كتب – هشام الشيخ:
ابتسامة ونشاط يلازمان الخباز الآسيوي عبدالقيوم أحمد، رغم عرقه المتصبب الذي لا يكاد يجف طوال فترة عمله حيث يخرج رغيفاً ليضع آخر بمهارة لافتة، واقفاً أمام لهيب الفرن أكثر من 12 ساعة هي فترة عمله طوال نهار رمضان.
وفي حين يمضي أحدنا مسرعاً إذا وقف لدقائق معدودة أمام نافذة المخبز، فإن مثل هذا العامل يمضي يومه ومثله كثيرون في مهن أخرى، لا تجدي مع ظروف عملهم الوسائل الحديثة في التكييف، ولا قرارات حظر العمل في فترة الظهيرة تحت أشعة الشمس، فهو يعمل يومياً في مواجهة درجة حرارة ووهج لا يقل عن حرارة الشمس في يوليو وأغسطس.
خلال شهر رمضان يبدأ عبدالقيوم عمله في المخبز الساعة الثانية بعد الظهر، ويستمر حتى الثالثة فجراً مع انتهاء فترة السحور، تتخللها ساعة الإفطار، إلا أنه يقول إن الإقبال على شراء الخبز يقل في رمضان بشكل كبير بسبب زيادة الإقبال على إعداد الطعام المنزلي.
يشعر هذا العامل بإرهاق وتعب كبير مع اقتراب ساعة الإفطار، ويقول إن هذا هو حال جميع زملائه في المهنة في أكثر من 40 مخبزاً في منطقة الرفاع وحدها، لكنه يؤكد أن الصوم ركن من أركان الدين ولا يمكن التفريط فيه، كما إنه يؤكد حبه واعتزازه بعمله كخباز طيلة 15 عاماً قضاها في مملكة البحرين.
وإلى جانب مكانة الصوم من الناحية الإيمانية، يبدو أن سبباً آخر يدفع عبدالقيوم وسواه من أصحاب الأعمال الشاقة لتحمل مشقة العمل، وهي حاجته الملحة للإنفاق على أسرته ومن يعول في بلاده، وهو ما تجلى في رده حين سئل عن سبب استمراره في العمل فترة طويلة في هذه المهنة قائلاً إنه ليس لديه خياراً آخر وإنه راض بذلك، رغم تأكيده على شغفه بمهنته.
ويشترك مع الخباز في مشقة العمل أثناء الصوم التي تضاف على مشقة العمل ذاته، مهن أخرى كعمال التشييد والبناء وهو القطاع الذي يحتل المرتبة الأولى في ضحايا حوادث العمل التي ذهب ضحيتها حوالي 100 شخص خلال الثلاثة أعوام الماضية. يضاف إليهم البائعون الجائلون، وغاسلو السيارات، ورجال المرور، والعمال في ورش إصلاح المعدات والسيارات، مع تفاوت في طبيعة العمل والمجهود المبذول وساعات العمل.
ويفتي علماء الدين بحرمة الفطر في نهار رمضان بسبب مشقة العمل، وقالوا بوجوب التنسيق بين العمل وبين الفريضة إذا تعارض أداء ما فرضه الله من العبادات مع العمل الدنيوي حتى يتمكن من القيام بهما جميعاً.
وأجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية على سؤال يخص عمل الخباز تحديداً حيث يواجه عطشاً شديداً وإرهاقاً في العمل هل يجوز له الفطر؟ فكانت الفتوى بأنه “لا يجوز لذلك الرجل أن يفطر، بل الواجب عليه الصيام، وكونه يخبز في نهار رمضان ليس عذراً للفطر، وعليه أن يعمل حسب استطاعته”.
وكان الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة ظهر العام 1961 وهو يفطر في نهار رمضان ودعا الشعب إلى الإفطار وطلب من مفتي تونس وقتها الطاهر بن عاشور أن يفتي في الإذاعة بجواز الإفطار بدعوى زيادة الإنتاج، فما كان من الشيخ إلا أن فاجأه بقراءة آية الصيام، وقال بعدها: “صدق الله وكذب بورقيبة”، فكان ذلك الموقف سبباً في حماية هذه الفريضة وأحد أركان الإسلام في تونس.
وعبدالقيوم، وعاملان آخران يعملان معه في المخبز، سعداء بعملهم، وصوم رمضان أهم عندهم من كل شيء.. حين يؤذن المغرب يدعون الله تعالى أن يتقبل منهم ويعينهم على العمل والصوم؛ رجاءً في الثواب، وطلباً للرزق.