^ سألت الصديق الكاتب حسن المدني عن تقييمه لحقيقة هذه الفزعة المتزامنة بين الداخل والخارج المعادي لمجرد فكرة الاتحاد الخليجي، وما جرى ويجري من جدل حول هذه الهيستيريا غير المسبوقة بالتناسق بين الخطاب الإيراني المعادي، وبين أصوات معارضة أفقدها عداؤها للسلطة رشاد النظرة العاقلة لحقيقة الأمر، فتصاعدت نبرات التنكر من الجهات السياسية التي تستكثر حتى وصف خليج العرب بكونه عربياً، فرد متسائلاً: قد لا يعرف إنسان خصمه.. لكن هل يجهل إنسان اسمه؟ فهؤلاء المتصايحون المتباكون عن السيادة الوطنية التي سيبتلعها الاتحاد الخليجي المفترض هم أول من يستهين اليوم وبالأمس بالسيادة الوطنية، فهم لا يهتمون كثيراً بثوابت الهوية العربية للبحرين فما بالك بما يجمع أهل الخليج وحكامهم من روابط هي الأعمق بين دول ومجتمعات الدنيا كلها. قلت: هم يقولون ويرددون يومياً أنهم «الشعب» وأن «الشعب لا يريد الوحدة»؟ قال: هم في الحقيقة يعيشون على وهم الكثرة في ظل ما يرددونه يومياً بأنهم «الشعب» والشعب هم، والحقيقة أنهم لو كانوا من الشعب ومع الشعب لأدركوا أن الشعب مع الاتحاد، وضد الارتباط بإيران بأي شكل من الأشكال، لأن هذا الشعب الطيب يعلم علم اليقين من تكون إيران وماهية نظامها وعنصريتها وكرهها لكل ما هو عربي، ويمتلك من الوعي والإدراك ليجعله قادراً على التمييز بين الادعاءات الطارئة وبين التمثيل السياسي وبين حقائق الأمور، وحقائقها أن هذا الشعب واحد متضامن ومتعايش من قرون، وتعمل ماكنة الطائفية دون جدوى على الفصل الطائفي بين مكوناته، وها هم اليوم يلعبون لعبة «معاداة الاتحاد الخليجي وإشاعة فكرة الابتلاع»، بينما لا ينبسون ببنت شفة في وجه الادعاءات الإيرانية والتدخلات الإيرانية السافرة في سيادة بلدنا والمساس بسيادتها، بما يؤكد أن سيادة هذا الوطن هي آخر همهم.. لذلك فإن ما يشيعونه عن السيادة والاستقلال هو مجرد تمويه سياسي مكشوف. قلت: وما تفسيرك لحالة هؤلاء المتقلبين بين يسار ويمين، بين العروبة ونقيضها في موضوع الاتحاد، وفي غير الاتحاد، فلكثرتهم لم نعد قادرين على التمييز بين الأحمر منهم والأسود والأبيض، فقد ساحت الألوان على بعضها البعض وتحولت إلى بانوراما إيديولوجية تنتمي إلى المدرسة السريالية في السياسة إن صح التعبير؟ قال: حينما كنت في الثانوية كان عمي الشيخ سليمان المدني رحمه الله يتكلم عن هذا النوع من الأشخاص الذين يتقلبون ويتلونون في كل فترة، ويتبعون الموضات الفكرية والسياسية، فقلت له: أعرف شخصاً كان مع الثورة الإيرانية، واليوم هو ضدها، وقد تحول 180 درجة في موقفه، فضحك وقال: أنت تتكلم عن شخص واحد، وأنا اعرف جماعات يتغيرون من النقيض إلى النقيض، من شيوعي إلى إسلامي ومن إسلامي إلى شيوعي، فهذا ديدنهم.. وبالفعل مرت السنون فرأينا العديد من الأفراد وحتى الجماعات التي كانت من «صفوة» الشيوعيين في الستينيات، وفي مقدمة الديمقراطيين في السبعينيات، قد تحولوا إلى إسلاميين متطرفين بقدرة قادر، بل وتحول منهم العشرات -وهم من النخب المعروفة في صفوف اليسار- إلى خمينيين، بل من المؤسف حقاً أن منهم من أصبح طائفياً بامتياز حتى النخاع، فنراهم اليوم لا يظهرون إلا في القنوات الإيرانية التي تزعق ليل نهار «البحرين أرض إيرانية». ويورد المدني في هذا السياق قصة طريفة، ولكنها ذات دلالة على هذا النوع من المواقف اللامبدئية، فيقول: «حين عزم مجموعة من الدينيين زيارة مرشد الثورة الإسلامية في إيران في تسعينيات القرن الماضي، وكان معهم شخص شيوعي يجاهر بانتماءاته الحزبية، وكان لابد أن يذهب معهم فألبسوه ملابس رجل دين، ووضعوا على رأسه عمامة رجل دين، وأدى الزيارة بالفعل، بصفته تلك دون أن يشعر بأي حرج في ذلك، وهو اليوم موجود بيننا، ويمارس عمله كحقوقي يساري، وما تزال تلك الصورة التاريخية موجودة، لتؤكد على مثل هذه الحقائق المؤلمة حول النزعات اللامبدئية في السياسة».