لا شيء أروع وأجمل في الحياة من أكتاف تستند على بعضها، وقلوب تلتحم بأخوّتها ومحبتها، وعقول وأبدان يسخّرها أصحابها من أجل أخوة وأصدقاء وأهل وأحبة وجيران وشركاء في الوطن...إلخ. فهؤلاء هم دائرة الضوء التي تنير وتؤنس وجودنا، وتمنحنا الدعم وتغذّينا بالصلابة.
في أشد المحن قسوة وأسوأ المصاعب قتامة، تكتشف كم أنَّ وجودهم المعين وحضورهم الفاعل قادر على تبديد أقسى مصاعبنا وأحلك همومنا، بل وقادر كذلك على صنع المعجزات والعجائب، تلك التي تثبت أنَّ لا قوة تضاهي وتنافس اتحاد وتآزر أحبة وأخوة وأصحاب وشركاء، حافظوا على نقاء روابطهم وبقوا على صفاء علاقاتهم مع بعضهم.
إنَّ المفارقة الغريبة هنا، إنه رغم بديهية ووضوح أهمية علاقاتنا في تحديد نوعية حياتنا، ومحورية روابطنا بالنسبة لسعادتنا وأماننا النفسي، فإننا نتنازل بسهولة أمام أي تحدٍ وصعوبة ونستسلم لما يفسد علاقاتنا ويضعف روابطنا، وكذلك نتوقف عن شحذها وتطويرها وضخ رعايتنا واهتمامنا فيها ومن أجلها، وكأنها تحصيل حاصل لا تحتاج لأن نوليها جلَّ تركيزنا!، لتكون النتيجة في النهاية أننا نفقدها، أو على أقل تقدير نفقد قوتها وتأثيرها، و(الأفدح) من ذلك أننا نمضي غير آسفين عليها.
روابطنا الإنسانية هي نعمة الرحمن علينا، لنبقها أرضاً مقدّسة وحرماً آمناً يجب أن تسقط عند أسوارها جميع اختلافاتنا، لا يفرّقنا فيها تباين أفكارنا ولا يبعدنا عن بعضنا اختلاف طباعنا وميولنا، كما لا يفصلنا أبداً تعدد قناعاتنا واتجاهاتنا، فإنّ تلك العلاقات هي صعيدنا الطاهر، وهي دليلنا الموثوق أننا مازلنا نحترم إنسانيتنا، ونعلي من صوت الحب فوق ضجيج الاختلاف والحساسيات وسوء الفهم وإساءة الظن.
هذه ليست أحلام حالم ولا بثّ محزون على أطلال علاقات ضاعت وبادت، ولا تنظير أو فلسفة أو مجرد حروف رواية تنأى عن الواقع، بل هي حاجة ملحة تنطلق من كل زوايا حياتنا وتمس كل علاقاتنا وصلاتنا، في خارج بيوتنا كما هي في داخلها، فأفراد الأسرة الواحدة في تشاكس، مثلما في هذا هم أفراد المجتمع الواحد لا يختلفون، رغم كل ما يربطهم ومتانة ما يجمعهم إلا أنهم يأثرون أنقاض ما اختلفوا فيه وتباينوا.
لندق الناقوس هنا ونتوقف الآن... فلدينا هنا شهر رمضان، فكما هي موائد الخير والرحمات ممتدة، فإنَّ حبال الله كذلك تدلّت من عليائها، لتمنح البشر فرص جديدة لأنْ يعيدوا لحياتهم اتزانها وتوازنها وخيرها وصلاحها، فلنستعين بحبال الخير تلك، ننسخ منها حبالاً أخرى تربطنا مع بعضنا نحن البشر. فلنتخذ خطوات أو حتى مجرد خطوة واحدة صغيرة لا يهم، فالمهم هو أن نبدأ، ومن هنا حيث شهر رمضان ونمضي نرمم جسورنا المتحطمة مع بعضنا، ولنضخ الحياة من جديد في عروقٍ نزفت حتى جفت.
إن أبرز وصايا رسول المحبة صلى الله عليه وسلم لشهر رمضان، هي أن نصل أرحامنا وجيراننا وإخواننا وأصحابنا وأهل محلتنا...إلخ، ونبرّ ما استطعنا كل من حولنا. ولا شيء هنا أبرّ ولا أوصل من إصلاح علاقاتنا وشحذ روابطنا.
نعيمة رجب- جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية