كتب- طارق مصباح:
حدثني بأسف عن الأيام الخوالي عندما كانوا يبيعون السمك وأدوات الصيد والتمر والخضار في قلب المحرق، وأخبرني أن لديه رخصة لمزاولة البيع في هذه السوق عمرها 50 سنة.. لكن السوق اليوم اختلفت عنها بالأمس.
وقال لي صاحب أحد محال سوق القيصرية بالمحرق أحمد علي المحميد، مواصلاً حديثه: إن السوق يحتاج إلى حراسة رجال الشرطة بنحو دائم، كما كان في السابق، وإلى تطوير بنائه.
وأثناء تجوالي في سوق المحرق القديمة “القيصرية” التقيت عبدالله علي فليفل، وهو أحد رواد السوق، وكان يحاول شراء شيء ما، وهو، في كل زيارة إلى هذا السوق يضع يده على قلبه لئلا يصيبهم – لا سمح الله – ما حدث لسوق المقاصيص بمدينة عيسى، وعندما حدثني أشار بيده إلى التوصيلات الكهربائية العشوائية لبعض المحال، وإلى سقف السوق المغطى بألواح الخشب والقماش.
وفي طريقي إلى السوق التقيت صاحب محل آخر، هو عبد الغفار عبدالرحمن، الذي شكا من قلة مواقف السيارات لرواد السوق، مشيداً بمشروع وزارة الثقافة الهادف إلى تطوير القيصرية، وقال: ملاحظة واحدة لدينا على هذا التطوير، فهو في جزئه الأول استغرق مدة طويلة ونحن في الجزء الخلفي مازلنا بانتظار التطوير الموعود.
واتفق معه عبدالرحمن بن سند الحماد، وقال: نحن نخاف بالفعل أن يتكرر حريق المقاصيص عندنا في المحرق.
والحماد لديه محل لبيع المواد الغذائية في هذه السوق وتمنى أن تتطور سوق القيصرية لتشابه مثيلاتها في قطر والكويت والسعودية، مطالباً بحلول جذرية لتطوير السوق بعيداً عن الحلول “الترقيعية” لكي تتلاءم السوق مع طموح المواطنين وأصحاب تلك المحال.
واتفق محمد بن سند الحماد مع ما سبق مؤكداً أن شارعي بوماهر والتجار لا يوجد اهتمام بهما من وزارة البلديات ولم يشهدا تطوراً “من أيام الغوص”!.
وقال راشد مال الله سبت: منذ كنا صغاراً، أي قبل 60 سنة، وهذا الكيلومتر من سوق المحرق لم يتغير، والدليل على ذلك أن منافذ المنطقة كما هي من ذلك الزمان!
جولة في السوق القديمة التي تعاني من كثير من الصور المؤلمة! وضعية السوق تنذر بشرارة، رصدت بعدستي جدراناً آيلة للسقوط وتوصيلات كهربائية تخرج بين سقف من القماش والخشب، وبيوت للعمالة الآسيوية في وضعية خطرة، والكثير..! تبين لي أن أصحاب هذه المحال هم من وضعوا القماش والخشب في سقف السوق لحماية بضاعتهم من الشمس والمطر! ولكن هل هذا حَل آمن؟!
ومن وجهاء المحرق الذين التقيناهم في السوق محمد بن إبراهيم المسلماني الذي أكد أن السوق القديمة بالمحرق تحتاج إلى متابعة وإشراف من ناحية التوصيلات الكهربائية والأسقف، مشيراً إلى أهمية توسعة الممرات وصيانة المباني الآيلة للسقوط فيها، وقال إن هذا الأمر يحتاج إلى لجنة فنية تتعاون فيها جميع الوزارات المعنية لتتوفر في السوق المقومات الأساس من مداخل ومخارج ومواقف ومرافق صحية.
الجانب الأمني في السوق أكده أكثر من مواطن، فعبدالرحمن راشد القصاب قال إن رجال الأمن في السابق كانوا يتواجدون في السوق ويتابعون فتح المحال ويتأكدون من إغلاقها، أما اليوم فكثر المتسولون فيها.
السوق «ما يشرفنا»!!
وما دمت في سوق المحرق، كان لابد لي من زيارة رجل الأعمال فؤاد شويطر، الذي التقيته في مكتبه وكان عنده مجموعة من رجال المحرق وتجار السوق، إذ بدأ الحديث بضرورة التحرك الفوري لإنقاذ سوق المحرق من شبح يهدده وهو حصول حريق مشابه للحريق الذي حدث في سوق مدينة عيسى المركزي وسوق المقاصيص.
بيَّن شويطر أنَّ أخطر مظاهر الوضع في سوق المحرق، تكمن في اتصال أسقف المحال التجارية عن طريق مواد خفيفة قابلة للاشتعال إذ إنها مصنوعة من “الأقمشة” والخشب، مطالباً بإزالة السقف الذي لا يحقق الكثير من الفائدة لمرتادي السوق، وإن وجدت فائدة فأضرارها أخطر.
وعبَّر شويطر عن دهشته لعدم وجود قانون ينصُّ على أن كل محل تجاري وكل منزل يجب أن تكون فيه مطفأة حريق، داعياً إلى حملة توعوية وطنية حول الحرائق وطرق مكافحتها، إضافة إلى الالتزام بالمعايير الدولية في السلامة، مشيراً إلى صعوبة دخول سيارات المطافئ في حال حدوث حريق، وقال: نحن نعد سوق المحرق أحد الواجهات السياحية في المملكة وهو على هذه الحال لا يشرفنا أبداً.
يوسف بوزبون صاحب محال ملابس في السوق القديمة ناشد وزارة الثقافة سرعة إنجاز مشروع القيصرية وأن تكون هناك مواقف متعددة الطوابق لرواده. أما صلاح الجودر فاتفق مع ما طرحه بوزبون من تأخر إنجاز المشروع مطالباً المسؤولين بالعمل بتوجيهات سمو رئيس الوزراء، بينما ذكر محمد بن هجرس: “إننا نخجل أن نتجول مع ضيوفنا في السوق القديمة بالمحرق بسبب حالتها المزرية”، أما جاسم الصائغ فأكد أن السوق تحتاج إلى إعادة تنظيم نظراً لإقبال السياح والخليجيين الشديد عليها.
هل نتدارك الأمر؟!
كان لابد من التواصل مع عضو الدائرة البلدي غازي المرباطي والذي انتقد تأخر تطوير السوق، وقال: طلبنا سابقاً من بلدية المحرق تنفيذ المشاريع السابقة للبدء بتطوير سوق المحرق إلا أن البلدية -أي الجهاز التنفيذي- لم يعر هذا الموضوع اهتماماً إلى اليوم، فهل يعقل أن تظل هذه السوق، منذ عشرات السنين، على حالها، ونحن طلبنا مراراً وتكراراً تطويرها، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الجهاز التنفيذي فلن نقبل أن تكون هناك أعذار إذ قد يقال إن وزارة الثقافة وضعت يدها على المحال، لكن هذا ليس مسوغاً كافياً.
وأضاف: نحن لا نتكلم عن طريقة بناء السوق، بل نتكلم عن أمن مرتاديها وأصحاب محالها التجارية وسلامتهم، والجهة المسؤولة عن تنظيم هذه العملية هو الجهاز التنفيذي في بلدية المحرق إذ لا توجد طفايات حريق أو لوازم أمن وسلامة.
وقال: إنني أحمل المسؤولية في حال حصول أي حادث، لا سمح الله، وزارة البلديات والجهاز التنفيذي لبلدية المحرق، إذ كان حري بالجهات المختصة في حال إنشاء مثل هذه الأسواق الشعبية أن تضع تلك المعايير لا أن تطلق الأمور عشوائياً كأن تبني المحال والمخازن من مواد قابلة للاشتعال.
بلدية المحرق ترد..
هذه الآراء كلها وضعناها على طاولة رئيس قسم الرقابة والتفتيش بإدارة الخدمات الفنية ببلدية المحرق وليد الذوادي الذي حمَّل هيئة الكهرباء وإدارة الدفاع المدني مسؤولية التوصيلات الكهربائية وتسقيف السوق القديمة، وقال: تلك هي الجهات المسؤولة عن تلك الأمور لوجود متخصصين في هذه الجوانب، أما البلدية فإنها أزالت البيوت الآيلة للسقوط والأجزاء المتهالكة من السوق القديمة تمهيداً لتنفيذ وزارة الثقافة مشروع تطوير سوق القيصرية، فهي الجهة التي تشرف على هذا التطوير.
وأفاد الذوادي في رده، على الملاحظات التي وردت في التحقيق، أن البلدية تتعامل مع السوق القديمة بطبيعة تختلف عن بقية الأسواق إذ سمحت بإخراج بعض البضائع في واجهة المحال التجارية.
سوق القيصرية.. متى نراك؟!
طال انتظار المواطنين لرؤية المشروع السياحي والتراثي الجميل لتطوير سوق القيصرية، ونتمنى أن ينجر في وقت قياسي وتراعى فيه جودة الأداء وتوفر الاحتياجات التي ذكرت في التحقيق، فمتى نراك يا سوق القيصرية؟