كتبت- زهراء حبيب: بين جدران منزل المواطن البحريني عبدالله قدير قصة مؤلمة ليست بدايتها صراخ طفل لم يتجاوز الـ7 سنوات، خضع لعملية جراحية في رأسه لاستئصال ورم سرطاني، ومازالت هناك بقايا للورم، مروراً ببكاء أب عسكري سابق عاطل عن العمل لا يملك حيلة، وليست نهايتها أم أجنبية بلا جواز سفر. استقبلنا المواطن قدير أمام منزله في الحجيات بابتسامه خبأ وراءها حزناً وخوفاً، دخلنا منزله المتواضع بحثاً عن طفله المريض، وفي إحدى الغرف كان ينام طفلان على كرسي، وطفل في حضن والدته، فيما هناك طفل نحيل يرتدي “جلابية” وحفاظة غرق في سبات عميق كأنه ملاك أبيض البشرة فوق إسفنجة وضعت على الأرض، وأشار الأب بيده: هو ذا طفلي ناصر. جلس الأب الذي يتكئ على عكازة من الخشب جراء اصابته بكاحل رجله، والشيب يغزو وجهه قرب ناصر، فبادرت “الوطن” بسؤاله عن حالة ابنه، فما لبث أن أخذ نفساً عميقاً وسرد لنا تفاصيل المسألة، بجملة اختصرها قائلاً: “دخل ناصر يضحك ويتكلم ويمشي على رجليه إلى المستشفى العسكري وخرج منها شبه معاق فاقداً القدرة على الكلام.. انظري للغرز في رأسه”. وروى الأب بداية معاناة ناصر مع المرض، الذي بدأت ملامحه كنزلة معوية أصيب بها الطفل قبل 6 أشهر، بالتقيؤ المستمر في فترات الصباح، ونقصان الوزن بصفة تدريجية حتى تفاقمت حالته، فلجأ الاب إلى مركز الرفاع الصحي فأخبره الطبيب أن ابنه يعاني من التهاب في الحلق وتم تزويده بمسكنات آلام، وهذا ما أكده مركز كانو الصحي، ومستشفى الأمل الذي أجرى له الفحوصات اللازمة وجازماً أن ناصر يعاني من جرثومة منتشرة بالجو ولا أكثر من ذلك.وفي اليوم التالي من زيارة ناصر لمستشفى الأمل أخبر والده أنه يشعر بالتعب وعلى وجهه ابتسامة لم يعتقد الأب أنها ستكون ابتسامته الأخيرة، وبدأت حالة ناصر تسوء حتى أصبح غير قادر على توازن جسمه، فأخذ يسقط من فوق السلم، ويسير بصفة غير متوازنة، فلجأ هذه المرة إلى المستشفى العسكري بعد أن استطاع تأمين 8 دنانير قيمة فتح ملف لناصر. وبعد إجراء الفحوصات والأشعة اللازمة جاءه الخبر اليقين: “ابنك مصاب بورم خطر في الرأس، ويجب إخضاعه للعملية غداً على وجه السرعة”، شعر عبدالله بدوران الأرض تحته، صعق مما سمعته أذناه، أصبح في ممر ضيق لا توجد فيه مخارج إلا واحد وهو الموافقة على فتح دماغ ابنه الملاك لاستئصال الورم. دخل ناصر إلى غرفة العمليات وهو يجهل مصيره، واستغرقت العملية نحو 6 ساعات ونيف، تكللت بالنجاح بنسبه 95% وفق ما أخبر الطبيب الذي أجرى العملية الأب، عندما أعطاه التقرير الطبي عن حالة ناصر. مكث الطفل ناصر في المستشفى 14 يوماً منها يوم بالعناية المركزة، بعدها خرج كالطفل الذي لا يتجاوز عمره الأشهر: عاجزاً عن الحركة والكلام فاقداً لحس التجاوب مع الاخرين، وبمراجعة الطبيب طمأنه أن حالة الطفل ستتحسن مع مرور 3 أشهر من إجراء العملية. مر من الثلاثة أشهر 23 يوماً، ومازال ناصر عاجزاً عن الوقوف على قدميه أو الكلام، ووسيلة التعبير عن حاجاته للطعام وتغير ملابسه او التنزه هو البكاء بصوت عالٍ. وسرد الأب بعض المعاناة التي عاشتها الأسرة طوال تلك المدة، وقال إنه خلال12 يوماً مضت كان ابنه ناصر يتناول دواء لما بعد إجراء الجراحة في رأسه، وكان هذا الدواء يجعله في حالة هستيرية وبكاء متواصل بالساعات بصوت مرتفع، ولا يهدأ حتى يأخذونه للتنزه بالسيارة لحين دخوله في نوم عميق حينها يستطيع والده العودة إلى المنزل. وبسؤال “الوطن” عن علة ناصر في الوقت الراهن بعد إجراء العملية الجراحية لاستئصال الورم السرطاني، قال الاب وهو يبكي أحب الأبناء لقلبي ناصر يحتاج إلى العلاج بالخارج فما زالت هناك بقايا للورم يجب استئصالها بالليزر، وهذه العملية يمكن إجراؤها في إحدى المستشفيات الخاصة المعروفة في المملكة الاردنية الهاشمية، ويستمر العلاج 6 أشهر متواصلة بكلفة لا تقل عن 25 ألف دينار، وهو مبلغ لا يملكه رجل عاطل عن العمل وعسكري سابق مستقيل ومدرب سياقة عاجز، ومعيل لأربعة أطفال أكبرهم ناصر. ورغم الألم والحسرة على أحب الأبناء على قلبه، لا ينقطع من لسانه ذكر الله وشكره إيماناً منه بقسمته في هذه الحياة، ويجره الحديث إلى عجزه عن إيجاد عمل يعيل به أبناءه الصغار بعد أن أغلقت إدارة المرور أبوابها في وجهه عندما طلب استرجاع رخصته مدرباً للسياقة، علماً أنه كان يعمل في مجال السكراب بعد استقالته من السلك العسكري، لكنه ألغى جميع السجلات التجارية الخاصة ببيع الحديد منذ مدة طويلة، وهي في حد ذاتها معاناة أخرى. أما المعاناة الثالثة فهي زوجته الثانية آسيوية الجنسية، والدة ناصر وأخوانه الثلاثة المسحوب جوازها منذ سنوات عدة، رغم مخاطبتهم للهجرة والجوازات لاسترجاعه لكن لا حياة لمن تنادي. جل ما يطالب به المواطن العفيف عبدالله أن تتولى وزارة الصحة علاج ابنه في الخارج لتعود ضحكته والحياة إلى منزلهم، وناشد وزير الداخلية السماح له بالعمل مجدداً في مجال تدريب السياقة ليوفر قوت أبنائه ويجنبهم مد اليد للآخرين، وليؤمن مستقبلهم، بعد أن استطاع تأمين حياة أبنائه من الزوجه الأولى، حتى كبروا وأصبحوا الآن قادرين على تحمل مسؤوليتهم، واسترجاع جواز زوجته الثانية أم ناصر لتتمكن من صلة رحمها في الهند. أنهت “الوطن” حديثها مع المواطن عبدالله وكان ناصر بدأ في الاستيقاظ شيئاً فشيئاً، وبعد ثوانٍ بدأ بالبكاء محاولاً رفع جسده عن فراشه، فعلمت الأم أنه يخبرها برغبته في تبديل ملابسه بعد قضاء حاجته، وتلطخ ملابسه، فرفعته وأسنده والده لإدخاله إلى الحمام، فيما خرجنا من المنزل تاركين وراء هذه الجدران معاناة طفل يحلم بدخول المدرسة بداية الفصل الدراسي المقبل.