كتب - طارق مصباح:بدأت معاناتها قبل 2004، وفي 2007 أُدرج بيتها ضمن مشروع “الآيلة”، وخرجت منه مضطرة إلى شقة صغيرة تأويها مع ابنها وابنتها وأحفادها بعيداً عن القوارض التي كانت تغزو بيتها المتهالك و«أم أربع وأربعين”، وإلى اليوم لم يعد بناء بيتها، وأصبح وكراً لأصحاب النفوس الضعيفة ومتعاطي المخدرات ومخزناً تتراكم فيه مواد البناء والقاذورات.ما ذُكر ليس قصة من نسج الخيال، بل معاناة مواطنة من سكنة المجمع 814 بمدينة عيسى، ويتحدث جارهم جعفر حسين عن معاناتهم “ما يصيب بيت أم سلمان يصيبنا، بيتنا أيضاً يعاني من نفس المشكلة وتقدمنا سوياً قبل 6 سنوات لمشروع البيوت الآيلة للسقوط، ولكن بسبب ما حدث من تأخير لإعادة بناء بيتها لم نخرج وتحملنا الألم”.أم سلمان انتقلت إلى 3 شقق خلال السنوات الـ6 الماضية، لم تستطع المواصلة في دفع الإيجار الشهري، وبالمقابل من حقها الحصول على مبلغ الإيجار من وزارة البلديات ولكنها لم تحصل على أبسط حقوقها، وتقول والحسرة تملأ صدرها “لجأت إلى الصحافة والإذاعة وخاطبت جميع المسؤولين دون جدوى، لم أسمع كلمة حانية تقول لي أنتِ أرملة وعلينا كمسؤولين الإسراع في إعادة بناء بيتك وحفظ كرامتك” واستطردت بحرقة “الشكوى لغير الله مذلة.. ولكن من أين أطعم أحفادي؟ المصاريف زادت والحال لا يخفى على أحد”.جعفر حسين قال إنه منذ أيام قلائل تم ضبط مجموعة من متعاطي المخدرات بداخله ليلاً، والقصص في ذلك كثيرة.ليست أم سلمان هي القصة الوحيدة ضمن قصص البيوت المهجورة، رغم أن بيتها يشبه بيوت العفاريت، دخلته ذات يوم والتقطت بعدستي العبارات المكتوبة على جدرانه، بيت تفوح منه الرائحة النتنة وتتجمع فيه القاذورات وترمى فيه الملابس المستعملة. أزمة البيوت المهجورةوقال عضو مجلس النواب عيسى القاضي إنه من خلال السنوات الثمانية التي قضاها في العمل البلدي، خلُصَ إلى أن ملف البيوت المهجورة لايزال بحاجة إلى عمل دؤوب، مشيراً إلى أن الجهود المبذولة حالياً لا تتفق مع حجم المشكلة وتبعاتها، وأن العديد من البيوت تكون مفتوحة ليلاً ونهاراً وتقع فيها الحوادث المنافية للأخلاق و«تشكل تلوثاً بيئياً من حيث شكلها ومحتواها”.ويرى القاضي أنه يوجد حالياً مماطلة في حلحلة الملف وتقاذف متبادل للمسؤوليات لبعض ملفاته بين الوزارة المجالس البلدية، مطالباً بسرعة التواصل مع أصحاب البيوت والإسراع في هدمها.وفي رابعة الوسطى قال الممثل البلدي للدائرة غازي الحمر، إن البيوت المهجورة تعد خطراً على الناس باعتبارها مصدر ضرر أخلاقي وبيئي وصحي، مناشداً الحكومة أن تستملك أراضي تلك البيوت وتقيم عليها عمارات لعلاج المشكلة الإسكانية.أماكن لتكاثر القوارض وفي جولة بمنطقة الحجيات حيث توجد بعض البيوت المهجورة بين المنازل الجديدة، فهذا بيت قديم أغلقت أبوابه بالألواح الخشبية وبني على نوافذه الطابوق ما السبب؟ الإيضاح وجدته عند العضو البلدي للدائرة أحمد الأنصاري وقال “هذه البيوت تلقينا بشأنها العديد من الشكاوى من قبل السكان، بعد رصدهم العديد من الشباب الذين يدخلون فيها في منتصف الليالي لممارسة الفواحش وتعاطي المخدرات”.لكن الأنصاري انفرجت أساريره وهو يعلمنا “وجدنا تعاوناً كبيراً من قبل مديرية شرطة الوسطى والجهاز التنفيذي للبلدية، وجرى إحكام غلق مداخل هذه البيوت المهجورة التي هجرها ملاكها”، مستدركاً “هجروها لأنها مدرجة ضمن البيوت الآيلة للسقوط، والمشروع متوقف حالياً لأنه تحول إلى وزارة الإسكان، والمشكلة مازالت مستمرة، لأن البيوت أصبحت بيئة صالحة لتكاثر القوارض والزواحف والسحالي والحشرات ولا يستطيع بالطبع عمال البلدية تنظيفها من الداخل”.بيت آخر يقع في مجمع 929 بالحجيات مازال مهجوراً لأكثر من 10 سنوات، الأهالي يترقبون إزالته بين الحين والآخر، ويسألون من المسؤول عن التأخير؟ وعملية الهدم تنتظر توقيع من؟ ولم هذه الإجراءات التي تمتد لسنوات في أروقة المحاكم؟ ولم لا يتعاون بعض المواطنين مع وزارة البلديات تحقيقاً للمصلحة العامة؟.تعاون لمصلحة الجميعتركت “الحجيات” لأزور المناطق القديمة في المنامة وتحديداً في الحورة والقضيبية التي مازالت تعاني من البيوت القديمة، والتقيت العضو البلدي غازي الدوسري وأكد لي أن عدد البيوت المهجورة قلَّ عن السابق، بعد هدم العديد منها في الفترة الماضية.وأوضح الدوسري أن تعاون الأهالي حال دون تحول تلك البيوت إلى أوكار لممارسة الرذيلة وتعاطي المسكرات، مؤكداً الدور الكبير لوزارة الداخلية في مراقبة المجمعات التي توجد فيها هذه البيوت ومتابعة الأهالي وتوصيل شكواهم بشكل مستمر. وحول السبب وراء بقاء عدد من البيوت المهجورة في العاصمة دون إزالة، قال الدوسري إن بعض البيوت متعلقة بالورثة، وهناك سبب آخر رئيس وهو توقف إعطاء رخص البناء من قبل البلدية لأنها في طور إعداد تخطيط جديد للمنطقة يكفل توفير مواقف للسيارات، وأن تكون العمارات بأدوار محددة ومساحة الشقة لا تقل عن 100م2.وفي العاصمة أيضاً قال العضو البلدي لمنطقة أم الحصم، إن هناك متابعة مستمرة أولاً بأول حول الموضوع، وأن أي بيت يتوقع له أن يكون مهجوراً لسبب أو آخر، فإن سكان المنطقة يعلموننا بذلك، ونتابع بدورنا الموضوع مع أصحابه ومع الوزارة أو في أروقة المحاكم تجنباً لأي تأخير ينتج عنه آثار سلبية مستقبلاً.36 بيتاً للأشباحومن المنامة إلى الحد، هذه المدينة رغم ما تشهده من محاولات لتطويرها عمرانياً، إلا أن هذا النوع من المشاكل مازال يؤرق ساكنيها، العضو البلدي للحد رمزي القلاليف ذكر لنا أنه حوالي 36 بيتاً حالتها رديئة وآيلة للسقوط ومازالت تنتظر أمراً بالهدم. وسرد القلاليف قصصاً مأساوية كانت تحدث في هذه البيوت ما استدعى تضافر جهود البلدية والداخلية بالتعاون مع الأهالي لإغلاقها منعاً لدخول ممارسي الانحرافات السلوكية وشاربي الخمور للمكوث فيها ليلاً.وحول أبرز القصص حول تلك البيوت ذكر لنا الجلاليف قصة امرأة مسنة كانت تتردد على دار رعاية الوالدين وتوفيت المرأة وسرق اللصوص محتويات بيتها ولم يعرف أحد إلى يومنا هذا أهل المرأة، حيث يعتقد أنهم في إحدى دول الخليج العربي، وبالتالي تحول بيتها إلى بيت مهجور يعتقد بعض الأهالي أنه بيت للأشباح.وناشد الجلاليف عبر “الوطن” الجهاز التنفيذي بالبلدية، سرعة إصدار قرار هدم تلك البيوت، مشيراً إلى أن المجلس البلدي ووزارة الداخلية اتفقتا على ضرورة هدمها لخطورتها الأمنية والأخلاقية والبيئية.الأمور في تحسنوعبر جسر الشيخ خليفة سار بنا الدرب من الحد إلى المحافظة الجنوبية، حيث أكد العضو البلدي للدائرة الثانية علي المهندي احتراق أحد البيوت المهجورة في دائرته بسبب دخول بعض المنحرفين فيها ليلاً، وأَضاف أن هذه “الأوكار” أصبحت بيئة فاسدة تُرمى فيها القاذورات وتتكاثر فيها القوارض وتنطلق منها السحالي والحشرات والأفاعي إلى البيوت في الفرجان.وتوقع المهندي أن يتم الانتهاء من ملف البيوت المهجورة خلال السنوات القليلة المقبلة، مثمناً جهود البلدية في هدم 40 بيتاً مؤخراً، وأن بعض البيوت مجهولة الملكية وأخرى يتنازع فيها الورثة في المحاكم.وفي الدائرة الأولى للجنوبية التقينا ممثل الدائرة البلدي محمد البلوشي، وذكر لنا أن الجهاز التنفيذي لبلدية الجنوبية قطع شوطاً كبيراً في علاج المشكلة، حيث تم هدم 80% من مجموع 30 بيتاً في الدائرة، والمتبقية منها تنتظر حكم المحكمة بهدمها، وقال البلوشي إن “تلك البيوت كانت تستخدم أوكاراً لمتعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية، ولكن تعاون مدير البلدية وقسم التفتيش ورئيس مجلس بلدي الجنوبية أمّن سلامة المواطنين والمقيمين”.150 بيتاً مهجوراً في المحرقومن أولى الجنوبية إلى خامسة المحرق، قال ممثل الدائرة غازي المرباطي إنه من منطلق اهتمام مجلس بلدي المحرق بهذه المشكلة جرى تشكيل لجنة تعنى بالنظر في هذه البيوت وحصرها، ورفع القوائم إلى الجهاز التنفيذي للبدء في إزالتها.وأوضح المرباطي أنه تم رصد حوالي 150 بيتاً مهجوراً في محافظة المحرق وحدها، وكان للدائرة الخامسة نصيب الأسد منها كونها منطقة قديمة، لافتاً إلى أن بعض هذه البيوت لا تتحمل فترة طويلة تستغرقها الإجراءات الروتينية بدءاً بمخاطبة صاحب المنزل وصولاً إلى المحاكم.وأكد خطورتها على أرواح المارة نتيجة انهيار أجزاء منها، معلقاً “لا بد من وجود آلية لتعاون أكثر فاعلية بين البلدية والكهرباء لقطع التيار الكهربائي عن تلك البيوت للشروع وهدمها بأسرع وقت”.وفي جولة في الدائرة الخامسة بالمحرق، التقطنا عدداً من الصور لبعض البيوت المهجورة التي تصدعت جدرانها وبان داخلها من الخارج.وشكر المرباطي سمو رئيس الوزراء لمتابعته ملف البيوت القديمة، وجهود البلدية ووزارة الداخلية ممثلة في مديرية المحرق والدفاع المدني، متمنياً من وزارة البلديات “شد الهمة” بشكل أكبر لتجنب فقد أرواح نتيجة إهمال بعض هذه البيوت الخطيرة.تساؤلات المواطنطلب مني بعض المواطنين في مدينة حمد “الدوار الأول”، أن ألتقط بعدستى مبنى لم يكتمل بناؤه وبقي على هذه الصورة لأكثر من 10 سنوات، متسائلين “ما مصير هذا المبنى ولماذا بقي هكذا ولم لا توجد تحركات من قبل الجهات المعنية لإزالته؟” تساؤلات الأهالي نتمنى أن تجد لها آذاناً صاغية وقلوباً واعية وتحركات جادة ليزول هذا الهاجس المخيف الذي يقلق أولياء الأمور.لجأنا إلى مستشار وزير البلديات والتخطيط العمراني لشؤون المجالس البلدية عبدالرحمن الحسن الذي أسند إليه الاعتناء بهذا الملف ومتابعته شخصياً، وأكد لنا أن الوزارة تتابع الظاهرة باهتمام، حيث يوجد تعاون مستمر مع الجهات المعنية. وقال الحسن إن عدد البيوت الآيلة المسكونة وصل إلى 128 بيتاً في عموم البحرين، وجرى تحويل 107 منها إلى القضاء للموافقة بهدمها، وأن هناك 301 بيت في المملكة مهجور وآيل للسقوط وتم مؤخراً رفع 49 بيتاً منها للقضاء لأخذ الموافقة على هدمها.وثمن الحسن تعاون المجالس البلدية والبلديات الخمس في المحافظات على إظهارهم روح الاهتمام النابع من صلب العمل البلدي، مؤكداً أن الوزارة تسعى جاهدة لتصحيح أوضاع هذه البيوت تحت مظلة المجالس البلدية والبلديات الخمس وأن هناك تجاوباً وتعاوناً متبادلاً كبيراً.واستبشر أن هذه الظاهرة الخطرة في طريقها للزوال، وستبعد القلق من الناس وأن الإحصاءات والدلائل كلها تشير إلى ذلك، متمنياً تعاون جميع الجهات وخاصة القضاء خاصة أنه لا يمكن دخول تلك البيوت إلا بإذن أصحابها وإعلامهم أولاً بواسطة القضاء. جرس إنذارلن نغادر هذه الجولة حتى نقرأ معاً جرس الإنذار الذي قرعه عيسى القاضي من خلال قصة حدثني عنها، وهي أن بنتاً لم تتجاوز العشر سنوات كانت تسير قرب أحد المباني المهجورة في مدينة عيسى، وحاول عدد من الآسيويين إدخالها عنوة إلى العمارة لاغتصابها لولا حضور المارة في ذلك التوقيت.«الرسالة وصلت” هكذا نتمنى أن تكون، وكل ما نتمناه أن تجد تلك المشاكل طريقها للحل السريع من قبل وزارة البلديات عملاً بتوجيهات سمو رئيس الوزراء، ونحن لا نلقي باللوم بأكمله على وزارة البلديات ونثمن بكثير من التقدير جهود الوزير جمعة الكعبي ونأمل أن يتعاون الأهالي مع نواب الشعب البلديين والبرلمانيين وتتكاتف البلدية مع الداخلية لمنع استمرار مكوث هذه البيوت المهجورة والآيلة للسقوط لفترة طويلة وسط الأحياء السكنية.