لقاء أموالهم التي تركوها في مكة، ولان قريشا هي حرب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وليس بينه وبين قريش عهد، فلما خرج - صلى الله عليه وسلم- في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، فلما وصلوا قرب ماء بدر وجدوا أن القافلة قد هربت وتخلصت، وأن قريشاً استنفرت وجاءت بما يقارب الألف رجل (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).
وهنا اخذ - صلى الله عليه وسلم- يستشير أصحابه ما العمل؟ وماذا يفعل؟ وهو لم يخرج لقتال وإنما من أجل القافلة، فخوله أصحابه رضي الله عنهم وهو يبين لهم أشيروا علي أيها الناس، حتى تكلم المقداد بن الأسود وهو من المهاجرين ثم تكلم سعد بن معاذ وهو من الأنصار وكان عليه الصلاة والسلام يريد رأي الأنصار، لأن الأنصار لم يبايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم- على القتال معه خارج المدينة، ولكن البيعة كانت على أساس داخل المدينة وهي المسماة “بيعة العقبة الثانية” قبل هجرته - صلى الله عليه وسلم- وكانت على أن ينصروه إذا قدم إليهم، فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله أضعن حيث شئت وصلْ حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا منها ما شئت، ثم قال له فوالله لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك (وهو مكان في اليمن) ولئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، حتى قال كلاما أنسر النبي - صلى الله عليه وسلم- منه فقال للناس “ سيروا وابشروا فوالله لكأني انظر إلى مصارع القوم”.
فنزل - صلى الله عليه وسلم- بالعدوة الدنيا مما يلي المدينة، وقريش بالعدوة القصوى مما يلي مكة، وما إن بدأت المعركة وإذا ببشائر النصر تظهر للمسلمين حتى قبل بداية المعركة.

النصر حليف المسلمين ومن أسباب النصر ما يأتي:-
أولاً: القيادة الفذة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- حيث كان يشجع أصحابه على القتال، ومشى في ارض المعركة وهو يشير إلى مصارع المشركين ومكان قتلهم هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فكان هذا سبباً من أسباب نصر الله للمؤمنين.
ثانياً: الدعاء، حيث وقف - صلى الله عليه وسلم- يدعو الله أن ينصره في هذه المعركة، فأجاب الله تعالى دعاءه “إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ”.
ثالثاً: نزول الملائكة، حيث نزلت الملائكة تقاتل مع الصحابة في هذه الغزوة فكان سبباً لنصرهم والله تعالى يقول “إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ”.
رابعاً: نزول المطر، كان سبباً من أسباب النصر للمسلمين حيث كان على المشركين وابلاً شديداً ووحلاً وطيناً زلقاً يمنعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلا طهرهم به وثبت الأقدام.
خامساً: النعاس، حيث كان أماناً للمسلمين إذ ناموا تلك الليلة، وأما أهل الشرك فكان الخوف قد خيم عليهم فلم يناموا فلما كانت المعركة خسروها، والمولى تعالى يقول “إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ”.
سادساً: التضحية كانت سببا من أسباب النصر، فلما ضحى الصحابة ووقفوا وكفوا بما عاهدوا عليه، فذاك عمير بن الحمام رضي الله عنه عندما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- يبشر بالجنة لمن يقاتل العدو فقال عمير: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “نعم”، فكانت بيد عمير تمرات فرماها وقال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فألقى التمرات، فقاتل حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه شهيداً.
سابعاً: قوة الإيمان والتوكل والصبر، كل ذلك كان سبباً من أسباب النصر حتى عاد المسلمون إلى المدينة المنورة، فكانت تلك الغزوة قد أعطت قوة لدولة الإسلام الفتية التي تأسست في المدينة المنورة بقيادة النبي الكريم عليه الصلاة والتسليم، حيث كانت هذه أول غزوة من الغزوات المكملة، والتي غيرت مجرى التاريخ، حيث أصبح الناس يحسبون للمسلمين ألف حساب” وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”.
اسأل الله النصر للإسلام والمسلمين في كل وقت وحين