لأيِّ مدىً يعلو نظرنا حين نصنع خياراتنا ونرسم أقدارنا؟ هل يبلغ النجوم ويعانق عنان الأفضل والأجمل والأكمل..؟ أم لا يرتفع بصرنا وطموحنا إلاّ بمقدار ما نحن على استعداد لدفعه من ثمن؟!، لنحدّد خياراتنا على إثره ونخطّ دروبنا ومسالكنا في هذه الحياة على ضوئه.
من الحقائق الصادمة والموجعة التي اختبرها الإنسان مرّةً تلو الأخرى، دون أن يستوعب درسها ويهضم فائدتها ويبدأ في تغيير نظرته تجاه كثيرٍ من الأشياء، وهي أن ما يفقده الإنسان ويُضيّعه جراء إحجامه عن دفع ثمن الأفضل لحياته والأكمل لذاته، هو أكبر بكثير مما يخاف دفعه من ثمن، ليكتشف بعد فوات الأوان أنه مارس أكبر عملية احتيال وغبن وخداع ضد ذاته ودون أن يشعر.
إن خشيتنا من المشقّة والفشل والألم والتعب...، تنهانا عن خوض الكثير من الدروب التي فيها الأفضل لحياتنا ونماءً ذواتنا. وتهيّبنا من الساحات التي نستشعر وعورتها ومشقّتها يحرمنا الكثير من فرص التحسين والتطوير لنا ولغيرنا في شتى المجالات والمناحي. لتكون النتيجة أننا لم نفقد الأفضل والأجمل فقط، بل وقعنا في ما خشيناه منذ البداية وهو الألم والشعور بالفشل، لأننا لم نقدّم ونمنح لأنفسنا ولغيرنا أفضل ما في الحياة وأجمله.
نحن أغنياء إلى أبعد الحدود في قدرتنا على بذل الجهد والسعي وتحمل المشقة وتجاوز التعب والألم في سبيل تطوير حياتنا وتنمية علاقاتنا وتحسين كل ظروفنا وأحوالنا، ولكن للأسف الشديد أنه في ذات الوقت نحن بخلاء أيضاً إلى أبعد الحدود، ندّخر طاقاتنا ومواهبنا تلك دون أي مبرر أو غاية منطقية ونحجم عن استخدام قدراتنا الإنسانية تلك لأهدافها التي خلقت لأجلها، وبالتالي كم نُضيّع من فرص ثمينة للنهوض والتغيير في حياتنا نتيجةً لذلك.
لو تأملنا ملياً في الفرق بين كل عظيم وصاحب بصمة في مجاله أو محيطه وأيضاً كل مُميّز وناجح وسعيد وراضٍ، وبين أكثر البشر الذين لم يتركوا وراءهم أي أثر أو بصمة مضيئة وكذلك التعساء والمحبطين والساخطين، لوجدنا أحد أهم الفروق الأساسية بينهم هو استعداد الفئة الأولى لأن تدفع الثمن والمزيد منه من ذاتها وجهدها لتنال الأفضل.
أقدارنا المأمولة تحتاج جلّ جهودنا وسعينا، واستعدادنا الواسع لأن ندفع ثمن ما نتمناه لحياتنا ومستقبلنا، فالجواهر لن تنبت مع حشائش الأرض بل تحتاج يدًا قوية مُصمّمة لتحفر الصخر حتى تنالها. وكذلك لا بد من رفع تلك النفرة من بذل الجهد والكدّ وتحمل المشقّة والتعب من أنفسنا، فليس هناك طرق مختصرة ووسائل سهلة للوصول للأفضل، إلاّ أنه أيضًا في ذات الوقت، ليس هناك أجمل ولا أروع من نجاحات وأهداف يصل إليها الإنسان باستحقاق وببذل الجهد والسعي وتحمل المشقّة في سبيلها.
وأخيرًا نقول... لنخطّ في هذه الليالي العظيمة، ليالي القدر من رمضان المبارك، بدعائنا وتخطيطنا وتصميمنا ونوايانا المخلصة، بأن نبذل في حياتنا جلّ جهودنا وسعينا ونسلك دروب العمل الجاد ملقين بخباء العجز بعيدًا عنا، لتكون أقدارنا هي الأفضل والأجمل والأكمل، فنحن خلقنا للأفضل، فلماذا نقبل بأقلّ من ذلك!؟

جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية