صدر مؤخراً قانون الطفل بعد أن صدّق عليه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، ويعد هذا القانون أول قانون خاص بالطفل في مملكة البحرين، واستغرقت عملية تشريعه عدة سنوات منذ الفصل التشريعي الثاني للسلطة التشريعية.
ويتضمن هذا القانون (69) مادة تقوم على تحديد حقوق الطفل البحريني وحمايته مع الأمومة، وضرورة توفير الظروف المناسبة لتنشئة الأطفال، وإعطاء الأطفال الأولوية في جميع القرارات والإجراءات التي تصدر. وحدَّد القانون نفسه آليات التنفيذ، وضمان حماية حقوق الأطفال من خلال تشكيل اللجنة الوطنية للطفولة التي تختص باقتراح الاستراتيجية الوطنية للطفولة، وتختص أيضاً بدراسة ورصد المشاكل والتحديات والاحتياجات الأساسية للطفولة، واقتراح الحلول المناسبة لها.
ويتضمن هذا القانون (8) أبواب، تشمل الرعاية الصحية للطفل، وسجله الصحي وغذاءه، ودور الحضانة والرعاية البديلة، والحماية من أخطار المرور، ورعاية الطفل المعاق وتعليمه وتأهيله ورياض الأطفال، وحماية الطفل من سوء المعاملة، والعقوبات المترتبة على مخالفة أحكام قانون الطفل.
بعد إصدار قانون الطفل ودخوله حيّز التنفيذ بعد النشر في الجريدة الرسمية، يبقى السؤال؛ ما أهمية هذا القانون؟ وما هي النتائج التي يمكن أن تترتب عليه؟
حتى نفهم أهمية هذا القانون ينبغي الانطلاق من الالتزامات الدولية لمملكة البحرين المتعلقة بحقوق الإنسان، فهناك العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل وكيفية رعايته وحمايته من الاستغلال. ومن أهم هذه الاتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالطفل التي وقعّت عليها المملكة في العام 1991، وقامت بالتصديق عليها دون أية تحفظات في 13 فبراير 1992 لتدخل حيّز التنفيذ في مارس 1992.
الاتفاقيات الدولية عادة ما تتطلب سن تشريعات وطنية جديدة، أو إجراء تعديلات على التشريعات القائمة، وذلك من أجل تحقيق الأهداف التي أنشئت بموجبها الاتفاقيات الدولية. فكما هو الحال بالنسبة للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحرية التجارة التي تتطلب سن تشريعات وطنية تضمن حرية التجارة في الدولة التي توقع الاتفاقية، فإن اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل تلزم الدول الموقعة عليها بسن تشريع وطني خاص بحقوق الطفل.
ومع بدء المشروع الإصلاحي في العام 2001، تزايد الاهتمام بحقوق الإنسان على المستوى المحلي، وخاصة لدى الحكومة وأعضاء السلطة التشريعية، وكذلك ممثلي مؤسسات المجتمع المدني، وكانت هناك مطالبات بالإسراع في سن تشريع خاص بالأطفال يكفل حقوقهم، ويضمن لهم الحماية في مختلف المجالات، منعاً للاستغلال، وحماية لمكتسباتهم باعتبارهم أجيال المستقبل، وهو ما دفع هذه الأطراف إلى العمل بجدية لإقرار القانون منذ الفصل التشريعي الثاني (2006 ـ 2010)، حتى ظهرت نتائجه اليوم في الفصل التشريعي الثالث.
جانب آخر مهم عند الحديث عن قانون الطفل وهو نتائج القانون وما يترتب عليه، وتبدأ من تحديد سن الطفولة، وهو السن الذي تحدده اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل بأنه “كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك”.
كما إن القانون تترتب عليه حماية الطفل من الاستغلال والعمل في سن مبكرة، لأن من حقه التمتع بطفولته، والرفاهية والحياة الكريمة، وتدريبه وإعداده للمستقبل مع غرس قيم حب العمل فيه منذ الطفولة. وبالتالي من واجب الدولة حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أية أعمال يمكن أن تمثل خطورة أو تحول دون تعليم الأطفال.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إصدار قانون الطفل يعني اتخاذ المملكة التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل عدم استغلال الأطفال في كافة المجالات، ومن بينها على وجه الخصوص، الاستغلال السياسي، كما هو الحال عندما يستغل الأطفال للمشاركة في الأنشطة السياسية مثل المسيرات والمظاهرات وحتى أعمال الإرهاب في بعض الحالات.
كذلك أقر قانون الطفل إنشاء اللجنة الوطنية للطفولة التي تختص بإعداد ومتابعة الاستراتيجية الوطنية للطفولة، الأمر الذي يعني أن الفترة المقبلة ستشهد تشكيل هذه اللجنة، والبدء في الخطوات الأولى لإعداد الاستراتيجية الخاصة بالطفولة ويتوقع أن تشترك فيها العديد من الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، على اعتبار أن مسؤولية الطفولة لا تقتصر على السلطة التنفيذية فحسب، وإنما تشترك فيها مجموعة من الجهات.
اللجنة الوطنية للطفولة ستكون معنية بإعداد ومتابعة التقارير الوطنية للبحرين الخاصة بالتزاماتها وتعهداتها الدولية في مجال الطفولة، وخاصة تلك المتعلقة باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، حيث تقوم كافة الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية بتقديم تقارير دورية للجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، وسبق أن قدمت المملكة عدة تقارير لهذه اللجنة من أكثر من عشر سنوات تتضمن استعراضاً لأوضاع الطفولة في المملكة، وعرضاً لمدى التزام المملكة بما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وأبرز التحديات التي تواجهها المملكة في مجال الطفولة.
التصديق على قانون حقوق الطفل في مملكة البحرين لا يعني انتهاء الحاجة للتشريعات الخاصة بالطفولة، بل هي البداية، لأن أي تشريع يتطلب مزيداً من القرارات والأنظمة والإجراءات والآليات التي يجب القيام بها لتحقيق الهدف الأساس وهو رعاية الطفولة البحرينية وضمان حقوقها ومستقبلها.
[email protected]