كيــف نفهـــــم العــــلاقـــــــات الدوليـــــــة؟



تتناقل يومياً وسائل الإعلام المتعددة أخباراً تتعلق بالعلاقات بين الدول والأحداث التي تتم في جميع الدول سواءً كانت إيجابية أو سلبية، وفي معظمها تظهر مواقف دول ومنظمات وشخصيات كثيرة. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل؛ ما هي العلاقات الدولية؟ وكيف نفهمها؟
تاريخ العلاقات الدولية قديم جداً ويرتبط بنشوء الأمم والحضارات في العالم، حيث كانت الاتصالات التي تتم فيما بينها تمثل العلاقات الدولية آنذاك، وهي علاقات لم تكن يوماً مستقرة، ففي أوقات كثيرة كانت تتسم بالسلم، وأوقات أخرى شهدت ظروفاً غير مستقرة وحروباً وثّقتها أحداث التاريخ حتى يومنا المعاصر.
لذلك فإن العلاقات الدولية هي شكل العلاقات ونمط التفاعل الذي يتم بين مجموعة من الكيانات وتشمل الدول، والحكومات، والمنظمات الإقليمية والدولية، والشركات متعددة الجنسيات، وحتى الأشخاص الذين يمثلون قيادات الدول من رؤساء وملوك وغيرهم، وهؤلاء جميعهم يسمون من الناحية العلمية بأنهم وحدات المجتمع الدولي.
العلاقات الدولية قد تكون رسمية وقد تكون غير رسمية، وهي علاقات تؤثر فيها العديد من العوامل مثل الأنشطة التجارية، ووسائل الإعلام، والقوة العسكرية. وتختلف العلاقات الدولية عن مفهوم السياسة الخارجية التي تمثلها القرارات التي تتخذ لتحقيق أهداف الدولية الخارجية. وتقوم العلاقات الدولية على نوعين من أنواع السلوك، أحدهما الأفعال التي تتخذها الدول، مثل قيام إحدى الدول بغزو عسكري، أو اتخاذ قرار بمقاطعة اقتصادية تجاه إحدى البلدان، أو تحالف بين مجموعة من الدول. أما النوع الثاني من أنواع السلوك في العلاقات الدولية، فهو ردود الأفعال بين الدول على قضايا ومواقف معينة.
نشأت العلاقات الدولية كما ذكرنا من حقب تاريخية قديمة، ولكنها في تاريخها المعاصر تعود إلى بدء النظام الدولي الحديث الذي بدأ بمعاهدة ويستالفيا التي أنهت الحروب الدينية في أوروبا عام 1648، وكان التركيز في البداية يتعلق بالعلاقات الدبلوماسية بين الدول، وكيف تبحث البلدان إقامة علاقات بين الدول وتطورها من خلال إقامة علاقات دبلوماسية يتم فيها التبادل الدبلوماسي وفتح السفارات في أي بلدين. واستمر هذا الحال حتى فترة ما بين الحربين العالمية الأولى والثانية.
بشكل عام كان القرن العشرون محطة تاريخية مهمة للعلاقات الدولية بسبب التطورات التي شهدها العالم خلال هذه الفترة، ومن أبرزها تطور وسائل الإعلام، وتشكّل الدول القومية بشكلها الحالي اليوم. كما أدت معاناة العالم من حربين عالميتين راح ضحيتها الملايين من سكان الأرض إلى البحث عن آليات جديدة تساهم في إرساء السلم والأمن الدوليين والحفاظ على علاقات دولية مستقرة بين الدول، كما هو الحال بالنسبة لإنشاء عصبة الأمم التي انهارت عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية في العام 1939، وأدى انتهاء الحرب في العام 1945 إلى تأسيس هيئة الأمم المتحدة التي تعد اليوم الضمانة الدولية الأولى للحد من الصراعات والنزاعات بين الدول، والضمانة لتحقيق الأمن والاستقرار الدولي.
بعد الحرب العالمية الثانية انشغلت الدول بتطوير علاقاتها على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وحتى المجالات الأخرى. ولكن ظهور قوتين رئيستين في العالم وهما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية أدى إلى استقطاب دول العالم للتحالف مع هاتين القوتين العظميين، وحرصت العديد من دول العالم إلى عدم الانحياز لهاتين القوتين وهو ما أدى إلى تأسيس حركة عدم الانحياز كردة فعل على حالة الاستقطاب والتحالف للاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في تلك الفترة، وهو ما سمّي آنذاك بالحرب الباردة باعتبارها ليست حرباً عسكرية وليست حالة سلم واضحة في العلاقات بين الدول.
بمرور الوقت اهتمت الدول في تطوير قوانين وأنظمة دولية تساعد في الحفاظ على استقرار العالم وضمان أمنه، وبدأت بالتفكير جدياً باستحداث منظمات دولية تعنى بتنظيم التعاون الدولي في مجالات عديدة، ولذلك أسست العديد من المنظمات الإقليمية والدولية التي تعنى بتنظيم مجالات التعاون الدولي المختلفة.
نتيجة للتطور المتسارع في العلاقات الدولية، وتأثيرها على المجتمعات وامتداد تأثيرها إلى الدول الأخرى، كما هو الحال بالنسبة لوسائل الإعلام التي صارت تؤثر في مجتمعات خارج نطاق الدولة التي تعمل فيها. ظهرت لاحقاً الشركات متعددة الجنسيات وهي شركات ضخمة تتعدد في الملكية والإدارة وحتى التسويق ليشمل أكثر من دولة واحدة مثل شركات البترول والبنوك والمؤسسات الصناعية والتجارية الكبرى، وأصبح لهذه الشركات دوراً رئيساً في العلاقات الدولية، بسبب مساهمتها في إيجاد مصالح دولية مشتركة بين أكثر من دولة.
في العام 1991 أعلن سقوط الاتحاد السوفييتي وصارت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الوحيدة الأكثر تأثيراً على مستوى العالم. وبدأ شكل العلاقات الدولية بالتغيّر بسبب وجود عوامل وسمات جديدة لم تكن موجودة سابقاً. ولم تساعد الآليات التي استحدثتها دول العالم في منع الصراعات الإقليمية والدولية على إنهائها مثل الأمم المتحدة، وإن كانت لها جهود إيجابية مهمة في العديد من المجالات.
وتبقى السمة الأبرز في العلاقات الدولية حالياً هي انعدام خصوصية الدول، وتراجع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الذي يعد من مبادئ الأمم المتحدة للعلاقات الدولية، مما يعني انتهاء حالة بقاء الدولة معزولة عن بقية الدول، إذ تتأثر بكافة العلاقات سواءً كانت طرفاً فيها أم لم تكن.
[email protected]